الصدق مع الناس أمر فى غاية الأهمية؛ إذ به تحصل الطمأنينة، وتُبنى جسور الثقة، والصدق معهم يكون بعدم المخادعة بالمظاهر الكاذبة والأحوال الزائفة، بل كن معهم كما أنت على حقيقتك فى بساطتك، وبحسب قدرتك وامكانياتك.. الصدق هو الطريق الأقوم الذى من لم يسر فيه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله فى أرضه الذى ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه صريعا، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته. وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التى هى أرفع درجات العالمين والصدق غير قاصر على صدق القول فقط، بل يشمل أيضا صدق الفعل والحال.. وصدق الحال أن يتطابق ما بين ظاهر سلوك المرء وباطنه، فلا يكون مرائيا أو متظاهرا بما ليس حقيقته وواقعه: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّا) قال على بن أبى طالب- رضى الله عنه-: من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث: من إذا حدثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفى لهم، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم .. وكثير من الناس يعمد إلى أسلوب التلون والتمثيل والتصنع لكى يحصل مكاسب مادية أو يصل إلى مرتبة سنية، لكنه بهذا الصنيع يخسر نفسه ومروءته ويخسر ثقة الناس به، فإنه يظن أن الناس مغفلون لا يقدرون على التمييز بين معادن الرجال وبين لابسى الأقنعة.. والصدق بمعناه الحقيقى هو أن تكون صادقا فى مشاعرك نحو الآخرين، فلا تجعلهم كالكرة كلما مللت ركلتها بأقوى ما لديك، حتى فى ابتساماتك مع الناس يدخل مدخل الصدق، فلا تكن كالمنافق يبتسم وفى داخله بركان من الحقد والكره والبغض، فعبوسك فى وجه مخالطك أهون من ابتسامة خبيثة.. والصدق عنوان الإخلاص وسلامة القلب فلا تروج كذبا، ولا تنشر شائعة، بل أصدقهم القول، وتحرّ الصواب فيما تخبرهم به، وتثبت فيما تنقله، فلا تكن بوقا ينقل الكلام بلا بصيرة ومن علامة الصدق سلامة القلب، وخلوه من الغش والحقد والحسد، فالعبد المؤمن الصادق فى إيمانه لا يضمر فى قلبه غلا ولا شرا، بل إن حب الخير والنصح لإخوانه هو طبعه وعادته، وهذه الحالة تظهر علاماتها على الأعمال، وذلك بتجنب الظلم والعدوان والاستطالة على الأعراض، والحرص على العدل والقسط مع الناس، والانطلاق بما فى الوسع لقضاء حاجات الناس، وإغاثة الملهوفين، ودفع الظلم عنهم، والحزن على مصابهم، والفرح لفرحهم والصدق عنوان المجتمع السعيد، ورمز خلقه الرفيع، ودليل استقامة أفراده ونبلهم، والباعث القوى على طيب السمعة، وحسن الثناء والتقدير، وكسب الثقة والائتمان من الناس والصدق التزام بالعهد، كقوله تعالي: )مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهََ عَلَيْه.
وعلى المستوى الشخصى والمهنى والإنسانى فإن، الصدق يمنحنا السلام الداخلي، ولا نحمل أعباء الخوف من اكتشاف الأكاذيب أو التلاعب بالأمور. وتصبح حياتنا أبسط وأوضح، ويعيش الإنسان فى سلام مع نفسه ومع العالم من حوله. وختاما، فإن الصدق ليس مجرد قيمة أخلاقية نشعر بها فى علاقتنا مع الآخرين، بل هو أساس رئيسى لبناء حياة مليئة بالسلام الداخلى والاستقرار النفسي.. فلنكن صادقين فى كل أبعاد حياتنا، فى كلماتنا وأفعالنا إلى أفكارنا ومشاعرنا. الصدق يمنحنا القوة لمواجهة الحياة بعينين مفتوحتين وقلب مليء بالطمأنينة، ويظل ركيزة أساسية لبناء مجتمع قوى وصحي. ولنحرص دائما وأبدا على أن يكون الصدق جزءاً لا يتجزأ من شخصياتنا وتعاملاتنا اليومية، لنؤسس لحياة مليئة بالإيجابية والتفاعل البناء الذى ينعكس على كل من حولنا ويساهم فى ترسيخ قيم المجتمع المتوازنة.
حفظ الله مصر
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم