الصحة والطب.. هما ليسا نفس الشيء.. ولكنهما أولاد عم.. يشتركان فى المفهوم ولكن يختلفان فى المهام.. الصحة تشير الى غياب المرض وتركز بشكل أساسى على الوقاية والحماية من الأمراض..بينما الطب هو العلم الذى يتعامل مع المشاكل الصحية بعد حدوثها.. ويختص بالتشخيص والعلاج والتحاليل والأشعات والجراحة.. وبعبارة أخرى يمكن أن نقول ان الصحة تهتم بالأصحاء لمنع مرضهم.. بينما يهتم الطب بالمرضى لمساعدتهم على الشفاء..
تأسست أول وزارة صحة مصرية عام 1936 وتولاها محمد باشا حلمى وكانت مهمتها الرئيسية مكافحة الأوبئة والأمراض المعدية وتحسين الصحة العامة.. أى انها ركزت على العمل مع الأصحاء من أجل حمايتهم من المرض.. وهو بالفعل توجه سليم.. لأن الحفاظ على صحة الغالبية السليمة من المجتمع أسهل وأكثر جدوى وأنفع من التعامل مع الأقلية المريضة.. والذى هو مخالف تماما وأكثر تعقيدا من الحماية والوقاية..
من أجل ذلك قامت العديد من الدول مؤخرا بفصل المؤسسات التى تعنى «بالصحة» وتركز على الوقاية والحماية من المرض تحت مسمى الصحة العامة أو الصحة الأساسية عن المؤسسات العلاجية التى تقدم الخدمات الطبية للمرضى بكافة أشكالها ومسمياتها.. هذا الفصل هو بالفعل الأسلوب المنطقى والعملى وأدى الى توفير مناخ أفضل لكل جهة لتحقيق أهدافها من أجل تعزيز صحة المواطن.. وليتنا نفكر فى تطبيق ذلك لدينا.. خبراء الصحة العامة لهم رؤية وفكر وتجارب تختلف كثيرا عن توجهات أطباء المؤسسات العلاجية.. ولقد لمسنا نحن ذلك جيدا حينما تولت وزارة الصحة والسكان.. أستاذة للصحة العامة.. وشهدنا أيامها توجها منطقيا لتعزيز خدمات الصحة الأولية.
خدمات الصحة الأولية فى مصر تقوم بها الوحدات الصحية الريفية ومكاتب الصحة ومايتبعها.. سجلات وزارة الصحة لعام 2024 تشير الى أن لدينا 5426 وحدة ريفية إضافة الى 457 مكتبا صحيا على مستوى الجمهورية.. تقدم خدماتها لما يزيد عن 57 % من سكان مصر الذين يعيشون فى المناطق الريفية شمالا وجنوبا.. هذه الوحدات الريفية تمثل المصدر الرئيسى المتاح للرعاية الصحية للكثير من أهالى الريف المصري.. وهذه الأرقام الرائعة تعنى أن أى مواطن فى الريف يستطيع أن يجد خدمات صحية لا تبعد عن منزله اكثر من 5 كيلومترات.. ولكن للأسف الأرقام شيء والواقع مخالف تماما لها.. فعلى الرغم من كثرة عدد الوحدات الصحية إلا أن الكثير منها لايعمل.. أو لايعمل طوال الوقت.. أو لايوجد به كوادر طبية أو معدات أو مستلزمات.. وقد يكون المبنى متهالكاً أو غير مقبول وليس به سكن إو إمكانية الإقامة للكوادر الطبية والتمريض.. ومجمل القول إن الكثير منها لاتقدم الخدمات المقبولة أو المرضية أو المشجعة للتردد عليه والاسنفادة من خدماته.. نتج عن ذلك فقدان الثقة بين المواطنين وهذه الوحدات.. وتوجههم للحصول على الخدمات الصحية بعيدا عن قراهم أو عزوفهم عن اللجوء الى هذه الخدمات من أساسه.
كافة المشاكل والمعوقات التى تواجه الوحدات الصحية الريفية معروفة وموثقة ومحفوظة.. وفى اعتقادى أنها تمثل المشكلة الأهم والأكبر لمنظومة الرعاية الصحية فى مصر.. لو تم حلها.. لاستطعنا أن نتغلب على الكثير من المشاكل الصحية والاجتماعية التى دوختنا ونعانى منها ولم نستطع أن نتخلص منها..
مع مبادرة حياة كريمة حدثت نقلة كبيرة فى الوحدات الصحية الريفية والمستشفيات بالقرى ستكون مؤثرة فى تطوير أدائها وما تقدمه من خدمات صحية للمواطن .