الصبر أنواع، منها البلاء والنعم والطاعة والمعاصي.. وعرف العلماء الصبر على البلاء، بأنه منع النفس عن التسخط والهلع والجزع.. والصبر على النعم، بأنه تقييدها بالشكر وعدم الطغيان والتكبر بها.. والصبر على الطاعة، بأنه المحافظة والدوام عليها.. والصبر على المعاصي، بأنه كف النفس عنها.
أجر المسلم عظيم إذا صبر واحتسب.. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له».. للمصائب والابتلاءات كما يقول الشيخ محمد صالح المنجد فى الكتاب والسنة سببان اثنان مباشران، إلى جانب حكمة الله تعالى فى قضائه وقدره:
السبب الأول: الذنوب والمعاصى التى يرتكبها الإنسان، سواء كانت كفرا أو معصية مجردة أو كبيرة من الكبائر، فيبتلى الله عز وجل بسببها صاحبها بالمصيبة على وجه المجازاة والعقوبة العاجلة.
يقول الله عز وجل: «وما أصابك من سيئة فمن نفسك» النساء 79، وقال المفسرون: أى بذنبك.
وعن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة فى الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر امسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة».
السبب الثاني: إرادة الله تعالى رفعة درجات المؤمن الصابر، فيبتليه بالمصيبة ليرضى ويصبر فيُوفَّى أجر الصابرين فى الآخرة، ويكتب عند الله من الفائزين، وقد جاء فى الحديث الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: «إن العبد اذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله فى جسده أو فى ماله أو فى ولده» رواه أبوداود وصححه الألباني.. وقد جمع السببان فى حديث عائشة رضى الله عنها، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة» رواه البخارى ومسلم.. والتداخل والاشتراك بين هذين السببين، أعظم من الصور التى ينفرد كل منهما به:
فمن ابتلاه الله بمصيبة بسبب ذنبه، فصبر وشكر، غفر الله تعالى له ذنبه ورفع درجته فى الجنة ووفاه أجر الصابرين المحتسبين.. ومن ابتلاه الله بالمصيبة ليبلغ المنزلة الرفيعة التى كتبها له فى الجنة، تكفر عنه ذنوبه السالفة، وتعتبر جزاء له عليها فى الدنيا، فلا تكرر عليه فى الآخرة.
والجزاء الدنيوى لا ينفصل عن الجزاء الأخروى وقد يكون أحد هذين السببين أظهر فى بعض صور البلاء من السبب الآخر، ويمكن فهم ذلك من خلال قرائن الحال التى تتعلق بتلك المصيبة:
فإذا كان المبتلى كافراً، فلا يمكن أن يكون بلاؤه لرفعة درجته، فالكافر ليس له عند الله وزن يوم القيامة، لكن قد يكون فى ذلك عبرة وعظة لغيره، ألا يفعل مثل فعله، وقد يكون من ذلك من عاجل عقاب الله له فى الدنيا، زيادة على ما ادخره له فى الآخرة.. وأما إذا كان المبتلى مسلماً عاصياً مجاهراً أو فاسقاً ظاهر الفسق، فقد يغلب على الظن وجه المجازاة والعقوبة بهذا الابتلاء، لأن تكفير السيئات أسبق من رفع الدرجات، والعاصى أحوج إلى تكفير سيئاته من رفع درجاته.
فى المقابل إذا كان المسلم عابداً طائعاً صالحاً ليس بينه وبين الله إلا العبودية الحقة والشكر والحمد والإنابة والإخبات إليه سبحانه، فهذا يغلب على الظن فى ابتلائه وجه المكرمة ورفع الدرجات، والعباد شهداء الله فى الأرض، فإذا عرفوا فيه الصلاح كان لهم أن يبشروه برفعة الدرجات عند الله تعالى إن هو صبر على بلائه.
أما إذا أبدى المبتلى السخط والجزع، فلا يظن أن يكون ابتلاؤه مكرمة من الله له لرفع درجاته، وقد علم سبحانه منه عدم الصبر والرضا، فالأقرب فى هذه القرينة وجه المجازاة والعقوبة.
علامة الابتلاء تكفيراً وتمحيصاً للخطيئات، وجود الصبر الجميل من غير شكوي، ولا جزع ولا ضجر، ولا ثقل فى أداء الأوامر والطاعات.
وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات، وجود الرضا والموافقة، وطمأنينة النفس، والسكون للأقدار حتى تنكشف.