خلال أيام العيد وأجازته الطويلة تجولت كثيرا بين أحياء القاهرة وضواحيها وكذلك بعض المحافظات المصرية، لاحظت وجود تجمعات وأفواج من جنسيات مختلفة بكثافة فى بعض المناطق بعينها، أعلم كما يعلم القاصى والدانى أن اللاجئين أو الضيوف الفارين اختيارا أو إجبارا من الصراعات والحروب فى بلدانهم لم يجدوا إلا مصر مقصدا وملجأ، لكن ومع كامل الاحترام للقيم والمبادئ الإنسانية وكذلك القوانين الدولية إلا أن الملف يحتاج إلى من يفتحه دون خجل، وحسنا فعلت الحكومة بفتح ملف اللاجئين الموجودين على أرض مصر والذين قُدِر عددهم وفق معظم التقديرات بما يزيد على 9 ملايين شخص وصلوا إلى الأراضى المصرية فى ظروف وتوقيتات وملابسات متباينة وفقا لحالة البلد القادمين منها، هناك مهاجرون أو لاجئون أو نازحون فى مصر يحملون جنسيات أكثر من 100 دولة أجنبية، معنى ذلك أننا أمام مئات الثقافات والمعتقدات والعادات والتقاليد والسلوكيات وكذلك اللغات واللهجات التى تختلف وتتباين وتتمايز من بلد لآخر وهذا يمثل عبئا على مجتمع يتميز بالتجانس الشديد فلا تكاد ترى إلا «الروح المصرية والشخصية المصرية» هى السائدة والملحوظة، فلا مكان لطائفية أو مذهبية أو عنصرية أو قبلية أو عشائرية أو حتى أيديولوجية، هؤلاء اللاجئون جاءوا هاربين ومستجيرين من مناطق حروب وصراعات ونزاعات ويحملون قدرا هائلا من مشاعر الكراهية والرغبة فى الانتقام جراء ما أصاب حياتهم وتسبب فى تهجيرهم ووصولهم إلى مستوى اللاجئين بعدما كانوا مواطنين أسياداً فى بلدانهم، وهذه المشاعر الانتقامية تحتاج إلى مراقبة شديدة وضبط حكيم حتى لا تكون الأراضى المصرية ساحة لتفريغ شحنات الغضب وتصريف مشاعر الكراهية وتنفيذ مخططات الانتقام، هذه النقطة أراها غاية فى الدقة والخطورة، وقد تؤدى إلى إصابة «الثوابت الديموغرافية» فى مقتل، وهناك ما هو أخطر من ذلك وهو الفاتورة الاقتصادية التى تتحملها الدولة المصرية منذ سنوات دون أن ينتبه أو يهتم أحد من الدول التى تملأ الدنيا صراخا حول أوهام الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، 9 ملايين يأكلون ويشربون ويسكنون ويركبون وسائل المواصلات ويدخلون المدارس والجامعات والمستشفيات ويشترون الأدوية والملابس والأجهزة المختلفة، 9 ملايين لديهم مشاكل وبين بعضهم قضايا وتقدم الدولة لهم خدمات الأمن والعدالة والتقاضى كذلك يمثل البعض عبئا إضافيا على الأمن القومى من خلال وجود عناصر غير منضبطة بينهم وتمثل خطرا على الأمن القومى ومن ثم عبئاً على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، فهؤلاء يمثلون عبئا اقتصاديا يماثل وجود دولة عدد سكانها 9 ملايين نسمة فوق كاهل الدولة المصرية، لذلك حسنا فعلت الدولة بفتح الملف والبدء فى حصر شامل لكل هذه الأعداد وتوفيق أوضاع الإقامات، فلابد أن يعرف العالم خاصة الدول الغربية تكلفة وجود هذه الملايين على أراضيها، فهؤلاء كان مسارهم الطبيعى ومسيرتهم ومصيرهم إلى أوروبا وأمريكا، فإذا تخيلنا وجود كل هذه الأعداد على أرض القارة العجوز فيقينا ستسقط معظم حكوماتها ويعانى المجتمع الأوروبى من متلازمة «الشيزوفرينيا الديموغرافية» التى تهدد استقرار المجتمعات ثقافيا وفكريا واقتصاديا، لذلك ليس عيبا أن تطالب مصر بمساعدات سنوية لا تقل عن 9 مليارات دولار، وذلك من خلال سرعة التواصل مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة وكذلك دور مهم لوزارة الخارجية فى وضع الصورة الصحيحة أمام المجتمع الدولي.