يشبه الشيخ محمود ياسين التهامى عصره.. يسير فى طريق والده لكن له طريقته.. يعتز الأبن بأبيه عميد دولة الإنشاد لكن يرفض أن يعيش فى جلبابه.. يؤمن بموهبة الأب الفريدة التى صقلتها التجارب ويرى أن موهبته هو أصقلتها الدراسة والتدريب فتخرجه فى كلية اللغة العربية ودراسته للموسيقى فى معهد الكونسرفتوار وحصوله على الماجستير فى علم النفس ساهم فى تكوين وجدانه الدينى والثقافي.. يصف الشيخ محمود التهامى نفسه بالعصامى عكس ما يظن الغالبية بأنه مولود وفى فمه ملعقة من ذهب والمقربون فقط يعرفون تفاصيل مشوار كفاحه الذى بدأه وهو صبى دون العاشرة بختم القرآن الكريم كاملاً وحفظ دواووين ابن الفارض وابن عربى وغيرهما من كبار شعراء الصوفية.. وعندما أتم الثالثة عشرة من عمره أحيا حفلاً كبيراً بالبدرشين وعندما التحق بالجامعة وصل للعالمية وأحيا حفلات فى دول عربية وأوروبية وفى خضم انشغاله لم ينس الشيخ محمود هوايته وعشقه للعمل التطوعى فأسس نقابة للعاملين بمجال الإنشاد وصار لها نقيباً وأنشا مدرسة لتعليم فن الإنشاد ومازال يحاضر فيها.. لاحظ عليه صناع السينما والمخرجون حضوره الطاغى وكاريزمته اللافتة فعرضوا عليه البطولة فرفض خوض غمار التمثيل حتى يصادف «الورق» الذى يناسبه.
فعندما توجهنا لإجراء حوار مع ابن التهامى بمقر الاستديو الخاص به فى الجيزة تصادف وجود فرقته التى كانت تجرى البروفات النهائية لإحياء الليالى الرمضانية بالإمارات وعايشنا تلك الاجواء الروحانية التى بدا فيها الشيخ محمود يحتضن العود كعشق يغازل الأوتار وعن يمينه يجلس نجله ياسين وعلى يساره نجله الثائر الحق يدندنان ويتمايلان على الالحان لا بصفتهما ابنى الشيخ الفنان بل لكونهما عضوين فاعلين ومؤثرين فى الفرقة التى تؤدى فى جو روحانى لم تقطعه إلا اسئلة هذا الحوار التى تحمل تفاصيله السطور القادمة.
< هل نستطيع أن نقول إنك وريث الشيخ ياسين التهامى فى الموهبة والأداء؟ وما هى علاقتك بوالدك؟
<< مولانا الشيخ ياسين قيمة وقامة حال وحالة له مدرسته الخاصة فى الانشاد فهو بحق عميد دولة الانشاد دون منازع ولا أنكر أن الجينات كان لها دور كبير فى أن أرث حنجرة أبى الذهبية لكن فى الواقع أنا شخص عصامى اسست مدرسة خاصة بى واصقلت موهبتى بالدراسة حيث تخرجت فى كلية اللغة العربية عام 2000 واثناء دراستى الجامعية التحقت بمعهد الكونسرفتوار لتعليم الموسيقى وحصلت على ماجستير فى علم النفس وكل هذا ساعدنى أن أكون صاحب مدرسة التجديد فى هذا المجال وهذا ليس كلامى ولم اذكره أو اصرح به من قبل لكن هذه شهادة النقاد والمتابعين والمتخصصين، أما عن علاقتى بوالدى فهى علاقة أبوية قوامها الود والود والبر.
< أقصد هل هناك علاقة استثنائية غير علاقة الابن والأب المعهودة كصداقة مثلاً مرجعته حياتية؟
<< بصراحة هى علاقة أبوية فقط فوالدى دائم الاسفار والترحال كنت نادراً ما اراه فتارة يحيى حفلاً فى جنوب الصعيد وتارة ينشد فى الاوبرا ومرات كثيرة يسافر إلى اوروبا تلبية لدعوة من سفير جالية أو رئيس دولة وفى تلك الاثناء كان عمى الشيخ الجميل جزاه الله عنى وعن إخوتى خير الجزاء هو من يتولى رعايتنا ويدير شئون بيتنا ويرعى زرعنا بجوار وظيفته إماماً وخطيباً بالأوقاف حتى بلغ السن القانونية وهو مدير إدارة اوقاف منفلوط متعة الله بالعافية وطول العمر هو وابى وكل ذرية جدى العارف بالله الشيخ تهامى رضى الله عنه.
< من الذى اكتشف موهبتك؟
<< منذ كنت طفلاً فى الخامسة من عمرى كنت أقوم بالأذان للصلاة فى المسجد وأقرأ القرآن فى إذاعة المعهد الأزهرى وانشد فى الحضرات التى كان يقيمها عمى فى منزلنا حتى احترفت العمل فى مجال الانشاد.
< بدأت احتراف الانشاد وأنا فى الثالثة عشرة من عمرى ودعيت لإحياء حفل كبير بالبدرشين وبصراحة كنت شجاعاً ولم اهب الجمهور لأن كل تركيزى فى الكلمات التى أنشدها والفرقة الموسيقية التى كان تعزف خلفى فكنت اديرها كمايسترو وكان الجميع مندهش من تركيزى بعدها ذاع صيتى وانهالت على الدعوات لإحياء الليالى فى الصعيد والقاهرة والوجه البحري.
< من أشقائك ورث جينات والدك الشيخ ياسين واحترف الانشاد؟.
<< ما شاء الله نحن خمسة أولاد ورثنا عن والدى هذا الصوت الجميل العبد الفقير لله ومحمد ومهدى وتهامى وعلى ولكل منا مدرسته الخاصة التى يتميز بها وجميعاً بالطبع تحت لواء عميد الانشاد فى العالم العربى والإسلامي.
< لو تكلمنا عن مدرستك وطريقتك ما الذى يميز الشيخ محمود التهامى عن غيره من المنشدين؟
< مدرستى مختلفة تماماً وهى بأمانة صعبة لأنى أقوم بعمل مزج بين القصائد التراثية والألحان الحديثة وأوزعها توزيع جديد حتى يصل لوجدان المتلقي.
< هل لك ذكريات رمضانية أو طقوس كنت تمارسها فى الشهر الفضيل؟
<< نعم فى رمضان ذكريات مبهجة فاذكر أول يوم صمت فيه كنت صغير وكن الجو حاراً جداً واليوم طويل وكنت فى المرحلة الابتدائية واذهب إلى المدرسة وأعود للتوجه إلى الغيط ثم اذاكر واحفظ وردى اليومى من القرآن لذلك كان الصوم شاقا جدا على الاطفال وفاجأتنى اسرتى بالاحتفال بى أول يوم صيام وقدموا لى الهديا وشجعونى على مواصلة تلك العبادة ذات الثواب العظيم.
وكان من طقوس فى الشهر الفضيل ختم القرآن كاملاً كل ثلاثة أيام وكنت أصلى التراويح فى المسجد وأقوم الليل متهجداً وبصراحة أصبح لدى التزامات دولية واحياء حفلات رمضانية فخصصت نهار رمضان لقراءة ما تيسر من القرآن وصلاة الفروض والنوافل وبالليل امارس مهامى وألتزم بمواعيد حفلاتى واقامة البروفات مع فرقتى وعزائى انى منشغل فى ليل رمضان بالذكر والصلاة على سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم.
< آل ياسين لهم مريدون ومحبون فاقوا وتعدوا مرحلة المريد والمحب ووصل بهم الحال والحالة لدرجة العشق والهيام ما سر ذلك؟
<< السر يكمن فى جدنا التقى النقى العارف بالله الشيخ تهامى حسانين ودعائه لنا فبارك الله فى ذريته وكافأنا الله بمحبته ومحبة عباده الكرام وهناك سبب آخر ومهم وهو الصدق والمصداقية فعائله ياسين التهامى تتخذ الانشاد وسيلة وليست غاية لا نسعى لمال ءأو شهرة كل غايتنا الذكر ومدح خير الأنام صلى الله عليه وسلم.
< ما رأيك فى المشهد العام الذى يموج بمئات المنشدين وما تقييمك لأدائهم.
<< هناك مواهب عديدة فى مصر تعمل فى مجال الانشاد لكن الموهبة وحدها لا تكفى والموضوع كبير والانشاد فى المقام الأول ثقافة تحتاج لدراسة وتدريب وتعليم وخبرات متراكمة حتى يستطيع المنشد الموهوب أن يصعد المسرح ويواجه الجمهور ويستطيع ان يسيطر على الفرقة الموسيقية التى تعزف خلفه فبدون دراسة وثقافة يجد نفسه تائها على المسرح ويتلاعب به اعضاء فرقته.
< هل هذه الأسباب دفعتك لإنشاء مدرسة لتعليم الإنشاد؟
<< هناك اسباب عديدة دفعتنى لتأسيس مدرسة لتعليم الانشاد لأن كثيراً من المنشدين لا يعرفون أصول المهنة ويحتاجون للدراسة والتدريب حتى يتمكنوا فى الانسجام مع اعضاء الفرقة التى تقف خلفهم وهذا الأمر لاحظه الدراسون الهواة والمحترفون عندما التحقوا بالمدرسة وشعروا بالفارق بعد أن تم صقل موهبتهم ومنهم من سار على النهج واسس مدارس مناظرة وأنا بأمانة كنت ومازلت أدعمهم لأن ما يشغلنى فى المقام الأول هو نشر ثقافة الانشاد وتبادل الخبرات والتدريب والتعلم والحمد لله المدرسة التى أنشأتها تدار بنظام مؤسسى وتم عمل بروتوكولات مع مؤسسات الدولة من بينها وزارة الشباب والرياضة نشارك فى مسابقة ابداع التى تمت تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى وهناك برتوكولات مع صندوق التنمية الثقافية وبصراحة وزارة الشباب تدعمنا وتشجعنا واسسنا اوركسترا وزارة الشباب للانشاد وتم تمثيل مصر فى الخارج فى مسابقة ابداع وفاز ثلاثة من الشباب المنشدين المصريين بالمراكز الأولي.
< ما كواليس مشاركتك فى السيمفونية العالمية الثالثة التى ضمت 350 فناناً وموسيقاراً من انحاء العالم؟
<< كان لى الشرف المشاركة فى تلك السيمفونية التى اشرفت عليها مجموعة أبوظبى للثقافة والفنون والتى ألفها الموسيقار العالمى جون ديبنى والمولف الإماراتى ايهاب درويش والمؤلف الموسيقى الامريكى ديفيد شاير وعندما احتاجوا مشاركة مسلم متخصص فى الانشاد أجمعو على اختيارى لكونى دراساً ولى باع فى المجال وتمكنت بتوفيق من الله فى مواكبة هؤلاء العالميين والمتخصصين فى مجالهم أذن الدراسة والتخصص والتدريب والخبرات اضف إليها الصدق والمصداقية كل هذا يصنع لك أسماً وتصير برند فى مجالك.
< ما العراقيل االتى حالت دون اتمام حلمك بتأسيس نقابة مهنية للمنشدين؟
<< بدأت العراقيل فى عهد الجماعة الارهابية الذين رفضوا تأسيس النقابة وقاموا بسرقة الفكرة واعلنوا انهم سوف ينشئون نقابة للانشاد الدينى دون موسيقى وعندما جاء كمال ابوعيطة وزيراً أرسل لى ووافق على تأسيس نقابة عمالية ولم اكتف بها فحاولت انشاء نقابة مهنية وبعد هذ المشوار الطويل وجدت بعض المنشدين يسعون لمحاربتى رغم انى ابذل مالى ووقتى لخدمتهم لذلك تركت لهم الحمل بما جمل وتفرغت لنشر فنى فى مشارق الأرض ومغاربها خاصة وأنا والحمد لله عضو عامل فى نقابة المهن الموسيقية وعلاقتى بالنقيب غاية فى الود والحب.
< لمن يسمع الشيخ محمود التهامي؟
<< أنا عاشق للراحل الكبير عمى الشيخ أحمد التونى لأنه حالة طربية لن تتكرر لأنه صادق ومحب فكان احساسه يصل للجميع، وأنا كملحن متأثر بالفنان الشامل محمد فوزى .
< لماذا اتجهت لعمل كليبات وأغان عاطفية؟
<< نعم اتجهت لعمل كليبات ونالت مشاهدات كبيرة على اليوتيوب وصورتها فى تونس والمغرب والمخرج الكبير سعيد الامام هو صاحب فكرة عمل دويتو غنائى على غرار ما قامت به سيدة الغناءا لعربى أم كلثوم مع الشيخ سيد مكاوى وزكريا أحمد وسلامة حجازى وبالفعل عملت أغنية ياملك مع الفنانة مى فاروق الحان الملحن العبقرى رحيم وانتاج روتانا ولاقت نجاحاً كبيراً وأنا قبلت الأغنية لأننى شعرت بها واحسست بها.
< أنت أهلاوى ولا زملكاوي؟
<< أنا لا اتابع الكرة المصرية لكنى أشجع ليفربول ولأنى من عشاق صلاح لكن ولدى ياسين والثائر الحق عضوان فى النادى الأهلى ووالدى الشيخ ياسين يحب الأهلى لأننا تجمعنا علاقات طيبة برموزه الكابتن محمود الخطيب والكابتن طاهر أبوزيد والكابتن أسامة حسنى عندما سجل القرآن بصوته كنت مشرفاً على هذه التسجيلات وفى المطلق انا لا انتمى لأى ناد مصرى ولا يهمنى فوز الأهلى أو خسارة الزمالك.
< كان نفسك تمتهن مهنة اخرى غير الانشاد وانت فى مقتبل عمرك؟
<< أنا مولود لأكون منشداً وملحناً وصاحب مدرسة فى مجالى ولا أصلح لأى عمل غير ذلك.
< هل تحلم بالتمثيل؟
<< عرض على صناع السينما والدراما العمل وأنا بصراحة لم أجد ما يناسبنى ولو اتيحت لى الفرصة المناسبة والدور الذى يليق بى «ليه لأ» وكان هناك مشروع لعمل قصة حياة والدى وحياتى لكن هذا العمل يحتاج لميزانية ضخمة والله المستعان.