تعددت أدواره، فهو أحد رواد الأدب السياسى فى فترة دقيقة من تاريخ مصر، ولد أيام حفر قناة السويس وقبل افتتاحها بست سنوات، وعاش أفول نجم الخديو توفيق وبزوغ نجم عباس حلمى الثانى، كما عاش زخم لطفى السيد وعبدالله النديم وزعامة الشاب الثائر مصطفى كامل ورفيقه محمد فريد، جاء من صعيد مصر قبل الحرب العالمية الأولى 1914، تشابه مع أستاذ الأجيال فى سرعة انتشاره ومع مصطفى كامل فى زعامته للحزب الوطنى، وأسس أيضا حزب الإصلاح، جاء انتشاره فى مجلة «الآداب» وبات أستاذاً لمدرسة الصحافة الوطنية فى زمن الاحتلال، بإنشائه جريدة «المؤيد»، كان قلمه «بوصلة» للحركة الوطنية ضد الانجليز وضد «أنجلزة» الإدارة فى مصر، له خبطات صحفية، فقد ارتبط بأشهر قضية صحفية فى القرن الماضى وهى قضية «التلغراف» عبر رسالة كتشنر السردار الانجليزى إلى وزير الحربية وأحدث جلبة وضجة كبيرة ذهبت به للمحاكمة.
الشيخ على يوسف الأزهرى الذى ولد فى «بلصفورة» بجرجا- سوهاج، وعاش فيها عاماً واحداً قبل أن تذهب به أمه بعد وفاة والده ليعيش وسط أخواله فى بنى عدى بمنفلوط، لكنه كان حنينه دائما لـ «بلصفورة» الذى جعل الخديو عباس حلمى الثانى يقف أمامها عندما كان فى جولة بعد تنصيبه بالصعيد لتكتسب شهرة غابت عنها، انها قرية «الشيخ على يوسف» التى وقف القطار أمامها بأمر وطلب من الشيخ نفسه ليرى القرية التى ولد بها الطفل اليتيم.
ولا يمكن الإشارة إلى الحركة الوطنية المصرية دون الحديث عن الشيخ على يوسف الذى يشير إليه الباحثون وبينهم د.سليمان صالح الأستاذ بإعلام القاهرة، الذى أعد دراسته لنيل الماجستير بإعلام القاهرة عن الشيخ على يوسف «المؤيد»، التى تزامنت مع إنشاء الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل وعلاقة الشيخ على والزعيم مصطفى فى مقاومة الاحتلال، وإذا كان مولد على يوسف 1863 ووفاته 1913 قبل توقف «المؤيد» الجريدة عن الصدور عام 1915 وفيها كان أول إشارة لتشكيل مجلس نيابى فى مصر، ومعركة على يوسف مع اللورد كرومر كانت كاشفة وكل هذا قبل أن يتولى الطريقة الوفائية التى كان يتولاها صهره السادات.
تاريخه حافل منذ ولادته والتحاقه بالكُتاب، مروراً بحبه للشعر والأدب والكتابة الصحفية وتفجيره واحدة من أهم القضايا الاجتماعية بزواجه من السيدة صفية السادات، التى كانت حديثاً ثرياً للشارع السياسى والمخملى عام 1904، وهى كيف تتزوج «صفية» بنت الحسب والنسب من صحفى «مهنة» كان ينظر لها بشىء آخر وهو الرجل الذى جاء إلى مصر على مركب نيلى ليهبط بمنطقة الأزهر والمجاورين ويشعل حراكاً ثقافياً سياسياً واسعاً فى مصر ضد الاحتلال، مطالباً بجلائه عن مصر، ويظل اسمه لامعاً فى السيرة الصحفية التى بدأها بالكتابة فى مجلة «القاهرة الحرة».
حقاً، إن تاريخ وسيرة الشيخ على بن أحمد بن يوسف البلصفورى تقدم نموذجاً مميزاً للمثقف العصامى الذى حفر فى الصخر وقدم من الصعيد على مركب نيلى تتلاطمه أمواج النيل حتى رسى به على شاطئ قاهرة المعز ليدشن سيرة رجل وطنى وصحفى عاش على أرضها 50 عاماً ودفن بجوار صهره فى مسجد السادات بمقابر «الغفير»، وبعد وفاته بثلاثة عقود دفنت أيضا زوجته صاحبة أكبر قضية اجتماعية بين حبيبين فى القرن الماضى وبينهما رسائل غرامية بأسماء مجهولة لكنها «مفهومة» بينهما، تبادلا فيها كلمات الغزل والعشق، بجوار دوره بالحركة الوطنية ضد الاحتلال، وهذه الرسائل قصة أخرى لفتاة لم تكن قد بلغت الرابعة والعشرين بعد مع من اختارته زوجاً، وسيظل اسمه حاضراً فى التاريخ المصرى وليس مجرد ميداناً فى المجتمع المخملى «جاردن سيتى» بجوار السفارات الاسبانية والأمريكية والبريطانية وقريباً من ميدان سيمون بوليفار.
والحقيقة، دراسة د.سليمان صالح عن الشيخ على، التى أشرف عليها د.خليل صابات وقدم لها د.عبدالعظيم رمضان أستاذ التاريخ تقدم رؤية مهمة عن تأسيس أول صحيفة مصرية عام 1889، فهى كانت المقدمة لصحافة وطنية ضد الاحتلال ويكفى أن أبرز كُتَّابها مصطفى كامل ومحمد فريد.
ولد على بن أحمد بن يوسف البلصفورى الحسينى فى قرية بلصفور التابعة لجرجا ويشاء القدر أن يموت والده وبالكاد كان قد أكمل عامه الأول ولم يترك له إرثاً، فحملته والدته إلى أهلها فى بنى عدى بمنفلوط ليعيش فى كنف أخواله فى أسيوط، وكان لهذه النشأة تأثير كبير فى حياته وأيضا فى تعليمه ومواقفه، فظروف نشأته مرت بتضاريس اجتماعية صعبة ذاق فيها الحرمان ومرارته يتيماً معدماً.
وكعادة ذلك الجيل القديم، كان كُتاب القرية فى بنى عدى محطته الأولى على يد الشيخ حسين الهوارى واجتهد الطفل على بسرعة ونجح فى حفظ القرآن قبل أن يبلغ الثانية عشرة من عمره، وكان ذكياً ومن النابهين، فصعد بسرعة وانتقل إلى القاهرة عام 1881 وقبل ثورة عرابى مباشرة، رأت أسرته أن يتعلم فى أزهر القاهرة وإذا لم ينجح فقد حفظ القرآن ويتكسب الرزق بقراءته على المقابر.
وفى الأزهر لمع الطالب فى نحو دراسة العلوم الفقهية والتفسير، وكان على شغوفاً بقراءة يتميز بقوة الذاكرة واستعادة ما قرأه قبل عقد وكأنه قرأه أمس، ولم ينس أنه عندما جاء للقاهرة عام 1881 فى الوقت الذى نفى فيه جمال الدين الأفغانى 1879، رغم أن على يوسف عمل بجريدة «مرآة الشرق» التى أصدرها سليم بك عنجورى عام 1879 وهى من الصحف التى روجت لأفكار الأفغانى، ومن الخطأ القول أنه تتلمذ على يد الأفغانى، على اعتبار أنه كتب فى جريدة تروج لأفكاره ترأسها عام 1884 بعد سعيد السيتانى عن التحرير.
فى الأزهر الشريف بدأ على يوسف يتجه إلى تنظيم الشعر ونشر ديوان كامل عام 1885 بعنوان «نسمات السحر»، وبعدها هجر الشعر واتجه للعمل الصحفى فى جريدة «القاهرة» مع أحمد فارس الشدياق وترأس «مرآة الشرق» عام 1884 وتعطلت الجريدة عام 1886، ففكر فى إنشاء جريدة أدبية ووجد صعوبات كثيرة، فى الحصول على رخصة إصدار تعاون مع الشيخ أحمد ماضى زميله فى الأزهر فى إصدار جريدة «الآداب» عام 1887، وهى الجريدة التى قدمته لرجال الحركة الوطنية.
وفى عام 1889 أصدر «المؤيد» وظلت تصدر 24 عاماً حتى وفاته، وهى الجريدة التى كانت ذراعاً مهمة للحركة الوطنية، الأمر الذى جعل جريدة «الجريدة» تقول إن الحركة الوطنية وبمعاونتهم لعلى يوسف منحوه الثروة والجاه.
خلال إصداره «المؤيد»، كان يتميز بأنه مخبر صحفى مميز واستطاع التغلب على عقبات النشر التى فرضها اللورد كرومر الذى فرض حظره على «المؤيد»، فاستعان الشيخ على بموظفى الدواوين للحصول على الأخبار.
أزمة التلغراف السرى
كان خبر «التلغراف السرى» الذى أرسله كتشنر سردار الجيش البريطانى إلى وزير الحربية أحد الخبطات الصحفية للشيخ على يوسف، وفيها أرسى مبدأ من مبادئ الصحافة الحديثة وهو حق الصحفى بالاحتفاظ بسرية مصادر أخباره، وما عرف إعلامياً بـ «سر المهنة»، وتغلب فى ظل المنافسة بين «المؤيد» «تايمز مصر» وقتها كما أشار الإعلام مع زميلاتها فى ذلك الوقت كـ «المقطم» التى كان يخصها كرومر بالأخبار، وهذا فتح أمامه نافذة الغزوات ونشر كل الأخبار التى تسىء للاحتلال.
قال الشيخ على يوسف وقتها: إن لـ «المقطم» فضل فى وجود «المؤيد» وإشهارها، وكان الشيخ على بمثابة المراسل المتجول لـ «اللواء» ويرافق الخديو عباس حلمى فى أوروبا ومنها أول زيارة له إلى تركيا، التى قدم خلالها 12 رسالة وصفها فى كتاب مهم «أيام الجناب الخديو المعظم فى دار السعادة» وكان له دور فى تطوير المقال الصحفى والبعد عن البلاغة القديمة، مما أفاد الحركة الوطنية المصرية، وقال المصريون: «اللواء» تثير الجماهير، و«المؤيد» تنير الطريق.
وتميز على يوسف بالخطاب السياسى المكتوب، ولا شك أنه ارتبط بعلاقة قوية مع الخديو عباس حلمى الثانى فى الوقت الذى كان الانجليز قد سيطروا على جميع الوزارات والمصالح فيما سمى بـ «أنجلزة مصر»، مما جعل الخديو يسعى للالتحام بالحركة الوطنية عبر صالونات السياسة التى كان يرتادها الشيخ على يوسف كصالون لطيف سليم الذى ضم على يوسف مع مصطفى كامل، وادرك الخديوى أنه فى حاجة إلى صحيفة قادرة على الوصول للشعب وتدافع عنه فى صراعه ضد اللورد كرومر، وتقابلت المصالح، الخديو يحمى «المؤيد» من بطش الاحتلال فى هذا الوقت الذى بدأت فيه تقارب بين مصطفى كامل والخديو عباس.
فى الوقت الذى كان الخديو عباس حلمى الثانى يتقرب إلى الشيخ على ومصطفى كامل، كان الاثنان يلتقيان فى صالون على مبارك أوائل 1890 فى الوقت الذى كان كامل تلميذاً بالمدرسة الثانوية وفى هذا التحالف أصبحا صديقين، وكان مصطفى كامل يتولى الإشراف على «المؤيد» فى فترات غياب الشيخ على يوسف، ومعه أمير الشعراء أحمد شوقى.
الشيخ على يوسف تزوج مرتين، الأول زيجة فى شبابه الغض، ولما وصل من الجاه والثراء الكبير، فكر فى زواج ثان وهداه تفكيره إلى بيت عريق يتزوج منه ورمى ببصره على بيت السادات، لأنه بيت ثراء ينسب إلى الأشراف وتقدم يخطب الفتاة «صفية»، وقدم الشيخ على المهر والشبكة انتظر 4 سنوات، والسادات يختلق الأعذار، فتوجه عبر الرسائل الخلفية للتواصل بينه وبين خطيبته، وفى أحد الأيام خرجت صفية من بيت والدها مع بعض من أهلها المؤيدين للزواج، «مما فسر أنه أمر متفق عليه بين العروس صفية «24 عاما» والعريس الشيخ على»، وكانت الزيارة العائلية البريئة لبيت السيد البكرى بـ «الخرنفش» وهو رجل من أقرباء عائلة السيد السادات.
وفى المنزل بدأت ملامح الخطة تتضح، كان فى المنزل الشيخ على يوسف منتظراً ومعه المأذون، وعقد القران وفى حفل سريع ذهبت صفية العروس إلى بيت الزوجية، فى حى «الضاهر»، وفى الصباح استيقظ السيد عبدالخالق السادات ليجد صدمة الخبر الذى نشرته جريدة «المقطم» المنافس الأكبر لـ «المؤيد».
هنا قام السيد السادات والد العروس وقدم بلاغاً للنيابة، يفيد بالتغرير بابنته صفية من قبل الشيخ على يوسف.. وبحثت النيابة الأمر، فوجدت أن الشابة صفية ليست قاصراً بل بلغت سن الرشد ومن حقها الزواج وشرعاً أن تزوج نفسها، كما أن الحضور به جانب من أقاربها شهدوا على القران وهذا نفى التهمة «التغرير» أو الاختطاف وحفظ البلاغ.
لم يصمت السيد السادات، بل قام برفع دعوى أمام المحكمة الشرعية لإبطال الزواج، استناداً إلى اشتراط صحته بوجود تكافؤ بين الزوجين، وقال السيد السادات إنه يطعن فى كفاءة على يوسف زوجاً لابنته من زاويتين، الأولى أن النسب لا ينتسب إلى نسب رفيع كالسادات.. الثانى، وأنه يحترف مهنة التى الجرائد وهى كما قالت الدعوى مهنة «دنيا»، وأحيلت القضية إلى الشيخ أبوخطوة وتحدد نظرها فى 25 يوليو 1904، فى هذه الأثناء كانت المسألة مادة صحفية دسمة فى الصحافة والنميمة.
يوم الجلسة، امتلأت قاعة المحكمة منذ الصباح، وكان ينوى الدفاع عن الشيخ على يوسف، حسن صبرى باشا المحامى، فيما يدافع عن السادات، الشيخ عثمان الفندى، وكان بطرس باشا غالى يشغل وزارة العدل، فيما يتولى مصطفى فهمى باشا رئاسة الوزارة ووزير الداخلية، وكان الكاتب الكبير الراحل رئيس تحرير «الوفد» السابق جمال بدوى قد ذكر القضية وقتها فى كتابه «مشاهد من تاريخ مصر الحديث» إلى دخول الخديو عباس حلمى الثانى واللورد كرومر وجرائد «المؤيد» و«اللواء» و«المقطم» على خط القضية ونشرت لها عناوين، «الأب الجريح» وكانت المحكمة فى باب الخلق مسرحاً لجلساتها وتشابكت فى القضية الأحزاب والسياسة واللورد كرومر ممثل الاستعمار، ومن واقع نظرات الحضور كان الرهان معقوداً على القاضى ابن قرية سمادون بأشمون الشيخ أبوخطوة المعروف بتشدده بأن تعود العروس صفية إلى والدها ومنع «المخالطة» الزوجية حتى الفصل فى القضية، وفى الوقت الذى وافق فيه الشيخ على، كانت المفاجأة رفض العروس صفية بأنها ستتعرض للمخاطر، وهنا تدخل الشيخ على نفسه واقترح أن وتذهب إلى منزل محايد حتى يتم التوصل إلى حل، وتم الاتفاق على أن تذهب إلى منزل صادق الرافعى.
فى الجلسة الثانية أعلن الشيخ أبوخطوة أنه لايعتير هذا الحل تنفيذاً لقرار المحكمة، وقرر الأحزاب به عن نظر الدعوى حتى ينفذ حكمه القاضى بإرسال السيدة صفية إلى منزل والدها بالقوة، لكنها أصرت على الرفض.
بدأ مسلسل الاجتماعات بين وزير الحقانية ووكيل الوزارة والقضاء الشرعى وكبار العلماء، واحتاج الأمر لإقناع أبوخطوة عن الإضراب، وبدأت القضية مرة أخرى وحكم فى هذه القضية بفسخ عقد الزواج والتفريق بين الزوجين، ومع الحكم الأخير تدخل الوسطاء من جديد وأقنعوا السيد السادات بأن كرامته وتزوج صفية بعقد جديد.
وهناك تتضارب الروايات، لماذا رفع الشيخ السادات القضية على الشيخ على يوسف وهل قصة زواجه من جاريته أثار غضب بناته.
رغم أن الزواج تم، إلا أن الجرح الذى أصابه لم يندمل قط، وكان قد حمل رتبة «الباشوية» وسعى لتسجيل نفسه فى نقابة الأشراف ..وعُين شيخاً للسادة الوفائية الذى جعله نداً لزوجته وعائلتها، وعند وفاته كانت صفية شابة لها رحيقها عام 1913 وعاشت بعده أكثر من 36 عاماً وأحبت الممثل المعروف زكى عكاشة وتزوجته.
هذه المحاكمة كان المحاميان فيها هما البطلان، ورغم نجاح الزواج بعد ذلك، إلا أن المعاصرين يؤكدون أن حياته لم تكن عسلاً رغم إنجاب ثلاث بنات، وكان على يوسف يقضى الساعات الطوال فى مكتبه هرباً من لسانها.
كان عام 1904 لا حديث يعلو فى الصحافة الاجتماعية غير زواج الشيخ وصفية، إلا الخلافات الحزبية وأشهر قضاة مصر فى ذلك الوقت أبوخطوة الذى تقول عنه حفيدته د.عبلة عشوب إنه كان قاضياً ميسور القيم فى قرية سمادون- منوفية ويمتلك 100 فدان فى مركز أشمون ومازالت الترعة تحمل اسمه فى عزبة الشيخ ابراهيم، وكان يقيم فى القاهرة بالحلمية.
لا أحد ينكر أن رسائل الشيخ على يوسف وصفية عبدالخالق السادات ورفض الزواج وقرار المحكمة وتدخل الخديو عباس حلمى وتشابك الصحف مع وضد ووصلت إلى أزمة سياسية داخل مصر وخارجها، ووصل الأمر إلى أن هذه القضية كانت سجالاً كبيراً بين الكُتاب وهو ما أشار إليه الكاتب الصحفى حلمى النمنم فى كتاب حمل عنوان «رسائل الشيخ على يوسف وصفية عبدالخالق السادات» الذى صدر عن دار مريت للنشر وتناول نشأة علاقة الشيخ على وصفية يتولى 1901، وبها تناول نصوص الرسائل العاطفية بين الشيخ وصفية، التى وصلت- كما جاء فى كتاب النمنم- إلى 86 رسالة متبادلة بين الحبيبين والزوجين، والذى كشفه النمنم أن هذه الرسائل «الساخنة» ظلت حبيسة لقرن تقريباً حتى أفرجت عنها السيدة بثينة على يوسف.
وكانت صفية هى أصغر بنات الشيخ عبدالخالق السادات ولم تكن تعرف أن قضيتها ستكون مثار حديث شائج وشائك بين الساسة والرأى العام.
يقول الكاتب الصحفى حلمى النمنم فى تحقيق موسع بمجلة «المصور» فى 8 ديسمبر 1995 عن هذه الرسائل التى وصفها بالعدد الضخم، سجلت أخطر قصة حب عرفتها معه فى القرن العشرين، وصى رسائل دون توقيع ولا تاريخ وكان يوقعها باسم «معلوم» أو مفهوم.
من أبيات الشعر التى ذكرت فى إحداها:
أرسلت لى مع الرسول شراباً
أى بأس فى أن أرى مداماً
أن يكن من صفية فجلال
ليس كل المرام يهدى صراحاً.
أما صفية، فكانت تبدأ رسالتها عزيزى الأمجد على يوسف،وتشير الرسائل إلى السخونة العاطفية فى كلمات الغزل العفيف والصريح.
وفى احدى الرسائل كان واضحاً أن السادات ماطل فى إتمام الزواج انتظاراً لسعى الشيخ على للتوسط للخديو عباس لمنحه النيشان، وأباح لها عندما كان يبث كلمات الحب الصافى.
تشير بثينة السادات إلى أن جدها الشيخ عبدالخالق كان حفيد الشيخ أبوالأنوار المعاصر لنابليون بونابرت وأنه كان يصطحب صفية ابنته فى مجالسه لأن له ابناً واحداً وتوفى وكانت تحضر الصالونات الأدبية وانها فى ليلة رؤية الهلال إيذاناً بشهر رمضان اتصلت صفية بجريدة «المؤيد» وكان على الخط الشيخ على بنفسه، وكان ذلك إيذاناً «بكيوبيد الحب».. هكذا تقول بثينة على يوسف وأن والدتها صفية كانت لها صديقتان انجليزيتان كانتا شقيقيتان تقومان بدور الوسيط بين على يوسف وصفية السادات.
لماذا لم يدخل الشيخ السادات صراعاً مع عبدالحميد البكرى ودخل مع على يوسف، ربما لأن السيد توفيق البكرى عميد العائلة البكرية الذى كان عم عبدالحميد متزوجاً من حفيظة الابنة الكبرى للشيخ السادات،.
فتح الشيخ على يوسف جريدته «المؤيد» لقاسم أمين وفيها نشر كتابه «تحرير المرأة» فى حلقات، كما فتح صفحاتها للكاتبة زينب فواز التى طالبت بمساواة المرأة بالرجل، إضافة إلى صداقته بالإمام محمد عبده الإصلاحى وصاحب فكر التجديد.
تقول بثينة على يوسف فى هذا الإطار إن والدتها تركت منزل صادق الرافعى بعد مدة قصيرة وذهبت إلى بيت الأميرة نازلى فاضل.
تفرغت صفية لتربية أولادها وانشغلت بقضايا الميراث وأملاك والدها وزوجها.
تقول بثينة على يوسف عن والدتها صفية السادات إنها كانت واثقة من نفسها وكانت تحب السفر والقيام بالرحلات، خاصة إلى سويسرا وباريس، وأن أم والدتها شركسية جاءت إلى مصر بعد أن خطفت من بلدتها أثناء الحرب الروسية- التركية.
تشير قصص روتها صفية السادات لابنتها بثينة على يوسف إلى أن محمد على أراد أن يتزوج ابنة أبو الأنوار السادات، لكنها رفضت ودفع والدها الدية لذلك، وهى 500 فدان، وعندما توفى أبو الأنوار والد عبدالخالق السادات كان الوصى عليه الخديو اسماعيل وعندما بلغ سن الرشد سلمه أملاكه.
تحكى بثينة على يوسف عن والدتها التى توفيت فى 20 سبتمبر 1949 كانت على علاقة برئيس الوزراء حسين رشدى الذى كان يزورها باستمرار، وكذلك محمد على علوية الذى كان محاميها الخاص، ومع وفاتها دفنت بجوار والدها فى مسجد السادات بالمقطم، التى دفنت به أيضا ثريا على يوسف .
وفاة على يوسف
فى عام 1913 ذهب الشيخ على يوسف إلى أسيوط لإلقاء خطبة ليطفئ بها الفتنة الطائفية، وتوفى فى 25 اكتوبر بعد حياة حافلة بين السياسة والانخراط فى الحركة الوطنية وتأسيس حزب الإصلاح والدعوة لإنشاء الهلال الأحمر.. ودفن فى مسجد السادات فى مقابر الوفائية فى وداع رسمى وفكرى حاشد بمقابر الخفير ويقال إنه الوحيد من خارج أسرة السادات الذى دفن بمقابرهم.
بوفاته، أسدل الستار عن رحلة حافلة فى الحياة المصرية لأحد رواد النهضة الصحفية، كانت مملوءة بالأحداث الكبيرة التى تخللتها واحدة من أسوأ مذابح الاحتلال حادث «دنشواى».