لجنة الإذاعة قبلته مباشرة وكانت تبحث عنه بعد أن ذاع صيته
حفظ القرآن وعمره 7 سنوات.. فى كُتَّاب «أبوغريب» فى صراوة كانت بدايته
مدرسة فريدة نهلت من عباقرة التلاوة الأوائل فى مصر
عمل بمعهد الباجور ومنوف وسمنود .. ورفض الالتحاق بهيئة تدريس الجامعة
القارئ الذى بحثت عنه الإذاعة لاعتماده

ولد وعصر الكتاتيب فى مرحلة ناضجة ومهمة وربما سبيل أساسى لدخول الأزهر الشريف والطريق الأول لحفظ القرآن الكريم ليس هذا بل ان القرية التى ولد بها أيضا بمركز أشمون تتميز بأن أهلها من حفظة القرآن الكريم ويتفوق أبناؤها فى جميع مسابقاته على كافة المستويات.. وذاع صيت «صراوة» القرية التى تقع على شاطئ الرياح المنوفى والقريبة فى نفس الوقت من القناطر الخيرية وقرية النعناعية.. وفى منزل والده الريفى عام 1940 عبدالعزيز إسماعيل الصياد الرجل الأزهرى الذى كان معروفا أيضا بصوته العذب أثناء تلاوة سور القرآن الكريم.
وعندما أبلغته زوجته ان الله رزقهما بطفل وكان ذلك فى شهر سبتمبر 1940 واتفقا على تسميته «شعبان».
الأب الأزهرى ووسط دخان الحرب العالمية الثانية والطفل لم يبلغ الخامسة قاده تفكيره إلى الكُتَّاب الأشهر فى قريته صراوة وهو كُتاب الشيخ أبوغريب العالم الجليل بالأزهر الشريف.. وكان رجلا فقيها بأسرار التلاوة.
ومع شيخه أبوغريب الذى احتضنه ومعه تعرف على أسرار عالم التلاوة وجمالياتها وطرقها وكان الشيخ شعبان الصياد نابغا فى سرعة الحفظ والأداء المميز.
ويقولون عن الصياد انه القارئ الذى طلبته الإذاعة قبل ان يطلبها لإلمامه الكبير بأسرار عالم التلاوة واتقانه.
.. وبينما لم يكمل الشيخ شعبان السابعة حفظ القرآن الكريم والتحق بالمعهد الدينى.. ومنه إلى كلية أصول الدين جامعة الأزهر.. واهتم بصقل موهبته.
وفى عام 1966 تخرج الشيخ شعبان بتقدير جيد جدا ولم يواصل الجامعة واهتم بمواصلة طريق القراءة التى معها أصبح ضيفا على كل المحافظات.. كان صوته محل إعجاب كثير من القراء المشاهير ومنهم الشيخ مصطفى إسماعيل وأبوالعينين شعيشع والشيخ محمود على البنا.
جاب الصياد العديد من دول العالم زائرا مع كتاب الله وفى المراكز الإسلامية وبات صاحب مدرسة فريدة فى القراءة ولقب بكروان التلاوة ووسط وهج صيته طارده المرض فى الكلى وأثر عليه وعلى أدائه حتى تقاعد تماما لكن ظل اسمه لامعا إلى اليوم فى عالم التلاوة وطلاوة ونقاء الصوت الذهبى وفى فجر عيد الفطر المبارك عام 1988 فاضت روحه إلى بارئها وعمره 48 عاما ودفن فى جنازة حاشدة بمسقط رأسه صراوة.
النشأة
ولد فى قرية القرآن الكريم هذا لقب قريته صراوة فى 20 سبتمبر 1940 وهى القرية المعروفة بانتشار المحفظين والمحفظات للقرآن الكريم.. وكان شعبان يعيش مع والده عبدالعزيز إسماعيل الصياد فى منزلهم الريفى وسط جو من القرآن الكريم منتشر فى القرية.. عرف أبناء القرية حلاوة صوته عندما كان يتقدم للقراءة فى مناسباتها طفلا صغيرا وكان صوته قريبا إلى القارئ الأشهر الشيخ محمد رفعت.. وهذا ورثه عن والده العالم الأزهرى الذى كان أيضا فى قريته يعرف فيها كل شخص الآخر.. كان يتجول على الترعة أو الغدير أو شاطىء الرياح المنوفى ويقرأ القرآن بصوت يسمعه القريبون منه وفى قريته صراوة كان عنوان منزلهم الريفى يعرفه كل شخص بالقرية.
بعد حفظه القرآن فى القرية بكتَّاب الشيخ جاد أبوغريب الذى يعتبر مع والده ملقنه الأول.. أسرع من حفظ القرآن فى القرية دون السابعة.. وفى المعهد الابتدائى ذاع صيته بقراءة القرآن ترتيلا وتجويدا فى المناسبات والاحتفالات والمآتم.
وفى المعهد الدينى كان الشيخ شعبان كما كان يطلقون عليه يقرأ القرآن فى كل مناسبة وأمام الزائرين وافادته كثيرا لدرجة ان من يزر المعهد كان يسأل على شعبان الصياد ليتلو بعض من آيات القرآن الكريم أمامه وأمام أساتذته فى كلية أصول الدين.
وبعد الدراسة الثانوية التحق بكلية أصول الدين وخلال دراسته بالجامعة صقل موهبته بالاستماع إلى كبار القراء سواء فى الجامع الأزهر أو السيدة زينب أو الحسين أو السيدة نفيسة.. ومع تخصصه فى العقيدة والفلسفة.. كان مغرما بأصوات الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفى إسماعيل.. وفى أثناء الاجازة الصيفية وهو طالب بالجامعة كان يعود إلى صراوة القرية.. وكان صيته قد انتشر فى كل القرى بأشمون وامتدت إلى قرى المنوفية فى الباجور ومنوف وكانوا يدعونه للمناسبات حباً فى صوته المتميز.
رفض العمل معيداً
وعندما نجح عام 1966 رشح للعمل بالسلك الجامعى لكنه رفض باعتبار- من وجهة نظره- ان العمل فى الجامعة سيكلفه بالتزامات ربما لا يوفى بها وان العمل فى الجامعة سيكون عائقا عن الطريق الذى سلكه حباً وهو قراءة القرآن باعتباره عاشقا لرسالته وهى القراءة بعيدا عن عائدها المادى .. فكان قراره النهائى أن فضَّل تلاوة القرآن الكريم عن العمل عضوا بهيئة التدريس الجامعى.
العمل بمعهد سمنود ومنوف والباجور
وعقب التخرج عاد الشيخ شعبان إلى صراوة القرية التى ولد بها وتم تعيينه فى أحد المعاهد الأزهرية بالقرية بمدينة سمنود ومنه انتقل أولا إلى أشهر معاهد المنوفية الأزهرية وهو معهد منوف والباجور الأزهرى وتنقل إلى معاهد أخرى داخل المحافظة حتى ارتقى وكيلا لوزارة الأوقاف.. وفى هذه الأثناء نجح وذاع صيته فى المحافظة وخارجها وبات الضيف المفضل على مناسبات محافظته المنوفيه وجميع المحافظين بها يعرفونه ويعرفهم جيدا ومنها إلى جميع محافظات الدلتا والجميع من السميعة كانوا تواقون لسماعه.
الاعتماد فى الإذاعة
وتقدم الشيخ شعبان الصياد بعد استشارة أصدقائه وأصحابه إلى الإذاعة ونجح فى أول اختبار أمام اللجنة التى أعطته الموافقة مباشرة وتم اعتماده كقارئ للقرآن الكريم بالإذاعة والتليفزيون المصرى.. وكان يتميز نظرا لمؤهله الجامعى فى احكام التلاوة والتجويد ولانه عالم قبل أن يكون قارئاً فقد وكان يرد فى قريته على الأسئلة الدينية من الذين يفدون إليه لينشروا منه الاجابة عما يجول بخاطرهم وحياتهم بالمسائل الدينية المختلفة.
معهد منوف
ظل الشيخ شعبان طوال حياته يذكر معهد منوف الدينى باعتباره المحبب اليه وهو أشهر المعاهد الأزهرية فى المنوفية نظرا لقلة عدد المعاهد الثانوية فى ذلك الوقت حيث كان يضم طلابا من منوف وأشمون والباجور وسرس الليان وذاع صيت المعهد أيضا انه كان يضم طلابا من كوم حمادة بالبحيرة والخطاطبة القريبة من منوف.. وكان بالنسبة للشبخ شعبان الذى يتلو القرآن فى المعهد بمعرفة أساتذته وشيخ المعهد مادة إعلامية حيث عرف بحلاوة الصوت وحنجرته الذهبية عند الجميع من زملائه.
.. ونبوءة الشيخ مصطفى إسماعيل
وفى صحن الأزهر أثناء دراسته الجامعية ذاع صيته بين زملائه ونظرا لتفوقه كانت تتم دعوته للقراءة وسمع عنه مشاهير القراء.
وفى إحدى الليالى بينما هو عائد من إحدى المناسبات إلى صحن الأزهر الشريف وكان يستعد لأمتحانات أخر العام.. وأثناء الاستذكار كان مجهدا فغلب عليه النوم وأثناء نومه تصادف مرور الشيخ مصطفى إسماعيل ورأى شعبان الصياد يغط فى نوم عميق وفى يده الكتاب الذى سيمتحن فيه هذا الصباح وذلك قبل صلاة الفجر بقليل.. وقال لمن معه «انظروا وتمعنوا فى هذا الشاب النائم.. ان له مستقبلا عظيما فى دنيا التلاوة».. وتحققت نبوءة الشيخ مصطفى إسماعيل وفرضت موهبة الصياد الموروثة عن والده نفسها على كثيرين من أقرانه فى هذا الجيل وأصقلها الشيخ شعبان بالاستماع إلى شيوخه القدوة الأوائل محمد رفعت والشيخ محمد سلامة والشيخ مصطفى إسماعيل.. وكان الشيخ مصطفى إسماعيل هو قارئه المفضل.
انطلاقة واسعة مع التلاوة
خلال عمله بمعهد الباجور ومنوف انطلق شعبان الصياد وعمل بمديرية الأوقاف بشبين الكوم ورقى إلى موجه أول وانطلق صيته فى جميع أنحاء الجمهورية لدرجة ان البعض كانوا يؤجلون مناسباتهم ومآتمهم بناء على مواعيده إلى اليوم التالى.. إذا كان منشغلا فى مناسبة أخرى.
قارئ سورة بمسجد «زوين»
وأعود إلى البدايات حيث كان الصياد يقوم بتلاوة صلاة الجمعة والتلاوة فى مساجد صغيرة فى البداية بمدينة منوف حيث يدرس فى أحد معاهدها حتى وصل إلى قارئ السورة فى مسجد الشيخ زوين أكبر مساجد منوف قبل التحاقه بالإذاعة وكان يحيى ليالى رمضان المبارك فى منوف عبر جمعية تحفيظ القرآن الكريم ويحضرها كبار رجال محافظة المنوفية.
الامتحان بالإذاعة
وكالعادة لدى القراء يرون ان اعتمادهم فى الإذاعة هو الجائزة الكبرى مهما كانت شهرته فى المدن والقرى فى عموم القطر أما الإذاعة فتجعل الملايين سواء من المستمعين للبرنامج العام فى الساعة الثامنة هو الجائزة الكبرى له وبالفعل تقدم الشيخ شعبان للامتحان وعرض على اللجنة التى كانت تضم الشيخ عبدالفتاح القاضى والشيخ محمد مرسى والشيخ عفيفى الساكت والشيخ رزق خليل حبة وغيرهم وأعضاء من لجنة الموسيقى بالإذاعة بينهم محمود الشريف الذى أفاض فى الثناء عليه واجتاز المقابلة بنجاح باهر وتم اعتماده مباشرة بالبرنامج العام وخصص له يوما للقراءة بجوار مشاهير قراء مصر.. والذى يميزه ان اعتماده بالبرنامج العام كان مباشرة دون المرور على إذاعات البرامج القصيرة وهو ميزة لم تتح لكثيرين من القراء الذين كانوا ينتظرون على باب ماسبيرو سنوات.
تنافس الصياد والطبلاوى
ويشاء القدر ان يتنافس الشيخ الطبلاوى والشيخ الصياد وكلاهما من محافظة المنوفية الأول من تلا والثانى من أشمون وأيضا يحبون سماعه الشيخ مصطفى اسماعيل كان الشيخ الطبلاوى يرى انه واحد مهم من عباقرة التلاوة فى مصر لدرجة ان الشيخ محمد محمود الطبلاوى عندما شيد مسجدا فى الجيزة بالمهندسين أصر على أن يكون أول قارئ به يوم افتتاحه وكان يوم جمعة هو الشيخ شعبان الصياد والتى نقلت عبر الإذاعة على الهواء مباشرة بحضور جمع كبير من المسئولين.
ابنه يتحدث عنه
يقول المهندس محمود الصياد نجل الشيخ الصياد ان والده حصل على شهادات تقدير وأوسمة كثيرة من معظم الدول العربية والإسلامية التى دعى إليها لإحياء شهر رمضان أو فى مناسبات دينية وكانت آخرها من سلطنة بروناى التى دعى إليها قبل وفاته.
أول قارئ فى القنطرة شرق
تمت دعوة الشيخ شعبان الصياد لقراءة القرآن الكريم فى مسجد القنطرة شرق بمحافظة سيناء وذلك بعد عودتها إلى مصرنا الغالية وبحضور الرئيس محمد أنور السادات وكان أول قارئ قرآن كريم يقرأ القرآن فى مسجدها فى مناسبة كبرى بعد تحريرها.
الوفاة
.. وقد أحس الشيخ شعبان الصياد البالغ فى ذلك الوقت نحو 47 عاما بمرض الفشل الكلوى وعاود الأطباء لكن المرض كان قد تمكن منه وتراجع عن تلبية المناسبات إلا فى أضيق الحدود وفى الأول من شوال يوم عيد الفطر المبارك عام 1419هـ الموافق 29 يناير 1989 فاضت روحه إلى بارئها.. وبحسب وصيته تم الدفن فى قريته التى ولد بها واحتضنته صغيرا «صراوة» بحضور كبار المسئولين بالأزهر والأوقاف ومندوب عن رئاسة الجمهورية.. وودعت القرية عن بكرة أبيها والقرى المجاورة لصراوة وكفر صراوة وكفر الحما وسوهاج والنعناعية ابن صراوة الشيخ الذى ذاع صوته بحنجرته الذهبية مرتلا ومجودا آيات الذكر الحكيم إلى مثواه الأخير.. غاب الصياد جسدا لكن لايزال صوته وحنجرته الذهبية وتلاوته للقرآن مجودا ومرتلا ينعش قلوب مستمعيه بالثناء على هذه الموهبة الفريدة فى قراءة القرآن الكريم.. وسيظل عشاق ومحبوه يستمعون إليه إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.. رحم الله فتى القرآن الذهبى ، والقارئ الباسم الذى كان يتميز صوته بروح البشرى.