أبناء سيناء قاموا بما عليهم لصالح هذا الوطن، وكانوا أول مَن سدد فاتورة الدم دفاعاً ليس فحسب عن سيناء إنما عن الوطن.. ترابه المقدس وأهله الطيبين، وكان مقتضى الحال يستوجب حكى بطولات المصريين أبناء سيناء؛ ليس سرداً لمرثية هؤلاء الرجال والنساء والأطفال، بل لرد الفضل لأصحاب الفضل على كامل الوطن، هم مَن تقدموا طواعية عقب النكسة لمساعدة قواتنا المسلحة فى استعادة الأرض والكرامة ولو كلّفهم هذا السبيل الروح والدم، ولم يعلموا أن أحداً سيذكرهم، ولم يقدموا على التضحية لمجد يسعون إليه، بل لمجد الوطن وأهله.. وهم الذين منحتهم أرض سيناء المقدسة نوعاً من قداسة البطولة، وكرم التضحية، وعفوية الفداء.
كانت شمس يوم ١٣ أكتوبر ٨٦٩١ على العالم مختلفة بأخبار أحداثها الجلل، إنما كانت هى ذاتها التى تشرق صباح كل يوم من صدور المصريين بالوطنية على أرض سيناء، يظنها العدو المتغطرس قد أشرقت له، والحق أنها فى صباح هذا اليوم قد غربت وطوت مع رواحها صفحة من تاريخ أسود سطرها موشيه دايان وتوهم أنه البطل تحت هذه الشمس، لكن للمصريين على أرض سيناء كلمة أخري، هى جملة الفصل والبطولة على مسرح عمليات معركة إعلامية وسياسية أدارها جنرال إسرائيل بغباء وسوء تقدير وعدم دراية بمَن هم المصريون الذين علَّموا العالم عندما دارت رحى معركة الإعلام أمام الوكالات الإخبارية والصحف العالمية وكاميرات جاءت من كل فج من أطراف الأرض لتسجل اعتراف المصريين فى سيناء برغبتهم بانفصال سيناء عن مصر، وهنا سينتصر موشيه ديان بأقل الجهد ويتباهى باحتلاله لأرض ليست تابعة لدولة مصر، فليس هناك حق من مقاومته على هذه الأرض، وسيعلن أمام العالم تدويل قضية سيناء، الرجل ضعيف البصيرة أبصر تحت قدميه أو كاد لا يرى أقصى من بضع خطوات!
لكن المصريين فى سيناء كانوا وهم مَن فُطموا على قيم الولاء وجبلوا على التضحية، فمَن غيرهم يدفع فاتورة الدفاع عن الوطن أولاً، ومَن غيرهم يقدم الروح ولا تهون عليه حبة من رمال سيناء، اتفق الرجال ومنهم بطلنا الشيخ سالم الهرش شيخ قبيلة البياضية وكبير عشيرة الهروش، اتفقوا جميعاً مع رجال المخابرات المصرية على مهادنة العدو المتغطرس وأن يجاروه فى غيه حتى يجمع بجهده وبقدراته وبإمكاناته وماله وفكره كل وسائل الإعلام فى العالم ـ حينها ـ صحف ومجلات وقنوات وإذاعات، تلك كانت المتاحة حينها، وكان لها تأثير السحر على الرأى العام العالمى المؤسسى الرسمى والجماهيرى على اختلاف لغات المتلقين منهم، ليعلن عليهم موشيه ديان تقديمه لكلمة مشايخ سيناء وانفصالهم عن مصر، وتوهم دايان أنه يحرك مشايخ سيناء كما يريد بدهائه وبقدراته، والحق أنه فى الوقت المناسب وعندما تقدم موشيه دايان أمام وسائل الإعلام المحتشدة بدعوة منه وبتكلفة من إسرائيل تقدم الشيخ سالم الهرش وهو الذى انتخبه مشايخ القبائل ليتحدث نيابة عنهم جميعاً، وبمجرد أن بدأ يتحدث وارتسمت الآمال فى احتلال سيناء وضمها لإسرائيل فى رأس موشيه دايان، ولسان حاله يقول إنه الأذكى والأقدر على الانتصار فى معركة العمالة والإعلام والسياسة، وما أن تحدث الشيخ الذى يعلم تمام العلم بسطوة دايان وجبروت أجهزته الأمنية وأساليبهم فى التعذيب القمعى الذى سيطول معه أسرته وأهله، ولم يهَب البطل كل ذلك وبلسان مصرى فصيح دوت كلمات البطل فى أرجاء سيناء تتناقلها رحابة سهول ووديان سيناء وتتلقفها قمم جبالها حتى يصل صداها إلى أرجاء المعمورة عبر هذه الوكالات والقنوات والإذاعات والصحف التى أحضرتها إسرائيل بعد جهدها المضنى فى ترتيب مؤتمر الحسنة بدقة وفى سرية من جانب العدو المعتقد أن المصريين فى غيبوبة، وكيف لهم أن يعرفوا ما يدور فى سيناء التى تم أسرها فى يوم ٥ يونيو ٧٦٩١، الذى لم يعرفه الصهاينة ولن يعرفوه أبداً: أن المصريين يعشقون تراب الوطن، ويرحبون بالموت ليبقى الوطن، وأيّاً كانت الضغوط والتهديدات أو العروض والمغريات مستحيل أن يبيعوا الوطن، هم الصهاينة لا يعرفون.. و كيف لهم أن يعرفوا.. أن الأرض بالنسبة للمصريين شرف تهون أمامه أرواحنا، إن الذى لم يفهمه الصهاينة ولن يفهموه أبداً أن سيناء وأرضها وترابها وأهلها وسماءها مصرية ومَن يعيش عليها مصريون، وأن كل ما يحدث يتم إبلاغه إلى رجال المخابرات الحربية المصرية الذين يعرفون ويرصدون تحركات العدو من خلال دوريات الاستطلاع المصرية خلف خطوط العدو.
هذا البطل وزوجته السيدة كوكب هجرس إحدى بطلات المقاومة هى الأخرى وأخيها البطل متعب هجرس من أهم عيون أبطال سيناء للقوات المسلحة قبل أكتوبر 73 ويحكى عن البطل ابنه سعدى سالم على الهرش وحفيدته سلوى على سالم على الهرش.