عام 1995 وفى ذكرى مرور ٢٢ عاماً على حرب أكتوبر المجيدة، وفى مدينة برلين بألمانيا دخل دبلوماسى إسرائيلى يعمل بتلك المدينة إلى قنصليتنا هناك لمقابلة المسئولين بها حيث قام بتسليمهم متعلقات جندى مصرى استشهد فى حرب أكتوبر 1973 مفجراً المفاجأة، وهى أن هذا الجندى تمكن من إبادة سرية كاملة من القوات الخاصة الاسرائيلية، وأن هذا الدبلوماسى الاسرائيلى الذى كان جندياً فى تلك الحرب، كان شاهداً على بطولة وشجاعة الجندى المصري، الأمر الذى دفعه إلى إطلاق لقب «أسد سيناء» عليه، ودعى الحكومة المصرية إلى منحه أعلى الأوسمة العسكرية.
أما سيد زكريا خليل فهو أحد أبناء صعيد مصر، من قرية البياضية بحضن الجبل ضواحى مدينة الأقصر، من مواليد عام 1949.
كان للصفات التى يتمتع بها أبناء الصعيد من جلد وصبر وقوة تحمل ومن خشونة الطبيعة وصعوبة الحياة، أثرها فى اختيار سيد زكريا ضمن صفوف الصاعقة، التى أثبت فى تدريباتها مهارة فائقة، دفعت به ضمن أقوى تشكيلاتها ضمن أفراد الكتيبة التى كان يقود رجالها العميد برادة،
وفى ثانى أيام معركة التحرير، كلف سيد مع مجموعة من أبطال الصاعقة بالتوجه إلى عمق سيناء على الجانب الآخر من منطقة الممرات، لمنع قوات العدو الاحتياطية من اجتياز أحد هذه الممرات، ووقف تقدمها على الأقل لمدة 24 ساعة، حتى يكتمل عبور قواتنا المدرعة لقناة السويس .
وأخذ الرجال أماكنهم فى الهليوكوبتر المعدة لنقلهم إلى مكان العملية، وأقلعت الهليوكوبتر فى الجو، ثم حطت بهم فى المكان المطلوب، وما هى إلا عدة ثوان وكان الرجال جميعهم خارج الطائرة بأسلحتهم وذخائرهم، وبنفس السرعة عادت الطائرة، لكى لا تكشف مكان هؤلاء الأبطال، الذين انتشروا بسرعة الفهود فى مسرح العملية يهيئون الأرض تجهيزاً مناسباً، ومستخدمين الثنيات الطبيعية فى الاختباء وتشوين الذخائر فى الخلف بين صخور المنطقة، مستخدمين أعشاب المنطقة غطاء لخوذاتهم وملابسهم زيادة فى التمويه، وظلوا من صباح هذا اليوم فى حالة تامة من السكون والحذر والترقب، حتى عصر اليوم نفسه، حينما ترامى إلى مسامعهم أصوات جنازير دبابات قادمة من جهة الشرق، تعلوهم طائرة هليوكوبتر تتقدمهم لتأمين الطريق، ومع زياة اقتراب مدرعات العدو، وطائرته استمروا فى سيرهم الطبيعى فى اتجاه الأبطال دون أن يبدو عليهم أنهم قد اكتشفوا الكمين الذى ينتظرهم، وذلك لحسن انتشار رجال الصاعقة المصرية، وحسن تخفيهم عن الأنظار، ولرباطة جأشهم، وعدم صدور ما من شأنه لفت الانتباه إليهم، على الرغم من دنو الخطر القاتل منهم.
وما هى إلا لحظات، وكان رتل مدرعات العدو القادم فى خيلاء وغرور نحو الممر الجبلي، فى متناول أسلحة أبناء مصر من أبطال الصاعقة، وكانت لحظة البداية عندما انفجر أحد الألغام المضادة للمدرعات التى زرعها أبناء مصر فى إحدى دبابات العدو فشلت حركتها، ولم يعطى رجال الصاعقة الفرصة لباقى دبابات العدو الفرصة للتفكير فيما أصاب دبابتهم المندفعة فى خيلاء أمامهم، وانهالت القذائف عليهم ذات اليمين وذات اليسار، فما كان منهم سوى الانسحاب للخلف فى سرعة عالية كما هى عادتهم إذا ما اصطدموا بمقاومة شديدة، مخلفين وراءهم عدداً من الدبابات المدمرة، والتى بدأ أفراد أطقمها فى محاولة الخروج منها، ولكن طلقات رشاشات أبناء مصر كانت تحصد أرواحهم، وبكل السرعة المطلوبة قامت مجموعة الصاعقة بتعديل أوضاعها، واستعواض الذخائر، وكما توقعوا عاد العدو فاتحاً تشكيله ممطراً المنطقة بوابل من أسلحته.
ودارت معركة متلاحمة بين الصاعقة المصرية بصدورهم العارية، فقام سيد زكريا مع رفاقه من حاملى الآر– بي– جيه، بالانسلال بين دبابات العدو، يناورونها ويخللوا صفوفها ويتجنبوا جنازيرها المفترسة، ويلتفون خلفها لتجنب رشاشاتها ويصوبون قذائفهم نحوها، فزادت خسائر العدو بين مدرعاته بصورة لم يكن يتوقعها، فما كان منه إلا الانسحاب للمرة الثانية، بعد أن فشل فى اجتياز الممر الجبلى.
وفشلت فى منع تقدم القوات المصرية الزاحفة بثبات داخل سيناء، ثم جمع أبطال الصاعقة المصرية، أشلاء شهدائهم، وحملوا جرحاهم للخلف للاحتماء بالمنطقة الصخرية التى يخترقها الممر، وقد اوشكت مهمتهم على الانتهاء بعد أن أوشكت الشمس القانية على المغيب كاسية الكون بحمرة داكنة، وساد السكون والصمت المكان، وكأنه السكون الذى يسبق العاصفة، وقامت قوات الصاعقة المصرية الذين بحالة تسمح لهم بحمل السلاح والمناورة أقل من أصابع اليدين وكانوا ينتظرون غروب الشمس، للعودة سيراً على أقدامهم إلى المواقع الأمامية المصرية، على بعد عدة كيلو مترات لتعيدهم إلى قاعدتهم، بعد أن نجحوا فى منع مدرعات العدو من المرور، ولم يدر بخلدهم أن العدو الذى تكبد خسائر فادحة .
وماهى إلا لحظات وشاهد سيد ورفاقه، طائرتى هليوكوبتر للعدو قادمين فى إتجاههما فاتحة نيران رشاشاتهم نحوهم، وخلفهما مجنزرتان إسرائيليتان تحملان سرية من القوات الخاصة الاسرائيلية، بدأت الهليوكوبتر فى مناوشة أبطال الصاعقة المصرية، لتتيح لقواتها الخاصة الخروج من مجنزريتها وتطويق رجال الصاعقة، رد أبطال الصاعقة على الهليوكوبتر بالمثل، وفى ثبات برز سيد من خلف إحدى الصخور، اصاب إحدى الطائرتين بقاذفه الصاروخى فى مقتل، وفرت الأخرى مذعورة، مفسحة المجال لقواتها الخاصة للتعامل مع هؤلاء البواسل. خرج جنود العدو من مجنزراتهما فى إتجاه المنطقة الصخرية، تسبقهما طلقات الرشاشين الثقيلين فوق المجنزرتين، وأستعد أبطال مجموعة الصاعقة المصرية بما تبقى من ذخيرة قليلة، للدخول فى معركة أخيرة طلباً للشهادة، وما لبثت ذخيرتهم القليلة ان نفذت ومازال القسم الأكبر من أفراد العدو بكامل تسليحهم، وأستعد أفراد الصاعقة لاستخدام السلاح الأبيض، فى معركة تلاحمية عدا سيد الذى كانت لا تزال لديه خزنتين لبندقيته الآلية، وما لبث أن سقط الجنديين الاسرائيليان خلف الراشاشين الثقيلين صرعى فوق المجنزرتين، وحاول العدو تمشيط المنطقة الصخرية، فحول سيد وضع إطلاق النار إلى الوضع الفردي، لكى لا تنطلق أكثر من طلقة فى كل مرة، وبفضل سرعته، وانتقاله من مكان إلى آخر، وحسن تخفيه من إحداث خسائر عالية بين الكوماندوز الاسرائيلين الذين بدأوا فى التساقط واحدا تلو الآخر، ولم يمنعه الأمر من استخدام سلاحه الأبيض، فى التخلص ممن وجده قريباً من مكمنه، وما هى إلا فترة وجيزة، وهدأ المكان من أصوات الطلقات، وانتظر سيد برهة، وفى حذر خرج ببطء من مكمنه يستطلع ما حوله فلم يشاهد سوى أشلاء جنود الأعداء هنا وهناك، وبدأ الظلام يزحف على المكان، فتحرك سيد ببطء وحذر، بعد أن أدى دوره فى منع عبور العدو من هذا الممر الجبلى طيلة اليوم بعد معارك شرسة، ولما تأكد له خلو المكان من اى اثر للحياه تقدم حاملا بندقيتة الآلية فى اتجاه الممر ليعود للقوات المصرية، ولم يبق ببندقيته سوى رصاصتين فقط،
ولكن الله سبحانه وتعالى اراد له منزله عليا، فمر اثناء سيره على حفره يختبئ بها جندى اسرائيلي، ما كاد يمر به حتى بادره الجندى الغادر بعدة طلقات فى ظهره بيد مرتعشة، ولكنه فوجئ بالبطل يسقط امامه، وكان يظنه احد الابطال التاريخيين، جاء ليساند هؤلاء الجنود الابطال المصريين، وهاله ان يرى هذا الجندى يسقط امامه، فاقترب منه بخوف وحذر وهو موجه السلاح نحوه، فوجده قد فارق الحياة.
وقد تم تخصيص ركن خاص بالقاعة المخصصة لسلاح الصاعقة بالدور الثانى بالمتحف الحربى بالقلعة، علقت لوحة نحاسية نقش عليها وجه البطل، وأسفلها طاولة عرض زجاجية بها متعلقات البطل التى سلمها الدبلوماسى الإسرائيلى لقنصليتنا فى مدينة برلين بألمانيا.