يشير ساند إلى أن أولئك الذين هاجموا كتاب أرثر كوستلر لم يفعلوا ذلك لأنه يفتقر إلى الجدارة، ولكن لأن النقاد كانوا جبناء ولا أحد يريد أن يذهب للبحث تحت الحجارة عندما تكون العقارب السامة كامنة تحتها، فى انتظار مهاجمة الصورة الذاتية للعرقيات القائمة وطموحاتها الإقليمية». وبالمناسبة شلومو ساند ـ وهو فرنسى الأصل ـ وهو بروفوسير فى التاريخ اليهودى وصدر له كتابان يعضدان من رأيه بشكل كبير جدا وهما « كيف لم أعد يهوديا» و»اختراع أرض اسرائيل» . ونعود للكتابين المتزامنين معا فى الصدورعام 1976 وهما «السبط الثالث عشر» للمؤلف الانجليزى آرثر كوستلر وهو روائى وصحفى وناقد هنجارى المولد حيث ولد فى بودابست لأبوين يهوديين، وهو واحداً من أصحاب الأصوات والأفكار الأدبية والسياسية المهمة فى القرن العشرين اشتهر بروايته «ظلام فى الظهيرة» 1940 التى تناول فيهـا تحول فكره الأيديولوجى عن الشيوعية وازدراءه الحكمَ الشمولي، وفـى 1976 نشر «السـِبط الثالث عشر» الذى أثار جدلاً كبيراً عند نشره، إذ قدم فيه كوستلر دراسة موثقة ودقيقة عن أصل اليهود المهاجرين إلى فلسطين الذى يرجع – كما رأي- إلى مملكة الخزر التى ازدهرت فى الفترة ما بين القرنين السابع والحادى عشر الميلاديين فى منطقة بحر قزوين، وليس إلى أصول سامية شرق أوسطية. ويرى كوستلر أن أسباب اعتناق الخزر الديانة اليهودية يعود لأغراض سياسية تبدأ مع إعلانهم الاستقلال عن كل من الإسلام فى دولته العباسية، والمسيحية فى الإمبراطورية البيزنطية، وتكتلهم قوة ثالثة مستقلة، وقد اختفى هذا الكتاب من معظم المكتبات الأمريكية، وفى مكتبة الكونغرس لا توجد سوى نسخة واحدة منه اختفت هى الأخرى كما جاء ذلك فى صحيفة «واشنطن ريبورت لشئون الشرق الأوسط» فى عددها الصادر فى يونيو1991. أما الكتاب الثانى والذى صدر أيضا فى ذات العام 1976 فكان للشهيد جمال حمدان بعنوان «اليهود انثروبولوجيا» والذى يتحدث فيه أيضا عن عدم انتماء اليهود الحاليين إلى يهود النبى موسى ويفند رأيه العلمى بمنهجية دقيقة تعتمد على اعادة القراءة التاريخية لجغرافيا توزيع اليهود فى العالم، ويذهب على سبيل المثال إلى أنهم لم يحترفوا الزراعة وهى الحرفة الأشهر والأغلب لسكان فلسطين التاريخيين والحقيقيين، وهو ينظر إلى العدو الاسرائيلى باعتباره ظاهرة (الكيان الصهيوني) التى تأخذ مستويات متعددة، ويتناول هذه الظاهرة من سياق عام قوامه أنها ظاهرة غربية أولاً أى أنها صنيعة أوربية واستمرت بدعم امريكي، ثم ظاهرة يهودية ثانياً، وعليه فإنه يراها ظاهرة استعمارية صرفة، ووجهها الصيهونى فى حقيقته يعد بكل بساطة سرقة للحق العربى والإسلامي، فهى بهذا تشكل أكبر خطر يواجهه العالمين العربى والإسلامي. وهو يرى حقيقة اليهود على انهم من أبناء أوربا وأمريكا لحما ودما، ونسبا وأصلا، فى معظمهم وبالتالى هم ليسوا فى المنفى أو ليسوا خارج بيتهم الكبير كما يزعمون، بل هم من سكان وأعراق وقوميات الدول والممالك الأوربية، وليس لهم أصل تاريخى فى فلسطين على الإطلاق ونستكمل فى القادم ان شاء الله.