تضحياته كرجل شرطة مميز مع أقرانه من أفراد وزارة الداخلية كانت لها بصمة مهمة ليس فى مواجهة العمليات الإجرامية للجماعة الإرهابية فقط لكن أيضا دوره المهم فى كشف مؤامراتهم وخططهم لزعزعة أمن الوطن والمواطن.. نستذكره اليوم بمناسبة احتفالات الشرطة بعيدها الـ 73 تخليداً لملحمة 25 يناير 1952 التى قدم أبناء الشرطة خلالها أروع ملاحم البطولة والدفاع عن الوطن.. وكان الرجل له نصيب فى اسمه سعيداً بمهماته لا ينتظر من ورائها شكرًا سوى أن يعيش فى وطن آمن ومستقر لم يفكر فى نفسه وأسرته بل كان جل فكره الوطن كله بمَنْ عليه وما عليه من مؤسسات ومصانع ومدارس وجامعات ومستشفيات ومساجد وكنائس.
تميز وسط زملائه بصفة «المبروك» واعتبر كل زميل له أن لقاءه فأل سعد لإخلاصه فى عمله وتضحياته لكى يعكس دور رجل الشرطة الشريف الأمين.
رغم أن عنوان الصفحة وجوه لا تغيب لكن من وجهة نظرى أن اسمه لم ولن يغيب.. بل سيظل حاضراً فى ذهن المواطن المصرى لما قدمه من خريطة كشفت المؤامرة الكبرى على حرق وبيع الوطن بإمضاء الجماعة الإرهابية التى تتاجر بالدين.. ويحسب له أنه كان معه دليل الخائن والخيانة ضد الوطن بلا ضمير وما كانوا يخططون لتدميره، كان مراقباً لتحركاتهم واستهدافهم رجال الأمن بكل فئاتهم فى الأكمنة وفى الطرقات وفى مواقع الحراسات.. فى كل ربوع الوطن والإرهاب يحصد شبابًا فى عمر الزهور بعضهم ربما ودع أسرته لأداء الواجب فى سيناء أو الصعيد ووعدهم بالعودة للاحتفال بزفافه لكن نبأ استشهاده على يد الجماعة الإرهابية كان أسرع من حفل الزفاف، بكى عندما بكت عروس بفستان أسود بعد أن طرزت فستان زفافها واستشهد عريسها قبل 3 أسابيع من الزفاف كل هذا كان يدور فى ذهن رجل الأمن أمام إجرام لا يميز بين مسلم وقبطى وإجرام هدفه الهدم والدمار لوطن يعيش على ترابه.. وكان الشهيد المقدم محمد مبروك «أيقونة شهداء الشرطة» ومثلاً أعلى وحمل على صدره رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وعلى مدى أكثر من 16 عاماً تابع تحركات الخسة والنذالة للإخوان وكرجل شرطة مدرك لخطر المعلومات التى بين يديه دوَّنها فى أوراقه ليس كرصد أمنى لكن مبروك ومنذ التحاقه بجهاز أمن الدولة متزامنًا مع أحداث الأقصر فى تسعينيات القرن الماضى وتحديداً عام 1997 كان متابعاً نشطاً لتحركات الجماعة الإرهابية ومحللاً جيداً لخطوات الخيانة التى يقدمون عليها سواء خلال عمله فى الجهاز عبر مديرية أمن الجيزة أو فى مواقع أخري.
ونظراً لنشاطه الخارق فى كشف ألاعيب الجماعة وأن هدفهم الأساسى هو تدمير الوطن وتغيير هويته كان يتألم للأحداث الإرهابية التى استهدفت كل المصريين وكان يرى خياناتهم على أرض الواقع من حقيقة المعلومات التى بين يديه وكتب فى مضبطة أوراقه حول القضية الكبرى قضية «التخابر» أن هدف الجماعة الخائنة تمزيق مصر بالفتن ليكشف مكمن الخطر.
رأس المطلوبين
أدركت الجماعة الإرهابية أمام صدق المعلومات وجود ضابط ذكى ومحترف ونبيل ووطنى وراءها فوضعوه على رأس القائمة المطلوب تصفيتها بمجرد تحرك قضية التخابر والمتهم الرئيسى فيها المعزول محمد مرسي.
كان شعور العداء الذى بناه رجال الجماعة ضد مبروك أساسه أنه وراء كشف أوراقهم وفضح خطتهم.. فقد كانت أوراق الشهيد محمد مبروك كاشفة تماماً ودحضت ادعاءات «المظلومية» التى يروجونها كذباً للناس.. وكان القرار التخلص منه بأى ثمن ولم تدر الجماعة أن الشهيد مبروك وهو وحيد والديه عندما اختار عمله بالشرطة كان مؤمناً بعمله وحبه لوطنه وكان لديه يقين أن حبه لأسرته جزء من حبه لتراب الدولة التى ينتمى إليها مصر.. وكان يرى أنه فى مهمة لإنقاذ الوطن من سرطان «الخراب». الملتحفين بعباءة الدين «الإخوان الإرهابية».. ومن هنا اعتبر نفسه أنه فى مهمة بلا نهاية لإنقاذ الدولة وكان كلما تعمق فى معلوماته كشف أسرار تحركهم.. واختار إما النصر عليهم أو الشهادة وبالفعل كان جزاؤه الشهادة.
المكالمة الفاضحة
ولعل اللافت للانتباه كشفه للمكالمة «الفاضحة» بين محمد مرسى العياط القيادى الإخوانى وعضو التنظيم الإخوانى عبدالعاطى عندما كان الأخير فى مهمة إلى الخارج وكان ذلك فى 21 يناير 2011.. وهى المكالمة التى حصل منها محمد مبروك على تصريح بالتسجيل من النيابة العامة لصالح التحريات.. وتفنيداً للمكالمة بين مرسى وعبدالعاطى عن أحد المقابلات التى أعطوها كودًا رقميًا فيما بينهما رقم (١) وكان الحديث عما يجرى فى تونس.. وكان من الحديث تناول عددًا من الدول ومنهم أن هناك مخططاً تقوم به الجماعة لإثارة القلاقل وتمهيداً للتمكين عبر أذرع إخوانية قد تكون فى دول أخري.. وفى الحديث بينهما أشاروا إلى حادث كنيسة القديسين وطالت المكالمات أشخاصاً آخرين لفتح قنوات معهم سواء دول أو أشخاص.. وحددت المكالمة وقتها دولة بعينها.
ضم عناصر الشباب
لم يكن هذا فقط ما تحمله أوراق الشهيد محمد مبروك بل كشفت تحرياته محاولات الإخوان بتنشيط مقارهم وخاصة مقر التنظيم بحى المنيل الشهير لجمع الشباب والناشطين السياسيين لتنظيم تظاهرات تواكب أيام الاحتفالات بأعياد الشرطة وهى الأيام التى حددوها عبر وسائل التواصل الاجتماعى فى أكثر من موقع للتمويه.
كشف مبروك أن اجتماع المنيل كان هدفه هو إسقاط الدولة وليس مجرد تظاهرة فى يوم الشرطة للتعبير عن مهاجمتهم لها.
وأن محمد مرسى عضو مكتب الإرشاد المشرف على القسم السياسى لهيكل تنظيم الجماعة فى ذاك الوقت كلف عددًا من القيادات الإخوانية بينهم محمد الكتاتنى وغيرهم وعددًا من الإعلاميين بالسفر إلى إحدى الدول كمحطة ارتكاز ولقاء أحد أعضاء التنظيم الدولى وأحد الهاربين بالخارج لكيفية استثمار أحداث يناير والتعرف على آخر مستجدات الموقف الأمريكى من الأحداث.
رأس الأفعى
وفى أوراق المقدم مبروك أشار إلى رأس الأفعى وعدد من القيادات الإخوانية كما ظهر فيما بعد فى الحلقة الخامسة من مسلسل «الاختيار» وحملة التحريض ضد رجال الداخلية وتحريك الجماعات الإرهابية بالقاهرة والمحافظات لحرق أقسام الشرطة وقد سجل المقدم مبروك ضابط الشرطة الأسطورى المتمرس منذ التحاقه بأمن الدولة بعد تخرجه وعهد إليه بمتابعة تحركات الإخوان وكشف كل الأفاعى ورأس الأفعى ونجح برصد كل اتصالاتهم وتواصلهم عبر الإيميل المتبادل فيما بينهم ويحسب له كشف قوائم الخلايا وخلاياهم العنقودية فقد فك طلاسمها وارتباطاتها.. ونجح فى القبض عبر الأجهزة المختلفة على أكثر من 34 من القيادات الإخوانية على ذمة قضية التخابر وحدها.
ثورة 30 يونيو ونجاحها
مع تولى الإخوان الحكم عانى المقدم محمد مبروك من أزمة نفسية لم يفق منها إلا مع نجاح ثورة 30 يونيو ومع إعلان 3 يوليو عاد إلى نشاطه بكل قوة وأدلى بشهادته المهمة فى «قضية التخابر».
قرار اغتياله اتخذ فى سجن وادى النطرون
عندما تم القبض على قيادات الإخوان داخل سجن وادى النطرون علموا أن المعلومات الدقيقة المقدمة وراءها المقدم مبروك وصدرت التعليمات فيما بينهم باغتياله.. وبالفعل اغتالته الجماعة الإرهابية وهى الخلية نفسها التى كانت مكلفة باغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم.. والمطلع على تحقيقات نيابة أمن الدولة حول الحادث واعترافات القتلة وما قاله شهود العيان يوضح كيف كانت معلومات المقدم مبروك دقيقة وقاطعة فهو من كشف تحرك التنظيم وسفر أعضاء منه إلى سيناء وتكوين خلايا داخل سيناء تكون لها مهام محدودة وتنظيم دورات تدريبية لهم على يد الذراع العسكرية للجماعة.. ومقابلة من يطلقون على أنفسهم أمراء الجماعة.. ولهم تاريخ طويل مع هذه الأعمال قبل وبعد أحداث سبتمبر فى أمريكا.. وفى سيناء لفت انتباهه أن كتب لعبدالله عزام وهو الرجل الذى كان قريباً لأسامة بن لادن فى أفغانستان ولوجدى غنيم وغيرهم فى هذا الاتجاه وجماعات الدعوة والتبليغ.
وكشف المقدم مبروك حملات الترويج لأفكار التشدد بين الشباب مستغلين المنابر والأفكار الواردة كأبومصعب الزرقاوى وكيف كانوا يسافرون إلى سيناء ولقاء الجماعات هناك.. وفى يناير 2011 كانوا يترددون على مسيرات التحرير ويلتقون بشباب السلفيين والجماعة وبعد يوم 28 يناير اتضحت صورة جلية من صور المؤامرة وبدأت تنتشر الشعارات الضالة بين خلاياهم وهى «البيعة».. بقولهم: «نبايعك على السمع والطاعة فى المنشط والمكره والعسر واليسر فيما استطعتم» وكانوا بالطبع يحملون أسماء حركية أثناء السفر والتنقل ووسط أحداث يناير طفا منهم على السطح أعداد كثيرة للجماعات الإسلامية خاصة بعد إطلاق قادتهم من السجون.. وفى نفس زيادة الكراهية للجيش والشرطة بينهم وبين خلاياهم فى مواقع داخل القاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات عبر أمراء التنظيم وعبر إعلامهم.. ودوائرهم الإلكترونية، وكانت الجماعة قد طورت من أدوات الإرهاب باستخدام الوسائط الحديثة وصنع الدوائر الالكترونية للمتفجرات كل هذا لم يكن غائباً على المقدم محمد مبروك راصد ومرصود.
كان مبروك يشعر بجرح غائر لما آلت إليه الأوضاع بعد أحداث يناير وكان حزيناً من الحرب التى يثيرها الإخوان فى الإعلام على الجهاز الذى ينتمى إليه.. وكيف يؤدى زملاؤه عملهم بإخلاص لصالح الوطن.. وعلى حساب أسرهم.
أسرته وحزنه
كان المقدم يعبر عن حزنه بعيونه عندما يتحدث أحد من الجماعة الإرهابية بسوء عن الجهاز خاصة أمام زوجته «رشا» وأبنائه زينة 12 سنة ومايا 10 سنوات وزياد 6 سنوات خاصة أسئلتهم لماذا يتحدثون بالسوء على جهاز الشرطة وفى هذه الأحاديث الأسرية كان يتعمق لديه حجج المؤامرة التى تتعرض لها الدولة ويقول لهم هدم الشرطة صيغة إخوانية ولن يستمع إليهم أحد ويقول لأسرته الصغيرة المهم تبقى مصر.. حتى لو كان الثمن أرواحنا.
النشأة والزواج
محمد مبروك خطاب كان طالباً مجتهداً وبمجرد حصوله على الثانوية العامة وهو وحيد والديه طلب من والده التقدم لكلية الشرطة الذى كان يعمل مستشاراً للشئون القانونية بوزارة الأوقاف وكانت والدته الحاجة روضة تدلله وتحنو عليه كثيراً وكانت تعمل مدرسة.. وتدعو له أن الله أعطاها هذا الابن بعد طول انتظار.. وكان محمد مبروك مرتبطاً بوالديه جداً خاصة بعد إصابة والده بالشلل.
وارتبط بزوجته رشا التى قامت أمام حبه لعمله بدور الأم والأب مع أبنائه جميعاً وتتابع أحوال أولاده الدراسية والمدرسية وكانت تحتفل بأعياد ميلاد أولادها فى منزل العائلة.. فقد كان محمد مبروك المقدم مخلصاً فى عمله إلى أقصى أحد.. وعلى المستوى العائلى كان مرتبطاً بأسرته بشكل كبير.
محمد مبروك كان يؤدى الصلاة فى أوقاتها ومخلصاً ومحباً لعمله وإلى أبعد الحدود وكان دائماً بمعرفته بملف الإخوان كان مرجعه وحجته المعلومة الدقيقة وكانت تقاريره محل إعجاب رؤسائه وأجمل لحظات حياته عندما ذهب لأداء فريضة الحج مع أسرته ووالديه وزوجته عام 2010.
مرض أمه
وأشد الأوقات قسوة عليه عندما علم بمرض أمه بالسرطان.. وكانت قد أخفت عليه مرضها خشية أن ينشغل بها عن عمله الذى يحبه.. وكان المرض قد اكتشف فجأة ودون سابق إنذار وأسرت إلى زوجها ألا يبلغ المقدم محمد مبروك بظروف المرض.
ومع مرض أمه تسلل الحزن إلى قلب الابن الوحيد محمد وارتفعت درجة قلقه عليها.. ويقول المرافقون له عندما علم بمرض والدته كان حريصاً على الحديث معها صباحاً ومساء ويزورها بين الحين والآخر وسط ظروف والده القعيد بسبب الشلل.
إرادة الشعب
ومع نجاح ثورة 30 يونيو وانحياز الجيش لإرادة شعب مصر عاد المقدم محمد مبروك إلى مدينة نصر بعد أن كان قد نقل إلى مدينة أكتوبر أثناء حكم الإخوان بعد أن تم إلغاء قسم التنظيمات الدينية تخصصية فى حركة إخوانية لإخفاء المعلومات المهمة عن الجهاز.. وكان محمد مبروك أثناء وجوده فى السادس من أكتوبر لديه إدراك كبير أن عمر الإخوان فى الحكم ليس طويلاً وسيسقطون شعبياً ورسمياً.. وكان يدرك أن خيرت الشاطر هو من ترصد عدد من الضباط الناجحين بالجهاز لإبعادهم خاصة المسئولين عن الملفات الدينية.
بات واضحاً أن المقدم محمد مبروك يستشعر أن الجماعة الإرهابية وضعته هدفًا «ثمينًا» للتخلص منه ليس لأنه شاهد لكن أيضاً لأن أوراقه تشمل ما اقترفوه من جرائم فى حق الوطن وخريطة خلاياهم المتصلة والمنفصلة والعنقودية.. وبحسب حلقات «ضى القمر» التى كتبها فى «الجمهورية» النائب الكاتب الصحفى مصطفى بكرى التى تناول فيها دوره وكيف تربصوا له لأنه كاشف أسرارهم وحقيقتهم خاصة محمد عفيفى وأبويوسف وأنيس إبراهيم ومحسن.
القرار بالتصفية
كانت هذه الأسماء التى تحركت على الطريق الدائرى قبالة التجمع الخامس وكانوا قد وضعوا خطة اغتيال الضابط «المهم» وكعادتهم لا يبلغون عن اسم المستهدف إلا قبل التنفيذ وهذا هو الخط الأسود فى خطوط جماعة الإرهاب.
وفى خطة تماثل خطط الجماعات الإرهابية فى أفغانستان اتجه بكرى بسيارته إلى التجمع وأمامه أحمد عزت يستكشف الطريق على طريق حلقة تسلم حلقة لمعرفة كمائن الطريق الدائرى والتجمع ومدينة نصر خاصة أن سيارة منهم كانت تحمل الأسلحة التى ستنفذ بها عملية الاغتيال فى الحادث الإرهابي.. وفى الطريق هبط أحمد عزت بميراج سيتى وكان يقود سيارته النيسان السوداء بحسب حلقات ضى القمر وكان عزت على علم بالعملية لموقعه القيادى أن العملية تستهدف الشهيد المقدم محمد مبروك وتم تسليم السيارة بالأسلحة وإخفائها فى إحدى فيلات التجمع الخامس بينما ذهب بعضهم «طارق» إلى شقة بمنطقة الشباب بالتجمع الأول.
الحزن فى منزله
كانت لحظة حزينة على الأم المريضة والأب القعيد المصاب بالشلل وبينما يجلس بجوار الزوجة ويغالبها النوم وإذا بهاتف الخبر الحزين يدق مبدداً سكون المنزل كان المتحدث عبدالله خطاب عم المقدم مبروك وشقيق زوجها وسألها عن المقدم مبروك.. وأثناء الكلام تلعثم العم وبقلب الأم قالت له هل سمعت شيئًا عن محمد.. فالتزم الصمت وقال لها أنا أطمئن عليه.. لم تكذب الأم شيئاً وشعرت بأن هناك شيئاً ما وأن هذا الاتصال يحمل استفهامات أن محمد حدث له مكروه.. واتصلت بهاتفه فرد عليها أحد الضباط وأبلغها أن محمد مشغول سيحدثك بعد قليل.. ردت على الضابط الذى لم يبلغها وقالت له ابنى مات وسقطت مغشياً عليها بينما وقع الأب المشلول فى حالة يرثى لها من الذهول.
بيان الداخلية
وأعلنت الداخلية فى بيانها نعى استشهاد الفارس المقدم محمد مبروك بيد الخسة والنذالة الجماعة الإرهابية.. وكان نبأ استشهاد ضابط بحجم محمد مبروك لديه أهم ملفات الداخلية الدقيقة وأسرار الجماعة قد سرى فى أنحاء الدولة لأن صاحبه المقدم محمد مبروك «الصندوق الأسود» لجماعة الإخوان وكاشف أسرارهم والشاهد على مؤامراتهم.
وكانت ساعة الصفر لم يتم تحديدها.. فبعد ترتيب خطة التنفيذ ذهب عدد من أبناء الخلية إلى مزرعة بالقرب من مدينة العاشر وفى فيلا أبوعبدالله عرضوا صور فيديو تم تصويره حول عملية الاغتيال ووقفوا عند مسجد السلام القريب من موقع الحادث وتم تنفيذ الجريمة البشعة.. ومع وصول الأمن إلى مكان الحادث سادت حالة حزن وذهول وصدمة بين الضباط عندما رأوا زميلهم صريعاً فى سيارته وكان أول من وصل إلى الموقع زميله عمرو مصطفى الذى لم يصدق محتضناً جثمان الشهيد مبروك ونقله إلى مستشفى الشرطة القريب جداً من مكان الحادث وتحرك الأمن وأجهزته المكلفة بكشف المجرمين وما أدلى به شهود العيان والعاملون فى الأكشاك القريبة وعاين المحامى العام بنفسه الحادث وكانت كاميرات الشوارع قد قدمت أدلة حول السيارة التى استخدمت فى الحادثة.
الزوجة والأولاد
مع البيان وصل الخبر إلى زوجته رشا ولم تصدق وهى تسمع بيان الوزارة وهاتفها لم تتوقف الاتصالات من أهلها عليها فخرجت سريعاً إلى المستشفى وكان أبناؤها قد قام بعضهم فوسط الصراخ لا مجال للنوم وتحرك الجيران فى جو حزين وعندما وصلت المستشفى كان كل همها كيف سيتحمل أبناؤها خبر استشهاد والدهم.. ناظرت الجثمان المسجى فى الثلاجة ألقت بجسدها عليه وأمام المشرحة تجلس والدته المكلومة فى حالة إغماء وصمما أن يبقيا أمامها فقد فقدت ضناها الوحيد ومعه فقدت كل شيء فى الحياة وظلت الزوجة حتى الصبح تهذى بالكلمات الحزينة وترثى بكلمات غير مفهومة زوجها المقدم محمد مبروك.. وكان لابد أن تذهب إلى المنزل من أجل أبنائها وذهبت لترى صورته تملأ الصالة وأبلغتهم بالخبر الحزين وانهمرت فى البكاء أمام ابنها «زياد»!!
الجنازة العسكرية
ومع الخبر الحزين تم الإعداد يوم 18 نوفمبر الموافق يوم الاثنين أعد كل شيء فى مسجد الشرطة بالدراسة فى جنازة تقدمها رئيس الوزراء حازم الببلاوى ووزير الداخلية محمد إبراهيم المستهدف أيضاً وأمه التى حتى لحظة الجنازة غير مصدقة أن وحيدها استشهد وتمسك بيد زوجته رشا وتحرك الموكب الجنائزي.. وعادت الأم والزوجة والأب إلى منزله.. وبينما هم عائدون كانت الزوجة فى تفكير آخر من شريط ذكريات الشهيد وأولاده ووسط بكاء الأطفال ما بين الحزن والذهول والكل يسأل بابا فين؟ يا حبيبى يا بابا غير مصدقين ما حدث والأم تحتضن أبناءها باكية حزينة ويسألون جدتهم فقالت لهم كلمة تقولها كل أم مصرية عندما تفقد ابنها شهيداً فى الجيش أو الشرطة وهذا لمسناه بعد حربى 67 و1973 وبعد كل العمليات الإرهابية «باباكم مات بطلاً»!! أبوكم شهيد.. والأم تتذكر قبل 22 عاماً من هذا اليوم الحزين يوم زفافهما وكيف عاشا معاً فى حب الوطن ونحيب أولادها يخرق آذانها.. فقد ودعوا شهيداً مهماً فى طابور شهداء مصر فى مواجهة الجماعة الإرهابية!!
وبوفاة واستشهاد البطل محمد مبروك لم يكن الحزن فقط فى منزله أو فى وسط زملائه بالجهاز الذين فقدوا قيمة وطنية تصدى للإرهاب وكشفت حقيقته بغدره وذكاء خارق لم يتطرق الخوف لحظة إلى قلبه وكشفت الدولة الأيادى القذرة التى خططت للتخلص منه.. وسابق رجال الأمن الزمن لكشف الجناة وكشفت كل الخلية «العفنة» التى قامت بالعمليات الإجرامية ومنهم الداعم المالى أحمد عزت شعبان «أبويوسف» الذى كان يقضى مصيفه سنوياً فى مارينا أو فى منتجعات خارج مصر وكان أبرز الإرهابيين الذين شاركوا فى الاغتيال وفى أعمال إرهابية أخرى تمويلاً وتخطيطاً ويقطن فى فيللا بالرحاب كما يمتلك أخرى فى التجمع الخامس.. وعندما كشفت سره كان قد سافر إلى مارينا بعد الحادث لكنه استدعى من تنظيمه بالعودة وفى يوم الجمعة 29 نوفمبر 2013 بعد 12 يوماً من الحادثة وصل رجال الشرطة السرية والأجهزة إلى الفيلا ولم يستسلم بل حاول المقاومة ومن غرفة نومه مستخدماً رشاشاً وساعتها فهمت زوجته أن زوجها يسير فى طريق ليس طريق الكافيهات التى يجلس عليها وهذا سر غيابه كثيراً عن المنزل وأسباب توتره بعد استشهاد المقدم محمد مبروك.
ومع مبادرته بإطلاق الرصاص نصح بمكبرات الصوت أن يسلم نفسه عبر ضابط كبير يحمل رتبة لواء ورفض النداء حتى زوجته طلبت منه الاستسلام لإنقاذ أولاده أو يتركها تخرج للقوات حول الفيلا.. لكنه كان يتخذهم دروعاً هى وأولاده الصغار.
وبعد محاولات استسلم وألقى بسلاحه رافعاً يديه مستسلماً ودخلت القوات الشرطية الفيلا اللغز بالتجمع.
من الفيلا اللغز إلى الحبس
واقتاده مجموعة من ضباط الأمن إلى مبنى التحقيقات وكان زائغ العينين يعرف أن يديه الآثمتين خططتًا لاغتيال مواطن شريف يدافع عن تراب الوطن وتوصل الأمن إلى السيارتين المستخدمتين فى الحادث المشئوم بفيلا فى التجمع ويومها كشف فى التحقيقات دور صديق للمقدم محمد مبروك هو قائد مرور الوايلى كان من بين حضور الجنازة وكان صديقاً للعائلة وكانت صدمة للأسرة.
استشهد المقدم مبروك وبقيت سيرته العطرة تحكى سطورًا فى حب الوطن.. ولأبنائه صورة والد شريف افتدى وطنه بروحه وكشف مؤامراتهم التى كانوا يخططون فيها لحرق الوطن ومع إعلان القبض على القتلة رفعت والدته علم مصر على شرفة منزلها وقامت مع زوجته وأولاده ووالده بزيارة قبره الطاهر الذى يحتضن شهيد الواجب فى حب وطن لن يغيب وستظل سيرة المقدم محمد مبروك تتناقلها الأجيال فى سطور البطولة والملاحم التاريخية وسيظل مع إخوانه الشهداء.. شهودًا على الفداء.. أمام خوارج هذا الزمان.