>> لم تتعثر ولادة قانون جديد ويتأخر إقراره فى البرلمان لأكثر من نصف قرن.. مثلما حدث مع قانون «الإيجارات القديمة» الذى يحدد العلاقة بين المالك والمستأجر فى الوحدات السكنية!!
من النادر أن تخلو جلسات المحاكم من نزاع حول شقة أو محل أو ورشة أو «عين مؤجرة» يريد مالكها استعادتها.. أو يطلب السكان إصلاح وصيانة العقار أو المصعد!
تشابكت خيوط الأزمة عبر السنين.. وأدى عدم إيجاد حل يرضى الطرفين ويحقق العدالة إلى تحول العلاقة بينهما إلى صراع دائم.. ومرت الأيام وتبدلت الأحوال وتعاقبت الحكومات وتغير كل شيء إلا «الإيجارات القديمة» وقانونها حيث لم تتمكن البرلمانات المتتالية من الستينيات من القرن الماضى على اختلاف الأعضاء ومسميات المجالس «الأمة ـ الشعب ـ النواب» من إصدار القانون المنتظر.. وأخيراً لاحت فى الأفق بوادر تشير إلى احتمالية أن يرى النور قريباً!!
لو عدنا إلى أصل المشكلة فإن العلاقة الإيجارية فى الوحدات السكنية والإدارية والتجارية يحكمها قانون صادر عام 1920 أى منذ أكثر من قرن.. وحدد القيمة الإيجارية بأنها مساوية للأجرة المنصوص عليها أول أغسطس 1914 مضافاً إليها 50 ٪ مع عدم جواز إخراج المستأجر إلا بحكم محكمة.. وفى أثناء الحرب العالمية الثانية صدر قانون يمنع المالك من رفع الإيجار أو طرد المستأجر.. وبعد ثورة يوليو 1952 صدرت عدة تعديلات وقوانين جديدة كانت تصب فى صالح المستأجر وتخفيض الإيجار حتى صدر عام 1981 قانون «الإيجار الجديد» فلم تعد هناك مشكلة سوى فى الإيجارات القديمة!!
لا ننكر أن القضية شائكة.. وتحتاج إلى حكمة فى علاجها فهناك آلاف من الأسر تعيش فى وحدات مستأجرة منذ عقود وأحوالها مستقرة وهناك أرامل وأيتام ميزانياتهم لا تتحمل أكثر من مبالغ الإيجار المحددة التى يدفعونها من سنوات ولا يمكنهم تدبير السكن البديل.. وبالتأكيد لا يمكن السماح بأن يكون الشارع مصيرهم!!
فى نفس الوقت يحتاج الحل إلى الإنصاف لأصحاب العقارات فلا يُعقل أن يكون إيجار شقة فى الزمالك أو جاردن سيتى أو الأحياء الراقية 30 أو 40 جنيهاً فى الشهر.. كما أنه ليس من المنطقى ألا يحق للمالك أن يستمتع بما يملكه أو يسترده وقت الحاجة إليه عند تزويج أولاده مثلاً!!.
بالتأكيد الدولة قادرة على المساعدة فى حل هذه المشكلة.. ونحن على ثقة أنها لن تترك أى أسرة بسيطة تتضرر من القانون الجديد فى حال صدوره أو تسمح بطرد ساكن من شقته حتى لو تحددت عدة سنوات لتطبيق القانون.. وفى نفس الوقت لابد من علاج مشكلة أن يظل المالك لا يحصل سوى على بضع جنيهات قليلة لا تعينه على تكاليف الحياة المتزايدة خاصة إذا كان فى عقار مجاور يتم تأجير شقة بالإيجار الجديد بآلاف الجنيهات شهرياً.. وحتى تساعد الدولة الطرفين يمكنها اتخاذ عدة إجراءات منها إعفاء المالك مثلاً من الضريبة العقارية طوال الفترة الانتقالية التى سيتم الاتفاق على مدتها بعد عرض مشروع القانون للحوار المجتمعى سواء ٣ أو ٥ أو ٧ سنوات.. وكذلك يمكن إيجاد بدائل للمستأجرين بزيادة المعروض.. وهناك العديد من الشقق المغلقة من المتوقع أن تكون جزءاً من الحل على أن يتم تسهيل تأجير هذه الشقق التى يصل عددها لأكثر من 10 ملايين شقة وفقاً لجهاز الإحصاء.. ومنها عقارات تابعة للإسكان الاجتماعى أو الاقتصادى أو سكن مصر ولو سمحت الدولة بتأجير وحداتها المغلقة لأسباب متعددة فستساعد فى حل المشكلة وتستفيد الدولة بنسبة من الإيجار لا تغالى فيها ويستفيد صاحب الشقة المغلقة بدلاً من تركها خالية أو يظل مهدداً بنزول لجنة تسحبها منه «وكأن الدولة أعطتها له وعينها فيها».. ولا ندرى لماذا يظل أصحاب شقق الإسكان الاجتماعى مهددين طالما أنهم أثبتوا من البداية أنهم يستحقون الحصول عليها ويسددون أقساطها فى مواعيدها.
يعانى المستأجرون أيضاً من امتداد عقد الإيجار القديم إلى الزوجة والأبناء أو الوالدين وهى مشكلة كبيرة خاصة للأسر التى يتوفى عائلها ويطالبون بأن يتضمن القانون الجديد ما يؤكد أحقيتهم فى التواجد فى العين المؤجرة وعدم تركها.. بينما يرى الملاك أنه من المستحيل أن يورث عقد الإيجار إلى الأبد ولابد من وضع ضوابط ومدة محددة لاستفادة من يمتد إليهم العقد.. وبالنسبة للوحدات الإدارية والتجارية فأمرها أهون من السكنية وإن كان الأمر يحتاج إلى مراعاة وجود محلات وبقالات وورش هى مصدر الدخل الوحيد لعائلات بأكملها خاصة فى المناطق الشعبية والمحافظات!!
أجريت تعديلات على الإيجارات القديمة وبدأ منذ مارس 2023 تطبيق زيادة قدرها 15٪ وفى مارس 2023 تمت زيادة الإيجار 15٪ أخرى.. ولكن العديد من أصحاب العقارات يعتبرونها زيادات غير مجدية بينما يقول المستأجرون إن المالك تحصل منذ الستينيات والسبعينيات حتى الآن على أكثر من ثمن العقار وفقاً لأسعار ذلك الوقت ومع عدم اعتراضهم على الزيادات إلا أنهم يرون أن تكون تدريجية وتراعى التضخم وغلاء المعيشة وهى نفس الحجة التى يسوقها الملاك.. فالطرفان على النقيض ويتصارعان مثل القط والفأر أو »توم وجيرى«!!
بدأت لجنة الإسكان بمجلس النواب عقد جلسات لمناقشة القضية وطلب حصر عدد الوحدات المؤجرة التى يقال إنها تصل إلى ٨ ملايين شقة منها ما يقارب 100 ألف شقة مغلقة بالقاهرة وحدها.. كما توجد عدة مشروعات قوانين تتناول تحديد قيمة إيجارات الوحدات السكنية والإدارية والتجارية وفقاً للمساحات والأماكن وهل تقع فى المدن أم القرى.. وهل هى فى أحياء راقية أو فى شوارع جانبية ومدى تميزها.. وجميعها مشروعات يمكن مناقشتها والبناء عليها وطرحها للحوار المجتمعى.. كما يمكن الاستفادة من تجربة إيجارات الأراضى الزراعية التى كانت مشكلة أنهاها القانون رقم 96 لسنة 1992 والذى أعطى ٥ سنوات مهلة لتطبيق القانون.. فالقضية كما قلنا شائكة وتحتاج إلى حكمة وإنصاف وعدالة وسماع كل وجهات النظر حتى تنتهى فترة الولادة المتعثرة ويخرج القانون للنور ويتم القضاء على أزمة سببت صداعاً للمجتمع منذ أكثر من نصف قرن!!