وقبل أن نذهب إلى التاريخ نستلهم منه العظات والعبر وقبل أن نتحدث عن الشعب المصرى العظيم فى يونيو من عام 1967 عندما خرجت الملايين إلى الشوارع يومى ٩ و10 يونيو تطالب زعيمها جمال عبدالناصر بعدم التنحى والاستمرار فى الحكم لقيادة مصر لمحو آثار الهزيمة واستعادة الأرض المحتلة، فإننا نقف أمام تصريح بالغ الأهمية والوضوح لوزير المالية والتخطيط الاقتصادى السودانى السيد جبريل إبراهيم محمد على أدلى به لبرنامج تليفزيونى على هامش منتدى سانبطرسبرج الاقتصادى الدولى حيث تحدث عن وجود مخطط أمريكى صهيونى كبير يستهدف مصر.. قائلاً: عندما ننظر إلى جنوب سوريا وإيران واليمن والسودان وليبيا فإن الصورة توضح أن الهدف هو عزل مصر وتجريدها من العمق الأمنى والاستراتيجي.
ونعم أيها الوزير.. هذا ما تؤكده الأحداث.. وهذا ما نقوله مراراً وتكراراً وهذا ما أفسده الشعب المصرى العظيم عندما وقف على قلب رجل واحد يرفض الانقسام ويرفض الفتن ويحارب معركته من أجل الأمان والاستقرار خلف قيادته الوطنية مدركاً لحجم وخطورة ما يدبر لنا وما يراد بنا.
ونعود إلى الأيام التى اعتقدوا أنها ستكون النهاية للدولة المصرية القوية التى انطلق بها زعيم مصر التاريخى جمال عبدالناصر يحاول أن يصنع معها وأن يقيم أمة عربية واحدة قوية من المحيط إلى الخليج.. أمة تملك قرارها السياسى والاقتصادى والعسكري.
وحاولوا الإجهاز على حلم ناصر فى يونيو من عام 1967 عندما تآمروا لضرب جيش مصر واحتلال سيناء.. واحتفلوا على أنها النهاية.. نهاية الحلم.. ونهاية الثورة.. ونهاية ناصر ونهاية المشروع العربي.
وعندما أدرك ناصر الهدف والمخطط فإنه أعلن التنحى عن الحكم حتى يترك الفرصة لآخرين لتحقيق الحلم.. وكان إعلان عبدالناصر للتنحى ضربة موجعة للذين آمنوا بناصر ومشروعه القومي، فخرجت الملايين والجماهير العريضة تدعم زعيمها المحبوب وتطالبه بالبقاء.. إبق معنا.. سنخوض معك الحرب ولن ننهزم.. أنتم من ستحققون الانتصار وستفشلون كل محاولات إسقاط وإضعاف مصر.
ولأن الشعب هو من يحكم.. ولأن كلمة الجماهير لا ترد فإن ناصر ـ مصر قبل العودة.. وناصر ـ مصر قضى أعظم وأهم وأفضل سنوات رئاسته لمصر من عام 67 إلى عام 70 وهو يعيد بناء الجيش المصرى على أسس عسكرية حديثة ويعيد تزويده بأسلحة متطورة ومتقدمة وبعيدة وهذا هو الأهم زراعة الأمل والحلم والعزيمة من أجل استمرار المقاومة والاستعداد للحرب.
وعندما توفى ناصر عام 70 قبل أن يرى انتصار جيشه الذى أعده لمعركة التحرير فإن المولى القدير بعث لمصر هدية من السماء متمثلة فى ابن مصر الخالد محمد أنور السادات الذى كان «داهية» التخطيط والمناورة والمراوغة لتوجيه الضربة الساحقة التى أعادت الكبرياء والكرامة والأرض فى حرب أكتوبر العظيمة عام 1973.
وقاد السادات الكبير.. معركة أخرى لا تقل أهمية عن معركة أكتوبر وهى معركة السلام.. بهجوم السلام الذى بدأه فى إسرائيل فى عقر دارها عندما توجه إلى الكنيست الإسرائيلى حاملاً غصن الزيتون والبندقية متحدثاً عن السلام القائم على القوة بعد انتصار أكتوبر.
وذهلوا من السادات.. أزعجتهم نبرة السلام التى يتحدث بها، أخافهم أن العالم بدأ يتعرف على الحرب من مفهوم ومنطلق جديد.. كان حديث السلام بالنسبة لهم مخيفاً، ولم يدرك العرب أن هناك فرصة ذهبية فى تحسين صورتهم ومكانتهم فى العالم فتركوا السادات وحده وتخلوا عنه فى معركة كانت تقتضى المشاركة والدعم وفى فرصة تاريخية كانت تستحق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.
وعندما وجدوا السادات وحده فإنه حاولوا أن يعيدوا إحياء مخططاتهم.. حاولوا عزل مصر وأن يكون السلام منفرداً.. ودفعوا بعض الدول العربية لمقاطعة مصر.. وكان الهدف أن تفقد مصر العمق العربى الإستراتيجى وأن تنشغل المنطقة العربية بخلافات وانقسامات حول من يرث الدور المصرى ومن يملأ فراغ مصر.. أرادوها حرباً عربية.. عربية.. وأرادوها فى الأساس حرباً لفرض الوصاية والهيمنة على المنطقة بإبعاد مصر عن دائرة التأثير والقرار لكى يبقى القرار والسيطرة لهم.. أرادوه احتلالاً اقتصادياً بديلاً للاحتلال العسكرى الباهظ التكاليف.
وأدركت القاهرة ما يدار وما يدبر.. كانت مصر على قناعة بأن الهدف هو جرها إلى معارك مع الأشقاء.. لأن المخطط هو عزل مصر وحصارها واستهداف أمنها واستقرارها.
وتمكن الرئيس السابق حسنى مبارك من قيادة السفينة بأمان دون تقلبات أو اهتزازات تتعلق بالأمن القومى المصري.. فأرسلوا له رياحاً خريفية مدمرة تحت ستار الربيع العربى لاقتلاعه بالفوضى التى تحدثوا عنها من قبل ووصفوها بالفوضى الخلاقة وهم يعلمون أن الفوضى لن تكون أبداً خلاقة وإنما مدمرة.
ولن نستطرد ونعود كثيراً إلى أحداث كانت قريبة.. أحداث أفسدها مرة أخرى الشعب المصرى العظيم عندما التف حول قواته المسلحة وأعاد تصحيح المسار.. ولكننا نتوقف عند تصريح الوزير السودانى مؤخراً الذى أعاد التذكير بالمؤامرة.. وباستهداف مصر.. ويا شعب مصر العظيم.. اصطفافنا الوطنى دائماً.. فخرنا واعتزازنا ببلدنا وقيادتنا الوطنية.. تصميمنا على التنمية وبناء جمهوريتنا الجديدة هو الطريق الوحيد لإفساد مخططاتهم الشريرة.. أمننا واستقرارنا هو الأهم.. وهو الأبقي.