فى لحظة حرجة من تاريخ الشرق الأوسط، تقف المنطقة على مفترق طرق لا تحكمه قواعد القانون الدولى بقدر ما تعبث به أهواء القوة المجردة.. فلسطين تنزف، وسوريا تشتعل، والحوثيون فى اليمن يتلقّون الضربات واحدة تلو الأخرى من الطائرات الأمريكية، بينما تقف القاهرة، كعادتها، شاهدة وفاعلة، وإن لم يكن الصوت عاليًا، فالثبات مبدأ، وكلمة مصر حاسمة.
ما يجرى فى غزة ليس مجرد تصعيد عسكرى، بل هو امتداد لنهج استيطانى قائم على محو الجغرافيا وتزوير التاريخ، فإن إسرائيل التى تخلّت عن أقنعة السياسة، تتصرّف كقوة فوق القانون، مدفوعة بضوء أخضر أمريكى، فالغارات مستمرة، والبيوت تُهدم، والمستشفيات تُقصف، وكأن شيئًا لم يكن.
وفى دمشق.. المدينة التى كانت يومًا نبض العروبة، تستمر المعركة فى صيغتها الجديدة؛ ليست حربًا أهلية خالصة، ولا حربًا بالوكالة فقط، بل هى مسرح تجارب دولى على أرض شعب دفع ثمن الجغرافيا والتاريخ.. والاعتداءات الإسرائيلية على مطاراتها ومنشآتها، باتت جزءًا من المشهد الأسبوعى، كأنها رسائل لا تنتهى إلى موسكو وطهران.
فى الجنوب، وتحديدًا على جبال اليمن، تقود الولايات المتحدة هجومًا جويًا متواصلاً على مواقع الحوثيين، تحت ذريعة حماية الملاحة الدولية، لكن ما لا يُقال فى بيانات البنتاجون، يُفهم من طبيعة الأهداف: إنها حرب استنزاف طويلة، لا تستهدف الحوثيين فقط، بل تصيب الإقليم كله بحالة من التوتر والتعبئة.
وسط كل هذا، تقف مصر، على أرض صلبة من ثوابت السياسة.. فالقاهرة لم ترفع شعارات حماسية، ولم تتورط فى مزايدات لفظية، لكنها أرسلت رسائلها فى الصمت كما فى الكلام، دعمها لغزة إنسانى وسياسى، وتحركها فى الملف السورى يتم بصمت الضرورة، لا صخب الإعلام. أما اليمن، فإن نظرتها إليه تتجاوز الصراع الظاهر إلى ما هو أعمق: أمن البحر الأحمر وممرات التجارة.
مصر اليوم ليست تلك التى تبحث عن دور، بل تلك التى تُسأل عن الكلمة الأخيرة عند اشتداد الأزمات، وربما هذا ما أزعج البعض، وأراح البعض الآخر، ففى زمن الفوضى، قيمة الدولة تكمن فى وزنها، لا فى ضجيجها.
ما نراه الآن ليس مجرد اضطرابات متناثرة فى بقاع مختلفة من الجغرافيا العربية، بل هو مشهد شامل يعاد تشكيله، بالسلاح حينًا، وبالسياسة حينًا آخر، ويبقى السؤال: من يكتب هذا السيناريو؟ ومن يملك حق التعديل؟