يقف الشرق الأوسط هذه الأيام عند مفترق طرق خطير لم يشهد له مثيلاً منذ عقود. الخيار الأول يتمثل فى ضربة عسكرية أمريكية مباشرة ضد إيران قد تشعل حرباً إقليمية وربما عالمية والخيار الثانى السماح لطهران بامتلاك السلاح النووي، مع ما يحمله ذلك من تداعيات مدمرة على توازن القوى فى العالم.
رغم إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال الايام الماضية أنه قرر تأجيل الضربة العسكرية ضد إيران لمدة أسبوعين، إلا أن المعطيات الميدانية والاستخباراتية تشير إلى أن التجهيزات العسكرية على الأرض تسير باتجاه معاكس، وتُنذر بتحركات خطيرة خلال أيام قليلة قادمة.
وفقاً لصور الأقمار الصناعية والتقارير المنشورة فى نيويورك تايمز وبلومبيرج، بدأت الولايات المتحدة خلال الـ 48 ساعة الماضية عمليات إعادة تموضع واسعة لقواتها فى الخليج، أبرزها إخلاء قاعدة «العديد» فى قطر من جزء كبير من المقاتلات الحربية، وسحب الطائرات من قواعد أخرى فى المنطقة.فى الوقت ذاته، شرعت واشنطن فى إجلاء عدد من مسئوليها وعائلاتهم من تل أبيب، فى مؤشر تقليدى على توقع ضربة عسكرية كبرى قد تقود لرد إيرانى صاروخى مباشر على إسرائيل.
كما ان ما يتم تسويقه إعلامياً من أن واشنطن تسعى للتهدئة أو العودة إلى طاولة التفاوض، يتناقض مع الوقائع الميدانية. فهناك مصادر تؤكد أن واشنطن تعد خطة خداع استراتيجى مشابهة لما نفذته إسرائيل قبل أشهر ضد إيران حين باغتت طهران بضربات جوية مركزة استهدفت منشآتها النووية والعسكرية وألحقت بها خسائر كبيرة.
اليوم، يعود هذا السيناريو ذاته بصياغة جديدة قد تكون أكثر خطورة، حيث تقترب الولايات المتحدة من المشاركة المباشرة فى عملية مماثلة ضد البرنامج النووى الإيراني.
فى صلب الأزمة تبرز منشأة «فوردو» النووية، التى تعتبرها الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية مركز تطوير السلاح النووى الإيراني. تقع المنشأة تحت عمق يقارب 100 متر من الصخور الجبلية الصلبة، الأمر الذى يحول دون تدميرها بسهولة عبر القصف التقليدي.
وحتى الآن، فإن أقوى سلاح خارق للتحصينات بحوزة الولايات المتحدة وهو قنبلة (جى بى يو 57) لا يستطيع اختراق أكثر من 60 مترًا فى العمق، مما يعنى أن المنشأة ستظل محمية لذا فان هناك عدة خطط مطروحة للتعامل مع مثل هذه المنشأة.
الخيار الاول توجيه ضربتين متتاليتين فى نفس النقطة بقنبلتين من نوع جى بى يو 57 للوصول للمدى التدميرى المطلوب خلال فترة زمنية قصيرة لتعميق الاختراق وتجاوز مستوى الحماية الجيولوجية، لكن خبراء الفيزياء العسكرية يعتبرون هذا الخيار عملياً مستحيلاً نظراً لصعوبة ضبط التوقيت بدقة وللتركيب الجيولوجى المعقد للمنطقة.
الخيار الثانى وهو الأخطر يتمثل فى تنفيذ ضربة نووية محدودة تستهدف طمر المنشأة وإغراق المنطقة بالإشعاعات النووية بحيث تصبح غير قابلة للاستخدام العسكرى مستقبلاً. لكن هذا القرار يحمل تبعات كارثية تشمل احتمالية شن إيران هجمات صاروخية واسعة تطال القواعد الأمريكية فى الخليج والمنطقة او اغلاق مضيق هرمز بألغام بحرية، ما يؤدى إلى توقف ما بين 17ــ20 ٪ من إمدادات النفط العالمية وبالتالى يترتب عليه انهيار اقتصادى عالمى محتمل مع ارتفاع أسعار النفط لمستويات تتجاوز 200 دولار للبرميل او دخول أطراف دولية نووية كروسيا والصين وقتها تدخل المنطقة فى أزمة مفتوحة.
هناك احتمال آخر مطروح ينص على تنفيذ عملية كوماندوز معقدة بمشاركة قوات خاصة أمريكية وإسرائيلية يتم إنزالها جواً لتدمير المنشأة من الداخل،لكن هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان الفشل التاريخى لعملية «خليج الخنازير» عام 1961 فى كوبا، وما قد يتبع ذلك من خطر اشتعال حرب إقليمية شاملة.
بحسب آخر تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران بلغت مرحلة متقدمة من تخصيب اليورانيوم بنسبة 83.7 ٪، أى بفارق 6.3 ٪ فقط عن النسبة المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية عسكرية (90 ٪) ويقدّر خبراء مركز الدراسات النووية فى واشنطن أن طهران قادرة على إكمال هذه النسبة خلال أيام إذا اتخذت القيادة السياسية القرار بذلك.
ما يجعل التهديد الإيرانى أكثر تعقيداً هو النجاح فى تطوير تكتيكات صاروخية نوعية أربكت الدفاعات الإسرائيلية مؤخراً، فقد نفذت إيران عمليات «إغراق للقبة الحديدية» عبر إطلاق صواريخ قديمة أولاً لاستنزاف الذخائر الدفاعية الإسرائيلية، ثم أتبعت ذلك بإطلاق صواريخ فرط صوتية متطورة بسرعة هائلة تعجز المنظومة الإسرائيلية عن اعتراضها.
وفق تقارير استخباراتية إسرائيلية نقلتها ان بى سى نيوز الاخبارية فقد انخفضت نسبة نجاح القبة الحديدية فى اعتراض الصواريخ من 90 ٪ إلى 65 ٪ خلال آخر 24 ساعة من التصعيد. وللمرة الأولى منذ بدء المواجهة، استخدمت إيران صواريخ تحمل رؤوساً حربية عنقودية متعددة الانفجار، تطلق من كل رأس ما بين 20 إلى 30 قنبلة فرعية تغطى دائرة واسعة من الأهداف، ما يجعل اعتراضها شبه مستحيل. هذا التطور سمح بضرب أهداف استراتيجية فى قلب تل أبيب بينها مبنى البورصة ووزارة الدفاع ومستشفى سوروكا العسكري.
بهذا المشهد المعقد، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام خيارين أحلاهما مر اما مغامرة عسكرية محفوفة بكارثة إقليمية وربما عالمية وإما القبول بإيران نووية رسمياً، ما سيؤسس لسباق تسلح غير مسبوق فى الشرق الأوسط. فى كلتا الحالتين، يقترب الشرق الأوسط من لحظة تحول تاريخى ستحدد ملامحه خلال أيام أو أسابيع قليلة قادمة.
فهل نشهد انفجاراً عسكرياً يقلب المنطقة رأساً على عقب؟أم تذهب الأطراف مجبرة إلى تسوية سياسية توقف هذا الجنون قبل أن يفلت زمام الامور؟