مصر قادرة على عبور الأزمة الحالية، فلديها من الوسائل والآليات ما يجعلها قادرة على البقاء، ومن أهم هذه الآليات طبيعة الشخصية المصرية التى احتفظت فى ذاكرتها وجيناتها بالصعوبات والتحديات التى واجهتها منذ آلاف السنين لتكون مناعة لها من أى حوادث قد تتعرض لها، فالشخصية المصرية ذات تركيبة فريدة استطاعت هضم كافة الحضارات لتشكل فى النهاية هوية متفردة ممزوجة بالتعاليم الدينية السمحة والتى تحض على العطاء والمساعدة وتحقيق التكافل الاجتماعى والمشاركة والمسئولية المجتمعية والتماسك بين أفراد المجتمع، فمعظم التبرعات التى تتلقاها المؤسسات الخيرية الكبرى جاءت من بسطاء الشعب المصرى لأن 80 ٪ من التبرعات من فئة الجنيه وفئة الخمسة جنيه والعشرة جنيه والعشرين جنيه، مثلما ساعدت مصر شعوب الأرض فى السبعة سنوات العجاف، هذه هى مصر وهذه هى طبيعة الشخصية المصرية فى استقبال واكرام الضيوف وتحقيق التكافل منذ فجر التاريخ فمصر كانت مسارا لرحلة العائلة المقدسة وكانت سكنا ومضيافة لآل البيت ولشعب الاندلس بعد سقوطها وشعوب العراق وسوريا وليبيا واليمن والكويت، وظهرت الشخصية المصرية بشكل واضح فى الملحمة الوطنية التى أبهرت العالم بتوفير الأموال المطلوبة لقناة السويس الجديدة، حيث تمكنت البنوك من جمع ما يقرب من 60 مليار جنيه من شهادات استثمار قناة السويس خلال فترة وجيزة، كما ظهرت مشاركة الشعب الإيجابية فى الانتخابات الرئاسية وتحدى جميع الأبواق التى كانت تعارض هذا الاتجاه، كما اثبت الشعب المصرى قدرته على تحمل المسئولية خلال حرب أكتوبر حيث تبرع المصريون للمجهود الحربى بما لديهم من ذهب ومجوهرات، كما خلت سجلات الشرطة أثناء الحرب من الجرائم الجنائية ولم تسجل حالة سرقة واحدة رغم أن أصحاب المحلات كانوا يتركون محلاتهم فى العراء دون حراسة فى أوقات الغارات، وعندما دعت وزارة الصحة المصريين وقت الحرب إلى التبرع بالدم، امتلأت المستشفيات ووحدات التبرع بالدم بملايين المواطنين حتى طالبتهم وزارة الصحة بالتوقف عن التبرع لأن جميع «ثلاجات» الدم فى مراكز التبرع امتلأت، كما تطوع طلاب الطب من كلية طب قصر العينى لعلاج الجرحى وتحولت الأندية الرياضية إلى مراكز إسعاف و مستشفيات لاستقبال الجرحى وإلى خلية لتدريب الفتيات على ضرب النار، وتم تجنيد كل الطبيبات والصيدليات العضوات للتواجد فى حالات الطوارئ، كما تم تدريب فرق الأندية للرماية ليكونوا رماة فى حالة قيام العدو بمحاولة إنزال جوي، فالشعب المصرى منذ قديم الأزل قادر على تحقيق فكرة التكافل الاجتماعى بين أفراده برؤية إنسانية واجتماعية ودينية، فمصر فى ظروف خاصة نتيجة التحديات الداخلية والخارجية تستدعى التكافل الاجتماعى بين أفراد الشعب والمسئولية المجتمعية للشركات والمؤسسات تجاه المواطنيين والسعى لتعجيل إخراج الزكاة لتحقيق منفعة للفقراء والمحتاجين، حيث افتت دار الافتاء بأنه يجوز إخراج الزكاة قبل تمام الحول؛ سواء كان إخراجها دفعةً واحدةً أو على دفعات خلال العام، بشرط أن يكون المال مستكملاً النِّصاب وقت وجوب إخراج الزكاة عند تمام الحول، وقالت دار الافتاء ان هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، فمصر تحتاج لشرفاء هذا الوطن وتحتاج لاستجماع الهمم من اجل عبور هذه المرحلة والتى تتطلب تضافر جهود الجميع لإدارة هذه الازمة، حفظ الله مصر.