بدأت بشائر الصيف والمصيف.. عطلة من الدراسة ومن كل شيء ولمدة ما يقرب من اربعة اشهر كاملة.. ولسان حال أولياء الأمور يقول.. خليهم يرتاحوا بقى ويفرفشوا بعد المذاكرة والسهر والدروس ووجع القلب.. وبعض الأولاد والبنات ما يصدقوا.. ويدخل الجميع فى غيبوبة من الفراغ.. لا شغلة ولا مشغلة.. ينقلب الليل الى نهار.. وتنكسر القيود وتنكمش الملابس وتكثر الأموال فى ايديهم.. ولا حديث الا عن الشلة والسهرات والمغامرات والمشاحنات وحوادث السيارات وعربات البَرِ والبحر بكل مسمياتها..
والأمور لا تسر أيضا بعيدا عن البحر والسواحل.. فى كل مكان فى القرى أو الحضر ..نجد تجمعات من بناتنا وأولادنا فى الشوارع والمقاهى والكافيهات والأسواق.. يفعلون لا شيء وكل شيء.. أكل وشرب وشيشة وسجائر.. كرنفال مزعج وغير هادف.. عرض أزياء وحوارات صاخبة وموبايلات فى كل الأيادي.. وضحكات هستيرية ولامانع من بعض التجاوزات والمشاحنات..
ماذا نتوقع أيها السادة من مراهقين وشباب وقد وجدوا انفسهم فى فراغ تام.. وغياب لكل ما يمكن أن يشغلهم أو يوفر لهم فرصة استغلال طاقاتهم وقدراتهم ومواهبهم فيما يعود بالنفع عليهم.. على صحتهم وعلى سلامتهم وعلى ثقتهم بالنفس أو تحسين صورتهم الذاتية.. مما يدفعهم الى الشعور بالتميز وينمى فيهم حب العطاء وحب الخير والغير.. أسمع تماما من يتضاحك ويستهين بهذا الكلام على أنه إنشاء وكلام شعارات وفلسفة فاضية وغير منطقية.. لا والله.. كل كملة مما قيل.. لها معناها ومغزاها ولها فائدتها.. وكل ما قيل يحدث فى مجتمعات كثيرة حول العالم.. الشباب هناك تتاح له العديد من الفرص والكثير من المنافذ والمؤسسات الداعمة لاستغلال طاقات الشباب فيما يفيد الفرد والمجتمع.. ويحمى الشباب من تبعات الفراغ وضياع الهدف.. هناك من يستمر فى دراسته دون انقطاع للحد من سنوات الدراسة والتخرج السريع.. وهناك من يعمل من أجل أن يوفر تكاليف دراسته الجامعية الباهظة الثمن.. والمنظمات والمؤسسات تتيح للشباب الأنشطة المتعددة لخدمة المجتمع وهو الأمر الذى يعود بفوائد لاحصر لها للمجتمعات وللشباب تربى فيهم الثقة فى النفس وتحسين الصورة الذاتية وممارسة العمل الجماعى واكتساب المهارات الحياتية وحمايتهم من الانحراف فى ممارسات غير سوية.
نحن نتكلم هنا عن 25 مليون فتى وفتاة فى مصر.. عدد مهول.. لديهم مستودعات هائلة من الطاقة الإيجابية.. تهدر دون فائدة.. بل قد تنقلب الى ما يمكن ان يشكل ضرراً وخطورة على الفرد والمجتمع.. أربعة أشهر كاملة من لا شيء.. إسألوهم هل أنتم راضون عن هذا الفراغ الممل.. أم تريدون الإنشغال والانتماء والانجاز والرقى فى الفكر والاعتزاز بالنفس.. أنا لا أتكلم هنا عن معسكرات أو وعظ وإرشاد وخطب جوفاء.. أنا أتكلم عن جعل الشباب أنفسهم القيام بما يمكن أن يوفر لهم المرح والاستمتاع والفرفشة بأى شكل حضارى ملتزم.. مسابقات رياضية.. تجمعات شبابية هادفة فى القرى والمنتجعات الساحلية الشريرة أو الطيبة.. رحلات.. لقاءات ثقافية.. عرض ابداعات الشباب أنفسهم فى حفلات راقية..
الأفكار كثيرة.. ولو سألتم الشباب أنفسهم.. لقالوا الكثير والكثير.. فهم جيل مبدع وطاقة هائلة وقدرات متجددة.. المهم مين يعمل هذا ومين يتولى هذا الأمر؟