!منذ وصول نابليون للإسكندرية ونحن نسأل كيف نلحق بالغرب؟–
–الجهد الفردي في العمل الثقافي لن يصل بنا إلى شيء
لا يكتفى الشاعر والروائى صبحى موسى بإنتاجه الإبداعى وتنقله بين الشعر والسرد ولكنه طوال الوقت يعبر عن انشغاله بالهم الثقافى العام بصورة أو أخرى عكس كثيرين لا يعنيهم سوى ترويج منتجهم وصعود أسمائهم وحتى ولو فى مشهد متراجع، كتب صبحى موسى كثيرا مشيرا ومنبها وشارحا ومعلقا على أزمات الثقافة المصرية واحتياجاتها حالما بمشهد ثقافى يليق بمصر، وما يعطى مصداقية لأفكاره وأطروحاته أنه ابن المؤسسة الثقافية الرسمية و» أهل مكة أدرى بشعابها» فقد تولى مدير عام النشر بهيئة قصور الثقافة فضلا عن مواقع أخرى منها رئاسة تحرير مجلة «الثقافة الجديدة» مع انخراطه فى الوسط الثقافى منذ وقت طويل وتفاعله الحى وإصداراته الأدبية المتنوعة والتى حاز بعضها جوائز رفيعة ومنها: أساطير رجل الثلاثاء، الموريسكى الأخير ، وغيرها ومؤخرا قدم أطروحات غاية فى الأهمية لو التفتت لها الوزارة والمؤسسة الثقافية الرسمية لن تخسر شيئا بل ربما تستفيد كثيرا من أطروحاته ومنها كتاباه تحولات الثقافة فى مصر وأزمة الثقافة وفى حوارنا معه على هامش كتابه الأخير يطرح موسى تصوراته عن المرحلة القادمة ويقدم حلولا ومقترحات من شأنها دفع الثقافة المصرية للأمام – كما يري- فى حال تنفيذها
> دعنا نبدأ من كتابيك الأخيرين «تحولات الثقافة» «وأزمة التنوير العربى» فما سر سعيك الدائم لتقديم مقترحات فى هذا الشأن؟
>> كان الهدف من الكتابين هو أن نفهم كيف نستثمر إمكانياتنا الثقافية وميراثنا ونعرف أننا لا نخترع العجلة وفيهما حاولت التأكيد عبر تتبع سير الدولة على مدار عقود فى وضع تصور للثقافة تطبقه الوزارات بإمكانياتها أننا جربنا كثيرا من السيناريوهات وعرضت نتائجها واقترحت حلولا وتصورات اعتقد أننا إذا أقدمنا عليها سنحقق نتائج طيبة فى هذا السياق، فدائما وأبدا وفى كل البلدان تقود الدولة الفعل الثقافى فليس هناك ثقافة يصنعها الشارع والجماهير هكذا بذاتها دون وعى وتدخل وحماية من الدولة وطول عمر مصر تفعل ذلك وعليها أن تواصل بوعي.

> وما العقبة التى تعتقد أنها تقف أمام حالة التنوير التى تتمناها؟
>> منذ وضع نابليون بونابرت مدافعه فى مواجهة الأسكندرية ونحن نسأل كيف ننهض ونلحق بالغرب؟! وقد تبنى محمد على اللحاق به عن طريق مسار البعثات التعليمية إلى أوربا وتعلم الصناعة والحرف وغيرها ومن هنا نشأ ما يعرف بآباء التنوير ومنهم: محمد عبده، رفاعة الطهطاوى والمسار الآخر تيار الرجوع للخلف واستنهاض التراث وله زعماؤه وللأسف منذ ذلك التاريخ البعيد والنهضة الثقافية ورحلتنا نحو التنوير حائرة ومحصورة بين المسارين. والحل الوحيد تفعيل آليات العقل ووضع التفكير الدينى فى مساحته ..وقد سجلت فى كتابى « تحولات الثقافة فى مصر» وأوضحت أن الجهد التنويرى الفردى لن يفضى إلى شيء ولابد من وضع خطة سؤالها « إلى أين نريد أن نذهب؟
> لكن البعض يرى أننا لابد أن نصبح نسخة من الغرب كى نصل لما وصل إليه فهل تتفق مع هذا؟
>> الغرب نعم جاء بالتتدوير والمطابع والعلوم الحديثة لكنه أثبت مرارا أنه يريد التنوير لذاته ولشعوبه أما نحن فيفضل لنا التطرف والإرهاب والتخلف والصراع ليظل مهيمنا على مقدراتنا وعلى شعوبنا أن تفصل وتميز بين الأمور فى النظر أو التعامل مع الحضارة الغربية

> وهل تعتقد أن هناك فى المشهد أو فى مصر الآن عقولا قادرة مؤهلة لحمل لواء النهضة والسير بالبلاد وبثقافتها نحو الهدف المنشود؟
>> يجب ألا نسأل السؤال بهذه الصيغة إذ إنك هنا تبحث عن التميز والعقول والجهود الفردية وهذه لا شك موجودة لكن لاتزال جهودها فردية لا تصلح لصناعة نهضة ثقافية شاملة.. أما المطلوب لصناعة النهضة وبناء عقل شعب كامل فهذا يأتى من تضافر جهود مؤسسات وكيانات ووزارات مجتمعة وبالتنسيق الواعى ووفق رؤية متكاملة لا كجزر منعزلة حتى لو إحدى هذه الوزارات تعمل بشكل رائع منفردة..
> وما هى الجهة أو اللجنة المعنية فى نظرك بوضع خطة لذلك ؟
>> اقترحت فى كتابى « تحولات الثقافة» تأسيس مجلس أعلى للثقافة بتشكيل خاص مختلف عما هو عليه المجلس القائم، ويتكون المجلس الذى أقترحه من أعضاء من وزارتى التعليم والثقافة ومن الأزهر والكنيسة فضلا عن الشخصيات المؤثرة التى ستضاف له وتسمى « المجموعة الثقافية» ويتكون منها مجلس وتقترح هذه المجموعة التصور الذى تريد البلاد أن تسير فيه والهدف وعليها أيضا متابعة تنفيذه.

> وما هى الخطة فى نظرك أو الأسئلة الكبرى التى عليها إيجاد إجابة لها؟
>> أولا كيف سنتعامل مع الانفتاح التكنولوجى والثقافى و ثورة الاتصالات وطوفان السوشيال ميديا وكيف سنواجهه؟! ثانيا: التعليم الآن وما يواجهه من أزمات وتحديات كيف سأحمى الأجيال من خلاله، والتوصيات التى يخرج بها هذا المجلس تقدم لرئيس الوزراء للعمل على تنفيذها وخلال 10 سنوات ستجد أثر ذلك على الثقافة المصرية جليا.
> وكيف تنظر لفكرة الانتفاع من الثقافة أو دخول البعد الاقتصادى فيها؟
>> أنا لست مع هذه الفكرة، ويجب ألا نفكر فى هذا الأمر نهائيا الآن، فالفعل الثقافى يتطلب أن تحافظ على مساحات من الوعى قد يكتسبها الآخر بالشراء وبقوة المال إذا فتحت هذا الباب وسمحت بالانتفاع من الثقافة والتكسب من أدواتها ومواقعها ومن ثم يتراجع حجم تأثيرك وحضورك، لكن ممكن ومقبول أن تنتفع من الثقافة اقتصاديا فى مرحلة لاحقة بعد أن تكون قد حققت أهدافك وحصدت ثمارك.
> كيف ترى مسألة خلو الوزارة من الكوادر الثقافية وهى المقولة التى يرددها المسئولون دائما واعترف بها أكثر من وزير ثقافة؟
>> لست مقتنعا بقصة» مفيش كوادر» فى وزارة الثقافة التى يرددها المسئولون دائما لأن جزء من دورى أصلا أن أجهز وأصنع هذه الكوادر، وللعلم كثير منهم « قاعد فى البيت» فقط نحتاج من يستنهضهم ويعيد اكتشافهم.
> كيف رأيت فعاليات وضيوف معرض القاهرة للكتاب هذا العام ؟
>> المعرض عرس ثقافى لا شك ، ورسالته واضحة للجميع أن مصر ما زالت بلد الكاتب والكتاب، لكن نحتاج لأن تلتحم الفعاليات بالجماهير فكثير منها لا يدرى شيئا عن الندوات واللقاءات والأمسيات التى تدور وتحدث بحضور ضعيف» فوق» فى القاعات البعيدة عن الجماهيـر، أين الترويج الكافى مثلا وقبل اللقاءات بفترة كافية ليعرف الجمهور عنوان اللقاء وضيوفه ويستعد لها.
> وكيف يمكن فى نظرك التعامل مع قصور الثقافة وبيوتها ومواقعها فى ربوع مصر؟
>> جهاز قصور الثقافة أنتج فى الستينات وكان دوره ينقل الثقافة من المركز القاهرة للهامش حيث الريف والصعيد وكان هذا مناسبا لطبيعة الزمن أما فى عصر انفتاح التواصل وعالم الغرفة الواحدة فكثيرا من هذه الأهداف لم يعد مقبولا، والدعم يجب أن يكون بشكل آخر كأن أدعم المواهب والأنشطة والمسرحيات والأعمال الإبداعية بطريقة أخرى حسب احتياج الناس هناك
> وكيف تنظر لما تردد عن تعريب بعض العلوم ومنها الطب وغيره؟
>> هذا كلامحوله جدل كبير وأعتقد أنه عبثى ولا قيمة له ولا يخدم إلا التيارات الدينية وتغيب الوعي، فالطبيب الذى يدرس الطب كيف سيتواصل مع الجامعات الخارجية وكيف سيقدم أبحاثه ودراساته للأساتذة فى الخارج ويشارك فى المؤتمرات ..هل يكتب لهم بالعربي؟ مثلا ثم مسألة الكتاتيب تعود بنا للقرون الوسطى ومن يرد التخصص فى الدين فليفعل بعد أن يجيد العلوم الحديثة وينتهى منها.
> كتبت الشعر والسرد فهل تعتقد أن الشعر فعلا فى أزمة؟
>> كل الفنون فى أزمة وليس الشعر فى فقط، وعودة الصورة والمشاهدة والاستماع للمرئيات وأشكال العرض المختلفة أعادنا للشفاهية مجددا وهذا جعل كل الفنون فى أزمة كبيرة أضف لذك خلو الفكر الإنسانى الحالى من الفلسفة وأفكارها فالبشر يعيشون فى بقاع الأرض بلا حكمة ما أو تفكير فلسفى يبحث عن طريق أو غاية أو هدف وسيطر الاستهلاك بلا هدف على الجميع.. فى مقابل سطوة كبيرة للأصولية والأزمة الإبداعية هنا كيف نبدع فى ظل غياب الأفكار ومعظم الكتابات استهلاكية وضعيفة القيمة وتكرار ممل لما سبق كتابته.. وليس هناك إبداع حقيقى أو جديد.