يعد الشاعر رفيق الرضي أحد أبرز الأصوات الشعرية اليمنية وهو شاعر يحمل في قلبه هموم الإنسان العربي بصدق ويتجلى ذلك في إبداعاته وشواغله كما أنه أحد عشاق مصر وتاريخها وثقافتها على مر العصور، صدر للرضي عدة دواوين شعرية تنوعت ما بين الشعر الفصيح، والقصيدة الحديثة، والقصيدة الغنائية، أولها (شواطئ الذكريات)، ثم (ما بعد الغروب)، فديوان (راعي الذُّود) من ثلاثة أجزاء، وديوان (ظِلٌ وروح)، وله ديوان قيد الطباعة بعنوان (عن سمائي لم تغب) جمع بين قصائد غنائية فصحى وأخرى نبطية، وينتظر توقيعه ضمن أنشطة معرض القاهرة للكتاب 2025
- حدثنا عن إنتاجك الذي يتميز بالتنوع والثراء؟
صدرت لي عدة دواوين شعري كما تعرف كما صدر لي كتاب عن الإيجابية، تضمن أفكاري ورؤيتي للحياة والتفاعل مع المجتمع، وعن كيفية مواجهة التحديات اليومية، والكتاب موجه بشكل خاص للنشء وأعمل حاليا على مشروع يوثق للأغنية اليمنية قديما وحديثا، ويعتبر كتابي (التراث الموسيقي اليمني) خارطة طريق لهذا المشروع الذي يهدف إلى توثيق الأغنية اليمنية بالصوت، والفيديو والكلمة، وقدم للكتاب الدكتور والباحث في الشأن الموسيقي اليمني نزار غانم، وصدر عن دار عناوين للنشر.
- تتسم كتاباتك بنوع من الصدق الفني والشعوري فكيف ترى ذلك في ظل مقولة” أجمل الشعر أكذبه” وماذا يعني لك الصدق الشعوري في القصيدة؟
- أرى الصدق الفضيلة الأسمى، فبها يكون الإنسان إنسانا حقيقا، وبها يكون الرجل وفيا لمجتمعه. بالصدق تكون القصيدة صادقة وواقعية، الصدق يمنحني الرضا بما أنا عليه الآن وبما كنت عليه بالأمس، يمنحني الصفاء النفسي والذهني والشعور بالامتنان. في لقاءاتي أطلب عدم معرفة الأسئلة، وفي تعاملي مع الآخرين أكون أنا، لا أبحث عن كلمات أو تعابير في حديثي مع الآخر. أشعر بالسعادة اللامتناهية وأنا أسهم في رسم السعادة في وجوه من حولي، اتعامل مع شخصي بتقدير كبير، ولا أنتظر كلمات الشكر ممن حولي، وإن سمعتها اشعر بالامتنان لمن قالها. يهمني أن أكون قدوة من خلال الصدق في القول المقرون بالسلوكيات، ثم أن احتفظ بتقدير واحترام الآخرين من خلال مبادلتهم التقدير والاحترام، وأخيرا يهمني أن أصنع تغيير حقيقي فيمن حولي، ويكفي إن تمكنت من إقناع البعض منهم. أشعر بالألم إذا عرفت أنني تسببت في معاناة أحد بكلمة، لأني دائما أضع نفسي في قفص الاتهام، وأرى أنني المخطئ، حتى لو لم تكن الحقيقة كذلك.
(التراث الموسيقى)
- وما سر اختيارك موضوع التراث الموسيقي اليمني للعمل عليه وإنجازه؟
بحكم كتابتي للقصيدة الغنائية، فإن كتاب (التراث الموسيقي اليمني)، فتح لي بابا لدراسة القصيدة الغنائية اليمنية ومعرفة الكثير من جمالياتها وكنوزها. تضمن الكتاب الحديث عن رواد الأغنية اليمنية ومشاهيرها ممن وردوا في كتاب الباحث محمد مرشد ناجي، ثم الجيل الحالي من المطربين والمطربات اليمنيين، إضافة إلى تخصيص فصل للحديث عن الأصوات النسائية اليمنية. وهدف الكتاب إلى توثيق الأغنية اليمنية، وتسليط الضوء على الجانب الآخر والمشرق من تاريخ اليمن الحضاري، بعيدا عن الحروب وتبعاتها.
تناول الكتاب أيضا الأزمة التي شهدها اليمن في عصور مختلفة ومنها تحريم الغناء في اليمن، وخاصة في مرحلة ما بعد الاحتلال التركي لليمني، والذي استمر حتى 1954م ليتم تسجيل أول أغنية يمنية للإذاعة. ومن المؤسف في الوقت الراهن ونتيجة لما وصلت إليه الأوضاع اليمنية، تعالي أصوات التطرف التي تنادي بتحريم الغناء في اليمن، بعد أن كادت تختفي، ومؤخرا تعرض عدد من المطربين والمطربات إلى مضايقات بالغة. كما تناول الكتاب سيرة فنانات تحدين المجتمع المحافظ والعادات والتقاليد التي تقيد من حرية المرأة، أمثال الفنانة نبات أحمد وغيرها ممن كان لهن حضور في المشهد الفني اليمني في سبعينيات القرن الماضي، وتحدين القيود المقيدة للحرية والإبداع بحجة الدين مرة والعادات والتقاليد مرة ثانية، وحفظن التراث الغنائي اليمني، لينتقل من خلالنا إلى الأجيال القادمة. ولأهمية رسالتنا، فقد أشرت في الكتاب إلى معاناة الرجل اليمني أيضا من ممارسات لا علاقة لها بالدين أيضا، فقد رفض زواج الشاعر اليمني الكبير جابر رزق المولود في قرية القابل بصنعاء عام 1842م، من إحدى الفتيات كونه ينتمي إلى فئة اجتماعية أدنى في التصنيف الاجتماعي البائس.
- * تكرر دائما حديثك عن دور مصر الريادي والتاريخي الداعم لليمن فما سر هذا الامتنان الذي لا ينقطع؟
لا شك أنه لولا دماء الشهداء المصريين في اليمن لظلت اليمن في العصور الوسطى، بما حملته تلك الفترة من انتشار الجهل، والأمية، الفقر، والمرض. كان لمصر وجيشها الدور البالغ الأهمية في انتشار التعليم بين أوساط الطبقات الاجتماعية المختلفة، حيث لم يعد التعليم حكرا على طبقة اجتماعية دون أخرى، وأصبحت وظائف الدولة متاحة أمام أبناء الشعب اليمني، وتم افتتاح المدارس والمستشفيات في مختلف قرى اليمن، بعد أن كان عددها محدودا والقبول فيها لطبقة اجتماعية معينة. وأجزم أنني لم أكن لأحظى بفرصة التعليم لولا دور جمهورية مصر العربية في اليمن، حيث تم افتتاح أول مدرسة في قريتنا الواقعة في جبال مديرية عتمة بمحافظة ذمار، في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وتم شق أول طريق ترابي في الثمانيات أيضا ليربط قريتنا ببقية مدن اليمن.
– كتابي “التراث الموسيقي اليمني” يوثق للأغنية اليمنية
وكيف ترى دور مصر وأثرها على المستوى الأدبي والثقافي ؟*
لم يقتصر دور مصر على النهضة التي شهدتها اليمن في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن التأثير امتد إلى كافة المجالات بما فيها المجال الأدبي والفني، فكانت المناهج المصرية تدرس في المدارس اليمنية، وتم ابتعاث آلاف الطلبة اليمنيين للدراسة في جامعات مصر، وفي نفس الوقت كان هناك آلاف المدرسين المصريين في مختلف مدن وقرى اليمن، بما أسهم في تعزيز الروابط الثقافية اليمنية المصرية. هذا في شمال اليمن، أما في جنوب اليمن، فكان لمصر الدور التاريخي الكبير في دعم حركة التحرر ضد الاستعمار الأجنبي حتى خروج المحتل من جنوب اليمن. ودفعت مصر في سبيل كل هذا أثمان من دماء أبناءها واقتصادها، في سبيل نهضة اليمن الأرض والإنسان. وفي خضم الأحداث الأخيرة وعدم الاستقرار في اليمني، افسحت مصر بشعبها مكانا لليمني الذي وجد الاستقرار والأمن ولم يشعر أنه بعيد عن وطنه، بل وأرسل أولاده وبناته إلى المدارس المصرية، وهذا يعزز بلا شك الترابط الثقافي والاجتماعي.
(ثقافة مصر)
• وكيف تأثرت كشاعر ا بمصر ومثقفيها وشعراءها؟*
في فترة الدراسة الابتدائية ثم الثانوية، لم يفتني كغيري من اليمنيين متابعة غالبية وتقريبا كافة الأعمال الفنية المصرية من أفلام، مسلسلات ومسرحيات، ما اكسب اليمني ثقافة واسعة وكبيرة، لا أعنى من حيث اللغة فقط، بل من حيث العادات والسلوكيات، حيث كونت مصر بثقافتها جسرا ثقافيا تداخل وامتزج بالثقافة اليمنية. إضافة كما ذكرت إلى الطلبة الذين درسوا واستقروا في مصر، ويحضرني الحديث عن الروائي اليمني الكبير علي أحمد باكثير الذي وجد في مصر وطنه الكبير والرحب، وغيره من الكتاب اليمنيين. كما تأثر ونقل عدد من الفنانين اليمنية الأغنية والألحان المصرية إلى الأغنية اليمنية، فكان الفنان أحمد بن أحمد قاسم مدرسة فنية وشاهد على مدى تأثر الفنان والمثقف اليمني بمصر وثقافتها. ولذا كانت القصيدة المصرية ولازالت رافدا هاما للشعراء اليمنيين، ومنبع خصب للنهل منه، فحفظ اليمني أغاني عبدالحليم حافظ وتأثر بأغاني كوكب الشرق أم كلثوم وتغنى بأغاني نجاة، ولا زال التأثير الثقافي المصري حاضرا في المشهد الثقافي المصري. ومن أعذب القصائد التي أعشقها قصيدة (لا تكذبي) للشاعر كمال الشناوي، لما فيها من صدق شعوري يتجاوز الموقف ليرسم حالة تجلي شاعرية خالدة.
- قصيدة “موت الضمير” من نماذج الشعر الحديث الذي تكتبه فكيف ترى التحديث في القصيدة وبمن تأثرت من المحدثين؟
تأثرت بكتابات الدكتور عبدالعزيز المقالح في جانب الشعر الحديث، بينما تأثرت بشعراء، والقصيدة الحديثة تمثل بالنسبة لي إعادة رسم لوحة فنية قديمة بأدوات وألوان اليوم. أكتب القصيدة التي تتحدث عني لحظتها، ومن قصائدي التي تتساءل عن غياب الإنسانية وموت الضمير،
قصيدة (موتُ الضمير).
(لماذا لم أعُد إنسان
ومات بداخلي الإنسان؟
أمِن قلقي على نفسي؟
وأني لم أعد نفسي
وأني أشبهُ الإنسان
أمِن ولهي على أُمي؟
وممن أهدروا دمِّي
من الخِلان؟
أمِن خوفي على الأصحاب؟
أم خوفي من الأشياء والنسيان؟
وهل خوفي من الإنسان؟
ولدتُ ولم أكُن طفلاً
ولا أدري لماذا الآن؟
لماذا ضاق بي وطني
وجف الزرع والأغصان؟
ألا يكفي بما عِشناه؟
من الآمالِ والأوهامِ
والطاعاتِ والعصيان
وَكيف أعودُ للأرضِ التي جدبت؟
وأخشى الموت ظمآناً
وبردُ الليلِ والطوفان
وكيف أعودُ للإنسان
وكُنت الأمس غير اليومِ
لا خوفٌ يُلاحقني
ولا مالٌ ولا أوطان
وبعضُ النَّاس مشغولون
دون الدينِ بالأديان
وما للهِ والسلطان!
تقولوا كيف؟
وجدت الأمن في الظُلماتِ في أحيان
وأحياناً صديقي ذاك خالفني
ففي سجني أمنتُ النَّاس
حتى خافني السجناءُ والسجان
فلولا أنت يا هذا
لما عادت لي الأحزان
ولولا أنت يا هذا
لما بات التداوي بالخُرافةِ
يُشبهُ الإيمان
وأين الله؟
أليس الله في التوراةِ والإنجيلِ والقرآن؟
أليس العدلُ اسم الله؟
فأين العدل والإيمان؟
لماذا الله أوجدنا؟
وكرّمنا بنو الإنسان؟
أليس الدينُ بالأخلاق؟
فأين العفو والإحسان؟
وما المقصودُ بالشيطان؟
وأين وأين؟ قولي لي
ضميري حي؟ لا أدري
فلا إحساسُ يدعوني إلى الطُغيان
فهل أدعو ضميراً حي
وهل موتُ الضميرِ لراحةِ الإنسان؟
أجيبوني بحقِ الله
إذا كان الجوابُ “نعم”)”
سألت الله يُلهمكُم جميل الصبر والسلوان
في الإنسان
وأن يمنُن على الأحياءِ
بعد الموتِ بالغُفران”