أجهزتنا المعنية قد رصدت آلاف الشائعات خلال السنوات الأخيرة، ولم يكن فزعى بسبب كثرة الإشاعات وتنوعها بقدر ما كان بسبب انتشارها فى مجتمعنا الذي تسوده الأخلاق والقيم والمبادئ، فالإسلام والمسيحية على السواء يحرمان الشائعات ويؤثمان مروجيها، فهى نوع من الكذب المنكر شرعًا والمذموم عرفًا، بل هى أخطر أنواع الكذب على الإطلاق لما تهدف إليه من إثارة البلبلة وإحداث الفتن بين الناس، ولم يقف الإسلام عند تحريم الكذب، بل حذرنا من تلقف الأخبار وترديدها دون تحرى صدقها، يقول الله تعالى: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ« . وترويج الإشاعات يعد خيانة للدين والوطن، وقد قال الله تعالى: »إِنَّ اللّه لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ»، وهو نوع من ظلم الغير، والله تعالى يقول: «وَاللّه لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»، كما أنه صورة من صور الإفساد فى الأرض، وقد حذرنا ربنا عز وجل من ذلك، يقول تعالى:»»إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم منْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْاخِرَةِ عذَابٌ عَظِيمٌ»«. وهناك العديد من أنواع الشائعات تستهدف الوطن فمنها الشائعة الذكية: وهى التى تعتمد على تقديم القليل من السم في كثير من العسل، بحيث لا ينتبه الطرف المستهدف ويتجرع السم ويذعن للشائعة التي تم استهدافه بها. والشائعة العامة: وهى تكون موجهة نحو عامة الجماهير بمختلف طبقاتهم العلمية والاجتماعية، وتُصاغ بطريقة يتم تصديقها من قبل أغلب الناس. والشائعة الساذجة: وهو نوع يتسم بالغباء والحمق في ظاهره، ويصاغ بهذه الطريقة عن قصد أو غير قصد، فالشائعة الساذجة لا يمكن التنبؤ بعواقبها، فربما تحدث رد فعل عكسي لما أُريد منها، فقد ت جابه بالرفض التام من قبل الناس، أو يتم تصديقها وتحظى بانتشار منقطع النظير، بل وتصبح حقيقة لا تقبل النقاش عند العامة إذا وجدت الأسباب المواتية لذلك.
والمؤسف والمؤلم فى هذا السياق أن بعض مروجى الإشاعات فى وطننا قد ينتمون إلى جماعات ترفع راية الإسلام وتتسمى باسمه لأهداف سياسية، وكم من أخبار تبين كذبها وعدم ارتباطها بالواقع كان مصدرها قنوات أو صحف أو مواقع إلكترونية مغرضة، فضلًا عن مواقع التواصل الاجتماعى التى تنتشر فيها الأخبار الكاذبة كالنار فى الهشيم ويعد هذا السلوك من أبشع صور الإجرام واستغلال الدين والبعد عن تعاليمه الراقية، وهؤلاء الكاذبون المخادعون يفسدون فى الأرض بسعيهم للإضرار بالمجتمع ومؤسساته من خلال إطلاقهم الإشاعات والترويج لها، ومن الإشاعات التى تجر وبالًا على المجتمع ما يتضمن مثلًا إشاعة أن الدولة تنوى زيادة سعر سلعة تموينية معينة، فيقوم الناس بشراء كميات كبيرة منها – قد لا يحتاجون إليها – لتخزينها قبل تطبيق الأسعار الجديدة التى حملتها الإشاعة، وهو ما يترتب عليه نقص شديد فى المعروض بالأسواق من هذه السلعة، ويتبع ذلك ارتفاع كبير فى سعرها. والحقيقة المؤكدة أن انتشار الأخبار الكاذبة يؤدى إلى إنهاك اقتصاد الدولة عن طريق زعزعة الأسواق وإضعاف الإنتاج وتراجع العمل الجماعي وفي بعض الحالات قد يختار الناس سحب أموالهم من البنوك في حالة من الذعر الجماعي مما يؤدي إلى خسائر فادحة والتي تنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني، وقد تسبب الشائعة خفض نسب الاستثمار والسياحة . وتعتبر الشائعات من أخطر التحديات التي تواجه الدولة في العصر الحديث، خاصة في ظل التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ يمكن أن تنتشر الشائعات بسرعة البرق، مما يؤثر سلبًا على استقرار المجتمع وثقة المواطنين في مؤسسات الدولة . إن تأثير الشائعات لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، بل يمتد ليشمل الأمن القومي أيضًا، فالشائعات التي تشير إلى عدم الاستقرار أو الفساد يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي، مما يُعطي الفرصة للجهات المعادية لاستغلال هذه المشاعر لتحقيق أهدافها. إن مواجهة الشائعات يتطلب تخطيطًا إستراتيجيًا من قبل الدولة، ينبغي أن تشمل الإستراتيجيات تنظيم محاضرات وورش عمل في الجامعات والمدارس لتعزيز الوعي الإعلامي وتعليم الشباب كيفية التحقق من المعلومات. كما يجب أن يكون هناك برامج توعوية تستهدف المجتمع بشكل عام. ويجب أن تأتي الردود على الشائعات بشكل قوي وحازم، يُحبط الجهود الرامية إلى نشر الشائعات، ويعزز من مصداقية الدولة في عيون الشعب.كما أن مواجهة الشائعات تتطلب تعاونًا بين الجهات الرسمية ووسائل الإعلام والمجتمع من خلال تعزيز الشفافية، وزيادة الوعي، وتقديم الردود الفعالة، التى تمكن الدولة من حماية نفسها من تأثير الشائعات وتعزز من ثقة المواطنين في مؤسساتها. كما أن مواجهة الشائعات تتطلب وجود إعلام قوي ومستنير، يتمتع بالقدرة على تقديم الحقائق والمعلومات الموثوقة، ولا شك أن غياب الرد المناسب يمكن أن يؤدي إلى تفشي الشائعات وزيادة تأثيرها السلبي على المجتمع خاصة فى ضوء غياب الوعى لدى المواطن.وليدرك الجميع أن الإشاعات تجد بيئتها الخصبة فى المجتمعات التى تفتقد الوعى ويسودها الجهل وتنتشر فيها البطالة، ولأن الإشاعات أشد خطرًا على المجتمع من حرب الإرهاب ومواجهة الأعداء، فإنه يجب على المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والفنية أن تتضافر جهودها لتهذيب النفوس وغرس القيم والمبادئ الأخلاقية السوية، وتهيئة المجتمع وتوعيته بخطر الإشاعات وتفنيدها وبيان خطورة الانجراف وراءها . وختاما فإن المرحلة الراهنة تحتاج منا جميعا الاصطفاف خلف الوطن ومؤسساته وقيادته السياسية لمواجهة كافة التحديات والأزمات التى تستهدف النيل من مقدرات الدولة المصرية العظيمة التى دائما نفتخر بالانتماء إليها.. حفظ الله مصر.. وحما شعبها العظيم وقائدها الحكيم