تتفرد التقنية الرقمية بعدة مزايا فى خضم حيواتنا العلمية والعملية والاجتماعية؛ فمن خلالها بات العالم فى بوتقة التقارب والتعارف والتشارك إذا ما شملها فلسفة الاهتمام وعنى بها ماهية تبادل الأفكار والخبرات فى مجالاتها المتعددة؛ فقد أضحى هناك يسر وسهولة وبساطة فى التوظيف والاستخدام والتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعى ومن خلال صفحات الانترنت العامة والمتخصصة رغم تباين الثقافات واللغات؛ فلم تصبح حجر عثرة فى ضوء خصائص التقنية، وفى المقابل أضحت مؤشرًا لأخطارٍ قد تصيب المجتمع وأفراده بالعديد من المشكلات وفى مقدمتها الوعى المُشَّوَه أو المزيف ومن ثم تؤثر بصورة مباشرة على استقراره وتماسكه ونسقه القيمي.
ولا نبالغ إذا ما قلنا إن أخطر سلبيات التقنية الرقمية يتمثل صراحة فى سهولة انتشار الشائعات فى شتى مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والصحية والتعليمية والبيئية؛ إذ تحمل الشائعة الرقمية الأخبار المكذوبة، أو المفبركة، أو المضاف إليها، أو المحذوف منها؛ بغرض إثارة البلبلة والتشكيك وإضعاف الثقة بين طرفين مستهدفين أو أكثر، وقد يصل الأمر لإحداث فتنٍ بتنوعاتها أو صراعاتٍ لا حدود لها على المستوى الفردى والجماعي، وبالطبع انتشار الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعى أصبح سريع الانتشار فى أزمنةٍ قصيرةٍ للغاية.
وما يُفْطِرُ الفؤاد أن بعضًا من الشباب صار له دور فاعل فى نشر الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث يتداولون المعلومات بصورة غير صحيحة، أو يطلعون على أخبار يجترون منها جزءًا منقوصًا يسهم فى بث الفتن ويدعوا إلى الفرقة، أو يتسبب فى إحداث زعزعة السِلم والأمن داخل المجتمع، وقد يرجع ذلك لوعيٍ غير صحيحٍ؛ لخطورة الشائعة الرقمية وما تحمله من المعلومات غير الصحيحة بما يؤثر حتمًا على الاستقرار المجتمعي، ولا شك من غياب الوازع القيمى الذى يحث الفرد للالتزام بصحيح السلوك فى ضوء ما تقره العقيدة السمحة؛ فمن المعلوم أن العقائد السماوية جميعها تجرم الكذب والافتراء فى القول وتنبذه، وتحث على الصدق وأمانة الكلمة.
إن مخاطر الشائعات الرقمية لا تتوقف عند حدٍ معينٍ؛ إذ إنها تؤثر بشكلٍ مباشرٍ على الروح المعنوية للفرد والمجتمع، وتستشعر أثرها القيادة السياسية، كما قد يؤدى هذا الأثر إلى إضعاف المعنويات لدى العاملين بمؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية؛ لذا يمكن القول بأن للشائعة الرقمية تأثير نفسى عميق يوازى ما قد تحدثه الحروب فى النفوس، كونها تستهدف هدم وانهيار المؤسسات الوطنية بالدولة والعمل المتواصل على تعطيل أو إضعاف إنتاجيتها نتيجةً لنشر الطاقة السلبية بين الأفراد والمجتمعات والتجمعات.
وللحديث بقية