القاهرة نموذجا
متفردا للدبلوماسية الإقليمية
فى خطوة تعكس الدور المحورى الذى تلعبه مصر على الساحة الإقليمية والدولية، نجحت الجهود المصرية مؤخرًا فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، مما أسهم فى تهدئة الأوضاع المشتعلة وإنقاذ الأرواح وسط تصاعد التوترات فى القطاع.. لتأتى هذه المبادرة لتؤكد من جديد المكانة الرائدة التى تحتلها مصر كركيزة أساسية لتحقيق الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.
تاريخيًا، لعبت مصر دورًا محوريًا فى التوسط لحل النزاعات بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، وقد اكتسبت سمعتها كوسيط موثوق نظرًا لحيادها السياسى وخبرتها الدبلوماسية العميقة، فمنذ عقود تُعد مصر ركيزة أساسية فى دعم القضية الفلسطينية، سواء عبر جهودها لإعادة إعمار غزة أو من خلال استضافة جلسات الحوار بين الفصائل الفلسطينية، بما يعكس تفانيها فى تحقيق السلام الشامل والعادل.
فى الأزمة الأخيرة، قدمت القاهرة نموذجًا متفردًا للدبلوماسية الإقليمية، حيث سخّرت علاقاتها الدولية والإقليمية للتواصل مع جميع الأطراف، فمن خلال مباحثات مكثفة ومستمرة تمكنت مصر من التوسط بين الجانب الإسرائيلى والفصائل الفلسطينية، مما أثمر فى نهاية المطاف عن وقف التصعيد العسكرى الذى كان يهدد بتفاقم الوضع الإنسانى فى غزة.
ولم يقتصر الدور المصرى على الجانب السياسى فحسب، بل شمل أيضًا أبعادًا إنسانية بالغة الأهمية، فمن خلال فتح معبر رفح الحدودى فى بداية الحرب قامت مصر بإرسال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة، بما فى ذلك الأدوية والإمدادات الطبية والغذائية، كما وفرت القاهرة الدعم الطبى لاستقبال الجرحى الفلسطينيين فى المستشفيات المصرية، فى لفتة تعكس التزامها الأخلاقى تجاه أشقائها فى غزة.
لا يمكن النظر إلى الجهود المصرية بمعزل عن رؤيتها الأوسع لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، حيث تدرك القاهرة أن استمرار النزاعات المسلحة فى المنطقة لا يقتصر تأثيره على الأطراف المباشرة فقط، بل يمتد ليشمل زعزعة استقرار الشرق الأوسط ككل.. لذلك وضعت مصر نصب عينيها هدفًا واضحًا يتمثل فى كسر حلقة العنف وخلق بيئة مواتية للحوار والتفاوض.
كما أن الدور المصرى فى الأزمة الأخيرة يعكس قدرة القاهرة على استخدام علاقاتها القوية مع اللاعبين الدوليين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتعزيز الحلول الدبلوماسية، وقد ساعد هذا التوازن بين الانفتاح على العالم والتمسك بالهوية الإقليمية فى ترسيخ مكانة مصر كقوة محورية فى تحقيق التهدئة وإعادة بناء الثقة بين الأطراف.
لقد أثبتت الجهود المصرية لوقف الحرب فى غزة مرة أخرى أن القاهرة ليست مجرد وسيط، بل لاعب رئيسى يمتلك أدوات تأثير فاعلة على الساحة الدولية، ومن خلال مزيج من الحنكة السياسية والدبلوماسية الهادئة، أكدت مصر أنها تظل قوة داعمة للاستقرار وقلبًا نابضًا للعروبة فى المنطقة.
.. واليوم، يقف العالم شاهدًا على الدور المصرى الذى لا غنى عنه فى الشرق الأوسط، وهو دور لا يهدف فقط إلى تحقيق تهدئة مؤقتة، بل إلى بناء مستقبل يعمه السلام والاستقرار لجميع شعوب المنطقة.