السيرة الهلالية واحدة من كنوز الأدب الشعبى عرفتها مصر المحروسة واستمعت لها الأجيال بأصوات الرواة على أنغام الربابة ومازالت تحيا فى سهرات وجلسات السمر خاصة فى قرى الصعيد..
قد نظن أنها حكر على كبار السن الذين يتحمسون للبطل أبوزيد الهلالى سلامة والفارس الزناتى خليفة وغيرهم.. يعرفون الأصول والفروع والمعارك لكن هناك شباباً وقع فى غرام السيرة وأدرك قيمتها الثقافية والإنسانية وسعى للحفاظ عليها من الاندثار بجهود مخلصة وخطوات واثقة..
الصديق معتصم بدارى حاور شاباً وشابة اكتشف عشقهما لحكايات السيرة وقررا أن تكون مشروع لكل منهما على طريقته.. يسجلها.. ينشرها.. يحافظ عليها.. وينقلها إلى الجيل الجديد.. نهال الهلالى 37 سنة بكالوريوس الخدمة الاجتماعية وماجستير الإعلام ومحمد كساب 29 سنة بكالوريوس السياحة والفنادق.
اختلفت دراستهما ومع ذلك جمعتهما السيرة الهلالية: الهدف واحد الحفاظ عليها والطريقة مختلفة.. تحمل بصمة أول راوية امرأة للسيرة وتعبر عن شخصية معجب سيد الضوى وخليفته على الدرب.
بالتأكيد حكايات شباب السيرة الهلالية تستحق أن نرويها دون ربابة.. بين أهداف وعقبات.. حماس وطموحات.. لنتأكد من جديد أن شبابنا الواعى حراس التراث بجدارة وامتياز.
> نبحث عن بداية الحكاية: كيف جاء الارتباط بالسيرة الهلالية؟
>> نهال: عقب التخرج تحمست لمشروع «نافذة على الجنوب»، لتسليط الضوء على عادات وتقاليد وفنون الصعيد، بما فى ذلك الفنون القصصية مثل السيرة الهلالية وخلال إحدى الندوات، وجدتنى انجذب لتفاصيل السيرة مع ارتباطى بها بحكم نشأتى فى قنا فى بيئة صعيدية: استمع إليها منذ الصغر من شرائط الكاسيت التى كان يحضرها والدى وتساءلت لماذا لا أكون أول امرأة تروى السيرة الهلالية؟
الرفض من المحيطين كان محبطا وحجتهم أن السيرة تتحدث عن أبطال الحرب، وأن المرأة الراوية قد تضعفها بعواطفها فضلا عن الشك فى تقبل الجمهور للفكرة ولكنى صممت على التجربة وتحدياتها.
>> كساب: بدأت رحلتى مع هذا الفن منذ الطفولة، جذبنى من خلال الإذاعة والتليفزيون ولم أكن قادرًا فى البداية على فهم كل تفاصيلها، لكن لاحظت شعورا عميقا بأهمية وتفرد الفن الذى يقدمه أبناء الصعيد.
تغيرت بوصلتى بعدما التحقت بالكلية بالقاهرة، بدأت بتقديم الابتهالات والتواشيح الدينية. وتعرفت على أعضاء فرقة الورشة المسرحية التى أسسها الفنان حسن الجريتلي. ولاحظت عند دخولى مقر الفرقة للمرة الأولى صورة كبيرة للفنان الراحل سيد الضوى «راوى السيرة» مما زاد من حماسى للانضمام إلى عالم السيرة الهلالية وتعرفت على الفنان الكبير واستمعت إلى حفلاته وشعرت أننى أسبح فى أعماق السيرة وتجذبنى تيارات شخصياتها وأتوقف أمام حماسة مواقفها التى تشبه بلدتى بسوهاج وقررت الاستماع إلى كل شعراء السيرة لأهضم فنهم وأقدم مدرستى الخاصة.
> هل اختلف الأمر عند الانتقال من موقف الإعجاب إلى مشهد البطولة ورواية السيرة الهلالية أمام الجمهور؟ وماذا أضافت السيرة لشخصيتك؟
>> نهال: أذكر أول عرض قدمته عام 2019، ولاقى اهتماماً كبيراً وترحاباً من الجمهور. ومن الداعمين جمعية حفظ التراث الهلالى بأسوان، ساعدتنى فى جمع السيرة.
وأعتقد أن رواية السيرة أضافت إلى الكثير من الخبرات: تعرفت على تفكير الأبطال فى الأوقات الصعبة، واستفدت من حكمتهم فى التصرف الصحيح.
والسيرة ليست كلها معارك بل تحتوى أيضا على مواقف تشبه الحياة العادية، مما يساعد على فهم طريقة تفكير الشخصيات وذكائهم فى مواجهة التحديات.
>> كساب: اختلف الأمر بالطبع عند تكوين فرقتى الخاصة بعد وفاة سيد الضوى عام 2016، وضممت أفراد فرقته للاستفادة من خبرتهم وبدأ مشوارى كراو للسيرة.. كانت اللهجة مألوفة لكن التحدى فى اللحن وتركيب الأشعار والأبيات وصعوبة الارتجال دون الخروج عن الإيقاع.
وبالطبع حظيت بدعم كبير من الفنان حسن الجريتلى وعازف الإيقاع جمال مسعد صاحب الخبرة مع الكبار سيد الضوى وجابر أبوحسين فهو عنصر أمان واطمئنان فى الفرقة وتعلمت من السيرة صفات الكرم والشجاعة وكذلك خططا عن الدهاء فى الحروب وأعتقد أن التفاعل مع هذه الصفات هو سبب حماس للأجيال للسيرة حيث نتعلم منها الطيب لنفعله والخبيث لنحذره مثل والغدر والخيانة والحقد وكلها ترتبط بحياتنا اليومية.
> ماذا عن البصمة الشخصية فى السيرة الهلالية.. حلم أو هدف يرتبط بها؟
>> نهال: أحاول التركيز لإبراز الدور النسائى فى السيرة، مثل شخصية الجازية الهلالية، ودورها الكبير فى حل المشكلات وعموما أرى أن السيرة وسيلة مهمة لا تعرف التقادم وتعزز الهوية الثقافية وتعلم الأطفال قيم الشجاعة والانتماء لذلك أحرص على وجود الأطفال ضمن فريقى مثل رؤى – صاحبة الـ 11 عاما تشارك فى رواية السيرة للأطفال والكبار مما يكسبها جمهورا جديدا ويضفى جواً من المتعة والإثارة.
وبذلك يتحقق الهدف الأهم فى إحياء السيرة الهلالية وتعزيز التراث الشعبى فى صعيد مصر، مما يعكس قوة الثقافة الشعبية وقدرتها على البقاء والتطور.
>> كساب: لا تعزز السيرة فقط الانتماء الوطنى بل أيضا القومية العربية وهى جزء من ثقافة الصعيد الغنية وهو تربة خصبة للإبداع.
أتمنى أن يتعرف الشباب على هذه الملحمة الشعبية ويسعى للحفاظ عليها من الاندثار – رواة وعازفين ومستمعين، لأننى أعتقد أنها بدروسها وقيمها تصلح لكل الأجيال ولاشك أن فهمها والتفاعل معها يحافظ عليها كجزء غال من تراثنا الثقافى يستحق الاهتمام والتوثيق.