ترقب واستنفار على صعيد الجبهة الجنوبية فى لبنان، بعد الاعتداء السيبرانى الإسرائيلى على مدار يومين، بتفجير اجهزة البيجر والاتصالات، الذى أدى إلى سقوط 32 شهيد وإصابة حوالى 4 آلاف جريح وهو نفس عدد الجرحى الذى خلفته الحرب السابقة بين الجانبين فى 2008، وترقب واستعداد على الجبهة الشمالية الإسرائيلية استعدادا لرد حزب الله على هذا الاعتداء، وتهيئة الداخل الإسرائيلى إلى فتح هذه الجبهة بشكل موسع، ونتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى يواصل الحرب هو وحكومته اليمينية المتطرفة، ولا يريد التوقف عن استفزاز المنطقة، أملا فى تحقيق نصر وهمى بعد فشله فى تحقيق أهدافه فى قطاع غزة.
شدد العميد أكرم كمال سريوى خبير لبنانى فى الشئون العسكرية والقانون الدولى على أن ما قامت به إسرائيل، هو عمل إرهابى بكل المقاييس، وتنطبق عليه كل قرائن وشروط جريمة الحرب، ويشكّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولى الإنساني، الذى يمنع استهداف المدنيين، ويضع قواعد السلوك العسكرى للجيوش أثناء الحروب، وإسرائيل نفّذت ما يشبه استخدام سلاح دمار شامل، لأنه طال مساحة جغرافية واسعة، وأشخاصاً فى غالبيتهم من المدنيين، الذين يقدمون خدمات طبية أو إدارية، وكانوا متواجدين فى أماكن عامة وفى الأسواق بين السكان الآمنين.
سريوى يصف ما حدث بأنه خطير جداً، بأن تقوم أى جهة باستهداف أجهزة اتصال راديوية غير عسكرية، مخصصة بشكل رئيسى للاستخدام المدني، وهى لا تحظى بطبيعة السرية العسكرية كأجهزة الاتصال التى تستخدمها الجيوش، فهذا يعنى استباحة لكل المحرمات، ويؤكد الطبيعة العدوانية لإسرائيل، التى لم تترك شيئاً من القانون الدولى إلا وخرقته، وتستمر فى حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا تتورّع الآن عن استخدام كافة الوسائل المتاحة لإلحاق الضرر بالمدنيين.. مشيرا إلى أنه أمام هذه العدوانية الإسرائيلية لا تستطيع المقاومة السكوت والتغاضى عما حدث، ولا بد أن ترد بقوة على هذا الاعتداء.
والواضح أن الجانب الإسرائيلى يسعى لتوسعة الحرب على الجبهة الشمالية، وهو كان قد تحدث علناً عن نيته هذه، وبالتالى ما حدث يضع الأمور على مفترق خطر للغاية، وأقرب إلى سيناريو الحرب الشاملة، فى حين ان الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد أنها لا تريد الحرب الشاملة، ولكنها منذ بداية الحرب فى غزة، لم تضغط على نتنياهو بشكلٍ كافٍ لوقف عدوانه على غزة، وما زالت تُقدّم لإسرائيل المزيد من الأسلحة والذخائر لقتل الشعب الفلسطيني، ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس وسيطاً نزيهاً ولا طرفاً محايداً فى هذه الحرب، بل شريكاً كاملاً لإسرائيل، وتؤمن لها الحماية والغطاء السياسى والقانوني، وتمنع إدانتها فى مجلس الأمن، وتمنع صدور مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت من قِبل المحكمة الجنائية الدولية.
قال محمد الرز محلل سياسى لبناني، إن سلسلة المواقف الإسرائيلية التصعيدية ضد لبنان، وما رافقها من تهديدات بإحداث خرق برى للأراضى اللبنانية، وعقب عدة اجتماعات للحكومة الإسرائيلية المصغرة ومجلس الحرب ولقاءات مع موفدين أمريكيين أبرزهم جيك سوليفان مدير الأمن القومى الأمريكي، تم تنفيذ عملية استخبارية إسرائيلية بحجم كبير وغير مسبوق ضد حزب الله، وتحديدا جهازه الأمنى وبالتالى ضد لبنان، سعت من ورائها حكومة نتنياهو العنصرية إلى تحقيق عدة أهداف، أولها تصعيد الحرب النفسية ضد اللبنانيين عبر ايهام الناس بأن يد إسرائيل قادرة على أن تطال أى مجموعة فى أى مكان وزمان، وثانيها التمهيد للمخطط الإسرائيلى بعدوان برى ينطلق من هضبة الجولان المحتلة نحو وسط البقاع الغربي، يواكبه إنزال عسكرى شمال نهر الليطانى لمحاولة إنشاء شريط حدودى معزول من السلاح، وبالتالى تأمين عودة المستوطنين إلى شمال فلسطين، وهو ما أعلنه نتنياهو وجالانتوهاليفى رئيس الأركان، ولكن هذا المشروع على أرض الواقع يصطدم بجملة عقبات أساسية اولها أن من فشل فى تحقيق أى هدف سياسى فى غزة على امتداد عام كامل، لن يكون بمقدوره وبجيشه المنهك تحقيق مثل هذا الهدف فى لبنان، وأمام ترسانة عسكرية ضخمة برية وجوية وصاروخية تملكها المقاومة اللبنانية مما ولد شبه إجماع دولي، وحتى داخل الكيان الإسرائيلى على أن هذه المغامرة قد تنقلب كارثيا على إسرائيل، خاصة إذا تحولت المعارك إلى حرب إقليمية موسعة.
قال إن لجم نتنياهو فى حرب الإبادة المستمرة ضد أهل غزة، وتهجير أبناء الضفة الغربية وفتح حرب على لبنان، يتطلب موقفا عربيا حاسما يدعم صمود غزة والضفة الغربية، ويساند مصر فى تصديها السياسى والدبلوماسى للمشروع الإسرائيلي، ويطوى أوهام السلام مع إسرائيل بعدما مزق نتنياهو كل الاتفاقيات، وهدد المنظومة العربية ومقوماتها الوطنية خاصة فى مرحلة ما بعد فلسطين، وذلك وفق تفكيره العنصرى العدوانى بتشكيل كمنولث عبرى تكون فيه إسرائيل هى القائد، وهو المشروع الذى يشكل جوهر مخطط الشرق الاوسط الجديد التدميرى للوحدات الوطنية العربية، وتسانده الإدارة الأمريكية.
قال إن قلق الولايات المتحدة من قدرة إسرائيل على تحمل انعكاسات هذه الحرب واضحة فى تصريحات المندوب الأمريكى آموس هوكشتاين فى تل أبيب قبل خمسة أيام، صحيح أن التحقيقات بدأت فى لبنان لمعرفة أسباب هذا الاختراق وما إذا كان محليا بواسطة عملاء أو من المصادر المصنعة لأجهزة البيجر فى تايوان، وهو الأكثر ترجيحا، لكن حزب الله الذى طال هذا الاستهداف عناصره الأمنية فى مناطق لبنان، وحتى داخل سوريا يستطيع أن يمتص الضربة خاصة بعد ان ظهر الموقف اللبنانى الموحد معه، وفى ظل سلامة مؤسسته العسكرية المقاتلة لأن توزيع البيجر لم يشمل المقاومين على الجبهة، وهو أعلن عن رد على العملية سيتم فى وقت يحدده لاحقا، أو من خلال التصدى لأى محاولة اختراق برية يحاول الجيش الإسرائيلى تنفيذها، حيث ستسقط كل الاعتبارات ومن بينها تحييد المدنيين.
قال د. عبدالله نعمة المحلل السياسى اللبنانى إن اعتداء إسرائيل السيبرانى على لبنان، بهذا الشكل الكبير لم يكن له مثيل منذ اندلاع الصراع العربى الإسرائيلي، ومن الطبيعى ان إسرائيل قد اشتغلت منذ وقت طويل على تفجير هذه الأجهزة، ومعروف ان إسرائيل متقدمة عن حزب الله بالتكنولوجيا وهذا شيء طبيعي، خاصة ان أمريكا والغرب معها، ويتغاضى عن كل أعمال إسرائيل العدوانية والتى تضرب حتى القرارات الدولية بعرض الحائط.. قال إن كل الشعب اللبنانى على قلب رجل واحد وايد واحدة.
أشار إلى أن حزب الله حصل على هذا النوع من الأجهزة، بعد مراقبة إسرائيل لكل وسائل الاتصال التى كانت بحوزتهم، وان الاغتيالات التى حصلت كانت تعتمد على هذه الأجهزة، لذا لجاء حزب الله لهذا النوع من
الأجهزة لعدم مراقبتها من قبل إسرائيل، وتم تفخيخ هذه الأجهزة من المصدر الذى صنع هذه الأجهزة، وهذا ما حصل بكبسة زر واحد اعتدت وبشكل كبير على لبنان واللبنانيين.
أضاف خليل القاضى محلل سياسى لبناني، أننا فى مرحلة جديدة من الحرب، وتوسعة الحرب واستهداف المدنيين هو هدف إسرائيلي، خاصة ان جبهة الإسناد اللبنانية لأهل غزة تؤرق إسرائيل، وسوف يتم الرد على هذا العدوان من جانب حزب الله، بعد ان نقل العدو الإسرائيلى المواجهة إلى مرحلة أوسع، خاصة ان الاجتياح الإلكترونى تسبب فى قتل وجرح المدنيين بأعداد غير مسبوقة، وهذا الهجوم السيبرانى أدى إلى إلحاق الضرر بالشعب اللبناني، وتعدى مفهوم الحروب التقليدية، ونحن فى مرحلة جديدة ويتطلب الرد من جانب حزب الله، واللافت التنديد الوطنى لما حدث ومساندة حزب الله .