مازالت مصر وسوف تظل نقطة الضوء المضيئة لكافة الأحداث السياسية التى تشهدها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج فهذا هو قدرها من قديم الزمن.. فهى دولة مركزية محورية.. ومن هنا فإن أنظار العالم دائماً ما تتجه إليها للوقوف على ردود أفعالها تجاه الجرائم الإسرائيلية التى ترتكب فى حق الشعب الفلسطينيى فى قطاع غزة بصفة خاصة وفى القضية الفلسطينية بصفة عامة.. وهى القضية التى تتحمل مصر تبعاتها وأعباءها على امتداد قرن من الزمان حتى أنها أصبحت تعتبر قضية مصرية بالدرجة الأولى فمن أجلها خاضت الحروب ومن أجلها قبلت الالتزامات وبسببها وقعت المعاهدات.
ومنذ أحداث السابع من أكتوبر العام الماضى وتحاول مصر أن تحقق للشعب الفلسطينى حقه فى أن يكون له دولة مستقلة معترف بها فى المحافل الدولية إلا إنها فى مقابل ذلك تتعرض لحملات خبيثة فى محاولات مكشوفة لرفع أيديها عن الشعب الفلسطينى وحقوقه إلا أن القيادة السياسية كانت يقظة لتلك المحاولات والتزمت الصمت والصبر والتأنى العاقل وهو الأمر الذى وضعها فى موقع الصدارة والتقدير والاحترام من جميع دول العالم وأصبحت قبلة لقادتها يلجئون إليها لمعرفة ما سوف تؤول إليه الأحداث الدامية والمجازر اليومية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى على مرأى ومسمع من العالم الذى لا يحرك ساكناً لإيقاف ذلك.
وعلى الرغم من الخسائر الاقتصادية التى تعرضت لها البلاد نتيجة تلك الأحداث من جراء تحويل مسار العديد من شركات الشحن الكبرى التى كانت تعبر من خلال قناة السويس وهو الأمر الذى أثر سلباً على دخلها من العملات الأجنبية بنسبة وصلت إلى النصف تقريباً.. بالإضافة الى انصراف بعض الأصدقاء من دول العالم عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية واكتفى بإرسال بعض المعونات الغذائية والعديد من التصريحات الفضفاضة التى لا طائل منها.. على الرغم من كل ذلك إلا أن السياسة المصرية الشريفة والبعيدة عن أى التواء أو افتراء أو سوء تأويل بقيت حافظة للعهد وفية لمبادئها.. ومن هذا المنظور الجدير بالفخر والكرامة أعلنت مصر مؤخراً الانضمام إلى جنوب أفريقيا فى دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية كرد فعل مباشر على سلسلة القرارات المتهورة التى اتخذتها إسرائيل فى الأيام الأخيرة وذلك لهجومها على رفح رغم التحذيرات الدولية وبإغلاقها المعبر من الجانب الفلسطينى وإدخال قواتها العسكرية إلى رفح الفلسطينية وهو ما يعتبر تحدياً لجميع النداءات الدولية بما فى ذلك حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة العودة الى داخل الحدود الإسرائيلية وإعطاء الفرصة للمفاوضات الدبلوماسية والوساطات الدولية لحل مشكلة الأسرى بالنسبة للجانب الإسرائيلى وعودة سكان قطاع غزة إلى أراضيهم بالنسبة للجانب الفلسطيني.
لقد أثلج الموقف صدورنا جميعاً مصريين وفلسطينيين عندما أعلن وزير الخارجية سامح شكرى انضمام مصر لجنوب أفريقيا فى دعوى الإبادة الجماعية وإنها خطوة قابلة للتصعيد وأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى إزاء التحركات العسكرية الإسرائيلية غير المحسوبة وأن ذلك يمثل تهديداً للأمن القومى المصرى والذى يعتبر خطاً أحمر فى علاقة مصر مع أى دولة من دول الجوار.. ومنذ الإعلان عن تلك الخطوة المصرية ولم تتوقف وسائل الإعلام العالمية عن إبراز هذا القرار حيث أكدت أن الشعب المصرى قد أعلن تأييده لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى وقد أصطفوا جميعاً حوله على قلب رجل واحد فى مواجهة التعنت الإسرائيلى بعد توقف مفاوضات الهدنة.. وأن هناك ثمة إقراراً إقليمياً ودولياً بأن الأدوار التى قامت بها الدولة المصرية مؤخراً كان لها ثقلها المهم سواء على الجانب التفاوضى من خلال رعاية مفاوضات الهدنة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين أو من خلال العمل على التأثير على الدول الفاعلة فى الأزمة حيث نجحت بالفعل فى تغيير مواقف بعضها وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
سوف تبقى مصر دوماً ميزاناً للعدل ونصرة الحق.. ترفع رايات السلام والتحرر والنهضة وتحافظ على تعهداتها والتزاماتها من خلال أداء دبلوماسى رصين بعيداً عن الشعارات والمهاترات التى لا طائل من ورائها.
وتحيا مصر..