.. فى المدرسة الثانوية كانت أولى رحلاتى إلى الأقصر واسوان فى منتصف الثمانينيات كان الرفاق قد حملوا الأدوات الموسيقية وتزينوا بالطرابيش للهو رقصا وغناء.. كنت مقتنعا بان ذلك يتنافى مع طبيعة زيارة يفترض انها تعليمية اكثر منها ترفيهية وان الترفيه فى احضان التاريخ يجب ان يكون اكثر لياقة.. حتى اوقفنا ونهرنا بلطف رجل فى الخمسينيات من العمر يرتدى جلبابا وبدى انه مثقف.. قال الاجانب يأتون إلى مصر لديهم نهم لمعرفة اسرار حضارتها القديمة.. يستمعون بتركيز ويسجلون ملاحظات ويلتقطون صوراً للاثار ويحرصون على اقتناء كتب تيسر عليهم الفهم وتضاعف متعة زيارة دفعوا ثمنا كبيرا ليفوزوا بها.. وقال ان الانسان هو الكائن الوحيد الذى يسجل تجاربه هذا التاريخ لولاه ما تطورالإنسان وظل كائنا بدائيا.. تطور وتقدم الاجنبى لانه تعلم جيدا واستثمر مداركه سمعا وبصرا فى فهم ما كان سببا فى تقدم وتميز الانسان على مر التاريخ.. وانتم هنا لهذ الغرض لاعدادكم لصنع مستقبل افضل لكم ولابناء وطنكم بل لكل الانسانية.. ان تتحدث بفخر علم عن مصر لتشجيع الاخرين على زيارتها لتروج للسياحة وتتعاظم المكاسب وأهمها تنامى احترام شعوب العالم لنا والتعاطف معنا والحماسة لمساعدتنا فى بناء بلادنا والحفاظ عليها.
.. كان احترام الكبير لا يزال مبدأ سارى المفعول.. انصت الجميع وشعرالغالبية بالحرج.. ومن استمع على مضض لم يعترض او يقاطع المصرى الفصيح.. سألته عن بعض الأماكن التى قرأت عنها ولم يتضمنها برنامج الرحلة وكيفية الوصول لها.. فارشدنى مشكوراً.. واتفقت مع ثلاثة من الاصدقاء المقربين على الانفصال عن رفاق الرحلة لزيارة بعض المقاصد.. كان ذلك صعبا للغاية ولكننا نجحنا فى الذهاب بمفردنا لزيارة المقابر الفرعونية بالبر الغربى رغم انها كانت مغلقة فى ذلك الوقت ووجدنا عونا كبيرا من الاهالى وغفراء الاثار بعدما اشتعل اعجابهم بمراهقين صغار تكبدوا مشقة الانتقال فى الصحارى الشاسعة لزيارة الكنوز الأثرية.
.. بعد عودتى قدمت تقريراً للأستاذ محمد على البدرانى رحمه الله الذى كان قد تولى حديثا منصب وكيل وزارة التعليم ببورسعيد بعدما كان مديرا لمدرستى النصر الثانوية.. واوصيت فى التقرير مراعاة تحفيز الطلاب على مطالعة المعلومات الأثرية وعمل ندوات متخصصة لاولئك الذين يتقرر قيامهم برحلات للمقاصد الاثرية.. اشاد الراحل بتقريرى فى طابور المدرسة وحرص على العمل ببعض ما فيه فى السنوات التالية.
.. وعلى مر السنين تزداد قناعتى بضرورة إعادة النظر فى سبل ترسيخ الوعى الأثرى لدى طلبة المدارس والشباب.. تكثيف طبع كتب ووضع مقررات دراسية وتنظيم ندوات وعمل قنوات اذاعية وتلفزيونية موجهه ومسابقات وجوائز ورحلات تثقيفية.. ومعسكرات عمل تطوعية فى المواقع الأثرية ..وتشكيل فرق لاصدقاء السائح بدعم مؤسسات المجتمع المدنى ورجال الأعمال بالتعاون مع الوزارات المختصة والمحافظين.. نحن نملك فى مصر أكبر خريطة لمواقع الاثار فى العالم ونملك قوة ضاربة من طلبة المدارس والجامعات يمكن استثمارهم فى احداث زخم تتناقل أخباره على كل وسائل التواصل بصورة دائمة ليتحقق هدفان الأول تنمية الوعى بالآثار وحسن التعامل مع السائح والثانى انتاج تسويق شعبى من كل مصرى للسياحة فى بلده.. ان جهود الدولة فى الترويج للسياحة تحتاج ان يدعمها الشعب وان ينتبه لها الجيل الجديد أكثر وأكثر.