.. وتوالت عملياته الفدائية ليصبح من أشهر رجال المقاومة فى سيناء
كان البطل يعلم كيف تراه حبيبته وابنة عمه فوعدها بمهر زواجهما عملية فدائية من عملياته.
.. ووافق والدها؛ فالقبيلة فقيرة بمواردها غنية ببطولاتها.. وكانت عمليته الأخيرة التى قرر أن تكون مهر حبيبته هى استهداف أتوبيس للعدو كان يحمل 52 ضابطًا وجنديًّا يمر من قناة السويس إلى العريش يوميًّا وفى توقيت ثابت.. وأخذ التخطيط لهذه العملية منه وقتًا طويلًا للدراسة والتخطيط، وتم تحديد موعد زفافه على عروسه بعد إتمام العملية مباشرة، واستعد الزوج البطل للقيام بالعملية مع اثنين من رفقاء الفداء، وجاءت اللحظة الحاسمة، فقام فى الساعة الثالثة فجرًا متوجهًا لتنفيذ العملية وفاءً لما قطعه على نفسه.. وبصحبة زملائه الاثنين اللذين خططا معه قاموا بزرع الألغام فى طريق الأتوبيس الإسرائيلى الذى مر فى الساعة الثانية عشرة من ظهر نفس اليوم، فاحترق الأتوبيس وكل مَن فيه، وهلل السواركة فرحًا أنه أخذ بثأر أطفال مدرسة بحر البقر.. تمت العملية وتفرق زملاء النضال وجرى السواركة فرحًا فى صحراء العريش، وأثناء هروبه فقد حذاءه ولم يلتفت إليه، إلا أنه تذكر قصاصى الأثر الذين قد يكتشفونه فعاد سريعًا إلى مكان حذائه وأخذه، وبدأ يغير فى أسلوب المشى والجرى؛ فمرة يعرج على قدمه اليسرى ومرة يحمل حجرًا كبيرًا حتى تختلف آثار قدمه على الرمال، وبالفعل استطاع الفرار فى دروب الصحراء التى اعتاد عليها، فسلك طريقًا مختلفة، وعاد إلى منزله وقرر أن ينتظر عدة أسابيع للتخطيط لعملية أخرى.. لم يكتفِ السواركة بما قام به من عمليات لتطفئ نار ثأره لأطفال بحر البقر، إلا أن ثأراً آخر بدأ يلهب صدره، وهو الانتقام لضرب العدو لعمال مصنع أبى زعبل.
هكذا خطط بطل سيناء للثأر من اعتداء العدو الإسرائيلى على المصريين وغيرها من عمليات معادية استهدفت قواتنا العسكرية والمدنية طوال حرب الاستنزاف.. أيضًا لم يطفئ نار ثأره انتصار أكتوبر المجيد، ولكنه أخذ على عاتقه الانتقام لكل مصرى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها على أرض سيناء الحبيبة فداءً للوطن.
خلال هذه الفترة قرر الزواج من حبيبته وابنة عمه بعد أن وفى بوعده ومنحها مهرها المتفق عليه.. وبالفعل تم الزفاف بصحراء سيناء بحضور أفراد قبيلة السواركة والقبائل المجاورة، وكان العرس بدويًّا فلكلوريًّا أُنشدت فيه أهازيج البدو واختلطت بعاداتهم وتقاليدهم فى الأفراح، بداية من تجهيز العروس والعريس، مرورًا بالرقص والغناء، انتهاءً بتسليم العروس لعريسها.. أسبوعان مرَّا على الزوجين.. وقد نسى البطل ما قام به من عملية أخيرة وقرر أن يترك زوجته العروس ليختفى شهرًا أو شهرين كما قال لها، وهو يضمر فى نفسه تنفيذ عملية أخرى.. وافقت زوجته التى لا تقل عنه وطنية بالرغم من أنه لم يسر لها بما يسره ويكتمه، وطلبت فحسب أن تزور والدها قبل أن يرحل زوجها، فلبى طلبها، وبعد أن عادا لمنزلهما وفى الساعة الثانية ليلًا حاصرت المخابرات الإسرائيلية المنطقة الموجود بها منزله.. فلقد نجا أحد ركاب الأتوبيس ووصف للمخابرات شكل السواركة، وما كان من المخابرات إلا اقتحام المنازل التى لا تتعدى العشش الصغيرة المتناثرة فى قلب الصحراء والاعتداء على أهلها وقتل مَن يعترض طريقهم، حتى أنهم شقوا بطن امرأة حامل لتصل الرسالة للسواركة أنهم سيجدونه حتى لو عاد لبطن أمه.. كما تم القبض على الاثنين المشاركين معه، وبالفعل تم القبض عليه وزوجته وعمه «حماه»، وقامت المخابرات الإسرائيلية بتعذيب الزوجة العروس وأبيها المسن أمام عينيه ليعترف على نفسه أو يعترفا عليه.. ولكن العم المسن الذى لا يقل وطنية كان يدرك فى فترة سابقة خطورة ما يقوم به السواركة، فكان يرفض أن يحكى له السواركة تفاصيل العمليات التى يقوم بها حتى لا يضطر للبوح بها إذا ما تعرض للتعذيب، وأيضًا حتى يتدرب السواركة على كتمان سر عملياته.. فلهذا الرجل المسن دور بطولى فى تجنيد الفدائيين من أبناء سيناء، وقد اختار ابن أخيه دون أن يدرى ورشحه للعمل الفدائى لدى المخابرات المصرية دون علم السواركة نفسه، وظل هذا السر حتى دفن مع الرجل المسن.. كان لتعذيب الزوجة أثر إيجابى على شخصيتها الجديدة كزوجة لبطل فدائى، فمن تلك اللحظة عظَّمت مكانة زوجها أكثر وزادت احترامًا وتبجيلًا.
وتم الإفراج عن الزوجة والعم المسن دون أن يحصلوا منهما على أى شيء، ودخل السواركة مرحلة تعذيب دامت اثنين وعشرين عامًا، بدأت داخل العريش بوضعه فى المياه الساخنة ثم المياه المثلجة لمدة خمسة أيام متتالية، ثم تم إرساله إلى غزة، ورغم التعذيب الذى لاقاه فإنهم لم يخرجوا منه بكلمة واحدة، فأرسلوه إلى معتقل اشكلون وتركوه فى غرفة مساحتها متر * متر وربطوه على كرسى به مسامير، وبعد ساعات طويلة من الصمت المخيف أدخلوا عليه كلبًا ضخمًا وقالوا له «جز عليه» أى هب عليه، وبدأ الكلب يلحس وجهه ولم يستطع المقاومة لأن يديه مربوطتان، وجاءته فكرة لعله يدافع بها عن نفسه فعندما كرر الكلب لحس وجهه أمسك السواركة لسان الكلب بأسنانه وعض عليه بقوة حتى قطع منه جزءًا، فوقع الكلب على الأرض وأخذ يعوى ويصرخ، فدخل ستة من رجال المعتقل الإسرائيليين وأخذوا يثأرون لكلبهم بضربه بأقدامهم لعدة ساعات حتى تعبوا، ولكنه فقد سبع أسنان وكسرت أصابع يده، ثم عاد إلى غزة بعد 75 يومًا من التعذيب والتحقيق بلا فائدة، وفى غزة ربطوا رجليه بالسلاسل وبقى لمدة أسبوع معلقًا من قدميه، ثم كانت مرحلة أخرى من التعذيب بالكهرباء والكى والضرب، وكان آخر تعذيبهم شد سرته للخارج لتكون سببًا فى إجراء عملية جراحية وهمية، وبالفعل أجروا له سبع عمليات فى بطنه فقد بسببها القدرة على الطعام ولم يستطع أكل شيء إلا الزبادى لمدة اثنتى عشرة سنة.. كما جعلوه حقل تجارب لطلبة كلية الطب بمساعدة الدكتور جولد بلوم المتخصص فى إجراء التجارب على المعتقلين.. خلال اثنين وعشرين عامًا لم يرَ ابنته إلا مرتين.