لم تكن الأحداث الأخيرة هى الشاهد الوحيد على ازدواجية معايير المجتمع الدولى الذى يدعى -زوراً وبهتاناً- التحضر وانه مع الديمقراطية فى جميع أصقاع الأرض ومع حقوق الإنسان.. ومع.. ومع وكل هذه الادعاءات الكاذبة التى يروج لها بين كل آونة وأخرى.. ولكن هذا السقوط الأخلاقى له جذور تاريخية عميقة.. فالحكومات التى أدارت شئون العالم ممثلة فى عصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهيئة الأمم المتحدة الحالية لم تكونا بحال من الأحوال هى الملاذ «العادل» الذى تلجأ إليه الدول المقهورة.. فعلى سبيل المثال لا الحصر.. ساد خلال وجود عصبة الأمم ما عرف آنذاك بعصر الاحتلال وكانت بريطانيا وفرنسا فى طليعة دول الاحتلال إلى جانب بعض الدول الأوروبية الأخرى كإيطاليا وألمانيا والبرتغال وغيرها.
خلال هذه الحقبة الرديئة من القرن التاسع عشر كانت عصبة الأمم الخادم الأمين لدول الاحتلال وكانت ضحاياها الدول التى مُنيت بالاحتلال.. وظل الأمر على هذا المنوال حتى مع انتهاء حقبة عصبة الأمم وبداية ظهور الأمم المتحدة على السطح فالأمر لم يختلف كثيراً اللهم إلا فى شخص من تولى منصب أمين عام المنظمة الدولية فقد رأينا شخصية مثل د. بطرس غالى الذى وقف فى وجه محاولات الغرب والولايات المتحدة خلال محاولاتهم تطويع أجهزة الأمم المتحدة لتكون أداة تنفيذ أوامرهم.. وكذلك الأمين العام الحالى جوتريتش الذى يحاول قدر استطاعته اظهار كلمة الحق لكنها لا تجد صدى لدى القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة التى تضرب عرض الحائط بأى قرارات تتعارض مع مصلحة إسرائيل.
برز بقوة السقوط الأخلاقى لمجتمعنا الدولى خلال الفترة التى بدأت فيها الأحداث فى غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى.. فكانت الصورة واضحة جلية حين بدأ المعسكر الأمريكي- الأوروبى فى الانحياز شبه التام لجانب عتاة الاجرام.. جيش الحرب الإسرائيلى وحكومة المتطرفين فى تل أبيب محملين الضحية من أبناء الشعب الفلسطينى تبعات ما حدث ويحدث فوق الأراضى المحتلة وكأنهم هم الجناة الذين جاءوا من الشتات الأوروبى ليحتلوا الأرض ويعلنوا دولتهم فى مايو من العام 48 وكأنهم هم أيضاً الذين نشروا عصاباتهم واقاموا المذابح فى يافا وعكا وحيفا ودير ياسين حتى يجبروا سكانها على الهجرة خوفاً وفزعاً مما شاهدوه.
ثم كانت واحدة من سقطات أحد أجهزة الأمم المتحدة وأعنى به هنا الجهاز القضائى للمنظمة الدولية الذى طلب مؤخراً صدور قرار بتوقيف رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة.. وهو ما كان واضحاً جلياً من خلال المجازر التى صاحبت العدوان المستمر على قطاع غزة.. ولكن الغريب فى الأمر ان المحكمة إلى جانب هذا الأمر أصدرت طلباً آخر بتوقيف بعض من قادة حماس ولا أدرى ما هى الأسس التى اعتمدت عليها المحكمة الدولية فى اصدارها قراراً كهذا وهل هى مسألة توازنات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.. حتى تأمن المحكمة من الحملات التى يمكن ان تتعرض