شهد التاريخ الكثير من الجرائم والإبادة للجنس البشرى فى مناطق مختلفة من العالم، ولكن كان لمنطقتنا العربية النصيب الأكبر منها، وابتلى الشرق الأوسط بأحداث دموية تكاد تكون عصية على الحصر، بجانب القهر والطغيان من القوى الأجنبية والاستعمارية، وإراقة الدماء والاستيلاء على المقدرات والثروات.
ولسنا بصدد رصد لتلك المجازر فى هذه السطور، إنما نعرج على بعضها، من التتار والمغول، وسقوط بغداد، مع انهيار آخر الخلفاء العباسيين سنة 656هـ، وقتل هولاكو من أهلها ما يزيد على مليون مسلم فى أربعين يوماً، وذبح جنوده الشيوخ والنساء والرضع، ودمروا مكتبة بغداد، وفى سنة 962م وفى العصر العباسى الثانى، انقض البيزنطيون على سكان حلب بالسيوف، وارتكبوا مجزرة رهيبة، وهدموا المبانى والمساجد والأسواق.
وسطرت الحروب الصليبية على العرب، تاريخا دمويا من التدمير العنيف على مدى قرون طويلة، وهاجمت الجيوش الأوروبية القدس ومدنا أخرى، ودمرت البنية التحتية وقتلت المدنيين عام 1099 وارتكبت مذابح مروعة راح ضحيتها نحو 70 ألفا فى القدس وحدها.
ويقوم الإرث الاستعمارى الأوروبى على الهيمنة والتحكم فى الآخر، خاصة العالم الإسلامى والعربى، وينظر الغرب إلى المنطقة على أنها متخلفة، ويعتبر إسرائيل شريكا إستراتيجيا قويا، خصوصا للولايات المتحدة، ويتم دعم دولة الاحتلال بغض النظر عن أفعالها، كجزء من إستراتيجية حماية المصالح الغربية، ويقدمون لها المساعدات العسكرية واللوجستية والإستخباراتية والدبلوماسية بلا حدود، ويقف الغرب عند هذا الخلل فى موازين أحكامه ولم يتأثر بتاريخ إسرائيل الحافل بالمجازر وسجلها المتخم بالمذابح بحق الأبرياء، والتمثيل بجثثهم.
ومن جرائم سفاحى الدولة العبرية، مذبحة بلدة الشيخ العام 1947حيث بلغت حصيلتها نحو 600 شهيد وجدت جثث غالبيتهم داخل المنازل، ثم مذبحة «دير ياسين» عام 1948م التى تمثل عنواناً لشلال الدماء، وألقاء الجثث فى الآبار بعد التمثيل بها، وقد افتخر مناحم بيجين رئيس وزراء الكيان الصهيونى الأسبق، بالمشاركة فى تلك المذبحة، وقال فى مذكراته إن دولة إسرائيل ما كانت لتقوم لولا الانتصار فى دير ياسين، وهكذا يتفاخر كل قادة دولة الاحتلال بما يقترفونه من مجازر.
ثم مذبحة قرية أبو شوشة عام 1948 وراح ضحيتها 50 شهيدا، وفى نفس العام مذبحة الطنطورة، عندما هاجمها المجرمون وأطلقوا النار على سكانها وخلفت المذبحة أكثر من 90 قتيلا، وجاءت مذبحة قبية 1953، وراح ضحيتها حولى 200 شخص، بقصف مدفعى، ووضع المتفجرات حول المنازل ونسفها فوق سكانها، وشهد العام 1956، ثلاثة مذابح فى قلقيلية وكفر قاسم وخان يونس، وهناك مذبحة المسجد الأقصى عام 1990، على أيدى متطرفين يهود، ثم مذبحة المسجد الإبراهيمى 1994 ومجزة مخيم جنين.
وتتضمن القائمة السوداء لمجرمى الحرب المتوحشين أكثر من مائتين وخمسين مجزرة من العام 1937م حتى اليوم، وصولا إلى أبشع مذابح فى «غزة «، وسط التدفق المستمر للدماء منذ السابع من أكتوبر 2023، وهرولة قادة الغرب إلى التضامن مع القتلة، دون أن تحرك المدافع والقنابل والطائرات والبوارج عندهم ساكنا، وهى تقوم بإبادة الفلسطينيين الذين يعانون منذ نكبة 1948.
ويأتى الفصل الجديد، الذى وقفت له مصر بالمرصاد، وهو محاولة تهجير سكان غزة خارج وطنهم ويتجاوز ذلك كله وبكل بجاحة ما يكرره ترامب بأن أمريكا تريد أن «تحتل» غزة، ويبارك سفك الدماء الفلسطينية، ويدعم السفاح النتن ياهو، الذى يعلن أن هدفه قتل المزيد من سكان القطاع وهدم المنازل حتى يضطروا إلى الرحيل.
على أى حال، إذا كان ضمير العالم نائما، فالأمر ينطبق على 53 دولة عربية وإسلامية، مازالت «تتفرج» على المشهد الدامى، ولم تكلف نفسها إلا ببعض كلمات الشجب والاستنكار فى تصريحات للاستهلاك الإعلامى، ولم نجد حتى مجرد التحرك الدبلوماسى ولا مقاطعة اقتصادية.
لقد أثبتت الأدلة والبراهين والحوادث، بلا مبالغة أو تحيز، أن مصر تقف وحدها فى ميدان المواجهة على مر تلك العقود، حفظ الله بلادى من كل الخانعين والمتآمرين.