بعد أن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلى منذ 7 أكتوبر الماضى ما يقرب من 38 ألفاً فى غزة واقترب عدد المصابين والمفقودين من 86 ألفاً، ثلثهم تقريباً من النساء والأطفال؛ يطرح السؤال نفسه: ماذا قدم السابع من أكتوبر للقضية الفلسطينية؟
سأقتبس بعضاً من حديث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أواخر أكتوبر الماضي، عندما قال موجها كلامه لمجلس الأمن الدولي: «إن الهجمات التى شنتها حركة حماس فى 7 أكتوبر لم تحدث من فراغ»، وهو ما جلب على الرجل هجوما عنيفا فاتهمته إسرائيل بـالتحيز والكراهية وطالبته بالاستقالة على الفور!!
جوتيرش لم يخطأ بل أعطى المسألة منظوراً تاريخياً منطقياً لفهم ما حدث فلم يكن بالإمكان فهم أحداث 7 أكتوبر من دون النظر إلى 56 عاماً من التاريخ الذى سبقها؟ مع الأخذ فى الحسبان إن الوجود الإسرائيلى فى فلسطين توصيفه «احتلال للأرض» فنحن أمام كيان مغتصب مارس طوال السنوات الماضية كل صنوف العدوان ضد أصحاب الأرض الأصليين والحديث هنا ليس عن غزة وحدها ولكن عن سائر الأراضى الفلسطينية بما فيها الضفة والقدس من الاعتداء على المقدسات وصولاً للاستيطان والقتل والتعذيب.
خلال الخمسة عشر عاماً التى سبقت 7 أكتوبر كانت هناك مواجهات فى غزة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة وسكان القطاع ومن ثم فأحداث 7 أكتوبر– على عنفها وكثافتها ومع رفضنا لقتل المدنيين من أى اتجاه– ما هى إلا فصل من فصول المواجهة صنعتها تراكمات من العدوان الإسرائيلى وهنا يمكن دحض مزاعم إسرائيل بأن جرائم الإبادة الجماعية التى ترتكبها فى غزة رد فعل ودفاع عن النفس؛ فالحقيقة أن ما قامت به حماس يمكن توصيفه أيضاً «رد فعل».
فى ذات السياق يمكن ذكر ما قاله نمرود نوفيك أحد كبار مساعدى رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق شمعون بيريز وعضو ما يُسمون «قادة أمن إسرائيل» فى حلقات «بودكاست» للصحفى فى نيويورك تايمز»عزرا كلاين»، أعقاب السابع من أكتوبر ناقشت النزاع الإسرائيلى الفلسطيني، حيث ألقى نوفيك باللوم الشديد على الفشل الذريع وعدم الجدوى من سياسة الاحتواء الإسرائيلية المفترضة وهاجم نتنياهو، مستنكراً الضم السريع للضفة الغربية من قبل المستوطنين، ويائساً من خنق الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للسلطة الفلسطينية، وقال أن الحكومة الإسرائيلية الائتلافية الحالية تضم مجرمين ومتطرفين وطغاة ومجانين ليست لديهم مصلحة فى حل سلمى للمسألة الإسرائيلية الفلسطينية ووصف ايتمار بن غفير وزير الأمن القومى بـ»بلطجى شوارع»، و وصف بتسلئيل سموتريتش وزير المالية بأنه ينفذ أجندة مروعة فى الضفة الغربية تتلخص فى حل للدولة الواحدة شبيه بالفصل العنصرى وانتهى للقول بأن «أهوال 7 أكتوبر– بحسب وصفه– لم تحدث من فراغ.
برغم كل الألم والأسي، أعاد السابع من أكتوبر القضية الفلسطينية للواجهة بعدما كانت على وشك النسيان,فى ظل رفض قادة إسرائيل فكرة حل الدولتين وحديث نتنياهو المتكرر عن وجوب السيطرة الأمنية على كامل الأراضى الواقعة غرب نهر الأردن بما يعنى القضاء على فكرة وجود دولة فلسطين.
فى رأيى أن دماء الشهداء الـ38 ألفاً أعادت القضية للتداول عالمياً فسعت دول عدة للاعتراف بفلسطين واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالاعتراف بعضوية فلسطين الكاملة فى المنظمة وانعقد مجلس الأمن مرات عديدة للحديث عن فلسطين وحوكمت إسرائيل لأول مرة أمام الجنائية الدولية.
أثبتت أحداث 7 أكتوبر حقيقة المقولة «ما ضاع حق وارءه مطالب».