السؤال الأكثر رواجا وتداولا الآن بين الكثيرين من المهتمين بالشأن العام هو هل ما يدور ويجرى فى الإقليم من تفكيك الدول الوطنية وإعادة تركيبها على أسس طائفية أو عرقية أو أيديولوجية واستبدال الجيوش النظامية بميليشيات وجماعات مسلحة من دون الدولة هل كل هذا يجرى صدفة ونتيجة طبيعية لتطورات الأحداث من حيث الأسباب والنتائج أم أنها مؤامرة معدة سلفا ويتم تنفيذها بأيدى أبناء تلك الدول وربما هم أنفسهم لا يعلمون أنهم جزء أصيل من تلك المؤامرات؟ هذا السؤال يوجّه إلى كثيرين وإجابتى دائما بكلمتين «اقرأ التاريخ» وفى هذه الأثناء وجدت ضالتى الطازجة فى دائرة المعارف البريطانية التى افرجت التى نشرت وثائق سرية للغاية كانت الحكومة البريطانية قد سمحت بتداولها خلال الأيام الماضية وقد نشرتها بي.بي.سي، والوثيقة تتحدث عن خطة بريطانية لخنق مصر مائيا للتأثير على قرارها السياسى فى عصر عبدالناصر، وهنا سأعرض ما نشر دون تدخل منى إلا التعليق فى نهاية المقال
> > >
ذكرت وثائق بريطانية حكومية أن بريطانيا خططت سراً لقطع تدفق مياه نهر النيل خلال المواجهة مع عبدالناصر أثناء أزمة السويس.
فقد طُلب من المخططين العسكريين البريطانيين أن يتوصلوا إلى خطة حول كيفية خفض تدفق النهر بشكل كبير، الأمر الذى من شأنه أن يشيع الاضطرابات فى صفوف المزارعين المصريين.
وأعتقد المخططون العسكريون البريطانيون آنذاك أن بوسعهم استخدام أحد السدود فى أوغندا لخفض منسوب مياه نهر النيل لجعله يتدفق بشكل شحيح، مما يضر بشكل كبير بالزراعة والاقتصاد فى مصر.
ونصح الخبراء بأن تعظيم التأثير يمكن أن يكون من خلال تقليل تدفق المياه من سد شلال أوين فى أوغندا، إذ سيؤدى ذلك إلى خفض ارتفاع بحيرة فيكتوريا، وهى أحد المصادر الرئيسية للنيل الأبيض حيث إن ثلاثة أرباع تدفق النهر يأتى من بحيرة فيكتوريا، عبر سد شلالات أوين الذى يزود أوغندا وكينيا بالكهرباء.
وأشاروا إلى أن هذا السد يمكن أن يحجز 80 فى المائة من المياه التى تتدفق إلى الشمال.
> > >
وبالتالى فإن بحيرة فيكتوريا سترتفع بمقدار 24 سنتيمتراً فقط، وفى غضون 16 شهراً سيكون التأثير محسوساً فى مصر مع «آثار خطيرة».
ووصفت تلك الوثائق كيف اعتمدت مصر بشدة على النيل الأبيض بين فبراير/ شباط، ويوليو/ تموز عندما ركز المزارعون على زراعة محاصيلهم من الأرز والقطن، مشيرة إلى أنه رغم أن هذه المحاصيل قد تتضرر بشدة من هذا الإجراء، إلا إنه من غير المرجح أن يؤدى ذلك إلى تدمير الاقتصاد أو التسبب فى مجاعة خطيرة.
كما أشارت الوثائق إلى أن الخبراء اقترحوا بأن التهديد بقطع النيل عن مصر قد يؤتى ثماره، إذ نسبت إليهم القول إن التهديد بالتدخل فى النهر، الذى يزيد طوله على 4 آلاف ميل، سيكون له تأثير نفسى كبير على المصريين
وأوضح جون هانت، المسئول بمجلس الوزراء البريطانى أنه «قد يؤدى التهديد باتخاذ هذا الإجراء إلى نشر كلمة بين المصريين بأنه ما لم يتراجع عبدالناصر ستقطع بريطانيا النيل».
غير أن الوثائق حذرت من أن «مصر كانت تشعر بالقلق دائماً إزاء سيطرة بريطانيا على منابع النهر، وذلك لأن النهر حيوى بالنسبة لها، وبالتالى فإن أى اقتراح بالسيطرة على النيل دون موافقة مصر من المؤكد أنه سوف يتسبب فى عواقب وخيمة».
> > >
وتم تقديم الخطة السرية إلى السير أنتونى إيدن رئيس الوزراء البريطانى آنذاك قبل 6 أسابيع فقط من غزو فرنسا وبريطانيا للقناة فى نوفمبر/ تشرين الثانى 1956 فى أعقاب تأميم عبد الناصر لها.
وفى 24 سبتمبر/ أيلول، أرسل سكرتير مجلس الوزراء نورمان بروك وثيقة من 5 صفحات توضح بالتفصيل «الحقائق البارزة» من وزارة الدفاع إلى رئيس الوزراء بناء على طلبه.
ولكن مستشارى رئيس الوزراء حذروا من أن قطع المياه عن النيل سيؤدى حتماً إلى حرب وزيادة «كراهية الأجانب فى العالم العربي».
كما أن مثل هذه الخطوة كان من الممكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على صورة بريطانيا فى العالم وتأثير مدمر على أوغندا وكينيا وتنزانيا وفى النهاية تم التخلى عن الخطة باعتبارها غير قابلة للتطبيق، وقد تتسبب فى عواقب وخيمة».
> > >
انتهى الاقتباس وتبقى كلمة، علينا ان ننتبه إلى ان كل ما يجرى لا يجرى صدفة ، فالأمريكان والغرب لا ينتظروا مفاجآت المستقبل بل يتدخلوا لصناعته من خلال خطط تحقق مصالحهم ونسميها هنا مؤامرات.