زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتركيا، تعد انتصاراً عظيماً للدبلوماسية الرئاسية، والثوابت المصرية، وتجسد عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعى وهو ما يعد قيمة استراتيجية، للقاهرة وأنقرة وأيضاً للمنطقة والشرق الأوسط، فى ظل حالة التوتر، والاضطرابات التى تسود الإقليم وكونه يمر بمرحلة حرجة ودقيقة.
العلاقات المصرية ـ التركية خلال العام الأخير شهدت تحسناً ملحوظاً بعد حالة من الركود والمد والجزر والخلافات فى العديد من القضايا والملفات والرؤى ووجهات النظر إلى أن حراك نشط على مدار الفترة الماضية، توج بزيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للقاهرة فى فبراير الماضي، ووصل إلى ذروة التتويج بزيارة الرئيس السيسى لأنقرة، لتصل إلى مرحلة التعاون والتنسيق والتباحث وتبادل الرؤى ووجهات النظر والعمل معاً فى العديد من الملفات، وإيجاد حلول واضحة وواقعية للأزمات فى المنطقة فى ظل وجود مساحات مشتركة، حول هذه القضايا والأزمات.
عودة العلاقات المصرية ـ التركية إلى حالة الاستقرار والزخم، والتعاون فى العديد من المجالات والملفات، هى قيمة استراتيجية، سواء على الصعيد الثنائى فى المجالات الاقتصادية، سواء فى الارتقاء بالتبادل التجارى بين البلدين إلى أكثر من 01 مليارات دولار، أو التعاون فى مجال الصناعة والتصنيع العسكرى والسياحة والاستثمار والغاز والطاقة والصحة والثقافة وفى ظل توقيع العديد من الاتفاقيات، وإحياء الاتفاقيات القديمة مثل اتفاقية «الرورو» ولكن بما يحقق مصالح البلدين.. وتسهيل تصدير الصادرات المصرية إلى أوروبا عبر الموانئ التركية، خاصة أن الظروف الاقتصادية فى البلدين، لديها من الفرص والخبرات والقدرات ما يحقق تطلعات وأهداف البلدين الكبيرين.
حالة التطور والاستقرار التى تشهدها العلاقات المصرية ـ التركية، وهى علاقات تاريخية تحقق نتائج كبيرة وإيجابية على كافة الأصعدة سواء على الصعيد الاقتصادى والأمنى والعسكرى والتنسيق والتعاون المشترك فى ترسيخ الأمن والاستقرار، بالوصول إلى حلول حول الأزمات فى المنطقة، خاصة العدوان الإسرائيلى البربري، على قطاع غزة والضفة، وإصرار إسرائيل على التصعيد وتوسيع رقعة الصراع وفتح العديد من الجبهات بما يؤدى إلى نذر الحرب الشاملة، وهناك توافق بين الموقفين المصرى والتركى حول أهمية التهدئة ووقف العدوان وتبادل الأسرى والرهائن، وإدخال المساعدات الإنسانية بالقدر الذى يتسق مع حجم الكارثة الإنسانية فى قطاع غزة وصولاً إلى إعادة الإعمار، وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 7691.
الزيارة التاريخية للرئيس السيسى لتركيا تحمل العديد من النتائج المهمة والخير للبلدين وأيضاً تدعم الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط، لأن القاهرة وأنقرة قوتان لا يستهان بهما، فى ظل حالة القدرة على الوصول إلى تفاهمات ووجود مساحات مشتركة ومن الواضح أن المناخ الذى سبق الزيارة والأجواء التى شهدتها المباحثات المتواصلة بين البلدين على مدار عام كامل تشير إلى وجود تقارب فى وجهات النظر والرؤي، لذلك فإن الأمور تبشر بالخير وإيجاد سبل وحلول واقعية لإنهاء الأزمة الليبية بما يحقق تطلعات والمصالح العليا للشعب الليبى والحفاظ على وحدة وسلامة ليبيا، وإنفاذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية طبقاً لإرادة الشعب الشقيق وهو ما تصر على تنفيذه بالإضافة إلى خروج المليشيات والمقاتلين الأجانب، وإعادة وحدة الأراضى الليبية، وبالتالى يمكن التعاون فى مشروعات إعادة الإعمار فى ليبيا، بعد استعادة الأمن والاستقرار واللحمة الليبية، واستعادة الدولة الوطنية الليبية ومؤسساتها طبقاً للرؤية المصرية، وتوجد مساحات وتفاهمات مشتركة حول هذه المبادئ.
هناك أيضاً توافق مصرى تركى على الموقف فى الصومال، وأهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة الدولة الصومالية، وقد رفضت أنقرة الاتفاق الذى جرى بين ما يعرف بأرض الصومال وأثيوبيا، وأيضاً الاعتراف بهذا الانشقاق عن الدولة الصومالية الشرعية وهناك تعاون مصرى تركى لتحقيق أهداف الصومال فى الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه وسيادته وثرواته من خلال التنسيق والتعاون المشترك بين البلدين، ودعم الدولة الصومالية ومؤسساتها، وتعظيم قدراتها على حماية أمنها.
ويتقارب الموقفان المصرى والتركى حول السودان، وضرورة إنهاء الصراع ووقف إطلاق النار، واستكمال المسار السياسي، للحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وإبعاد شبح التقسيم ثم التعاون فى إعادة الإعمار والمسار التنموى بما يحقق تطلعات السودانيين.
يمكن لمصر أن تلعب دوراً كبيراً فى تسوية الأزمة التركية ـ السورية خاصة فى ظل قضية الشمال السورى بعد أن نجحت القاهرة فى إعادة سوريا إلى المنظومة العربية، ويمكنها من خلال التقارب والتفاهم، والتعاون مع تركيا فى حلحلة الموقف بين سوريا وتركيا بما يضمن الحفاظ على أمن أنقرة ودمشق ويعيد العلاقات بينهما.
يشهد التعاون العسكرى بين البلدين مصر وتركيا، تطوراً فى الفترة الأخيرة ويمكن أن يشهد مجالات جديدة خاصة فيما يتعلق بالصناعات العسكرية التى تشهد تطوراً كبيراً فى البلدين وأيضاً فى مجال التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات وحماية الأمن والسلم الإقليمي.
تطور العلاقات المصرية ـ التركية ووصولها إلى مستوى يحقق طموحات وتطلعات البلدين الكبيرين، هو إنجاز كبير، يرتكز على الكثير من المكاسب والمنافع والمصالح المتبادلة بين البلدين بما لديهما من قدرات وخبرات وثروات وفرص، ودور وثقل إقليمى وقنوات مفتوحة وقوية مع كافة الأطراف الدولية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، بما يساهم فى تخفيف حدة الصراعات والتوترات فى المنطقة وما يبشر باستعادة الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط إلى حد كبير، خاصة فى ملفات ليبيا والصومال، أو السودان وسوريا، وتستطيع مصر أن تلعب دوراً كبيراً فى تهدئة الأجواء بين تركيا مع بعض القوى الإقليمية، من خلال تفاهمات وتوافقات بما لدى القاهرة من علاقات قوية مع كافة الأطراف على أساس الاحترام المتبادل للسيادة وعدم انتهاكها وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وإرساء قواعد التعاون والشراكة بما يحقق مصالح الجميع.
تقارب، مصر وتركيا فى ظل هذه الفترات الدقيقة، سواء بما يدور من صراعات فى الشرق الأوسط، أو حالة التطاحن والصدام بين نظام عالمى قديم، وآخر يتطلع للظهور وما يتبعه من أعراض وآثار مؤلمة، يمكن للعلاقات بين القاهرة وأنقرة أن تخفف من أعراض هذا الصراع العالمي، سواء اقتصادياً أو أمنياً، بما لديها من ثقل وقدرات يمكن توظيفها على الصعيد الثنائى أو الإقليمي.
زيارة الرئيس السيسى لتركيا تتويج حقيقى لقدرة الدولة المصرية، وتأكيد على جدارة رؤيتها وثوابتها وسياساتها ودورها وثقلها وما لديها من قدرات وفرص.
تحيا مصر