صفات حميدة وأخلاق خرجت من الخدمة وتمنينا سويًا لو عادت
من حسن حظى أننى عشت الزمن الوارف. يومها كان الصفاء والإخلاص والرضا أحد أهم سمات المجتمع المصرى الريف والحضر النجوع والكفور لافرق بينهما. كل الناس فى مجملهم كانوا لايعرفون الأحقاد أو الضغائن أو الحسد أو الشح. من خرج عن هذه الصفات الحميدة كانوا يعدون على أصابع اليد الواحده. وكان الناس يعرفونهم بالأسماء والصفات. كانوا يعيشون فى عزلة وإن رأيناهم صباحا ومساء. رأيت بأم العين خالتى صفية وهى تحمل فوق رأسها طاجن اللبن وحبات الجبن الأبيض لتأتى به إلينا تاركة ما تحمله خلف الباب أدبا وحياء ثم تنصرف مسرعة حيث جاءت. شاهدت أمى وهى ترد الجميل عندما كانت تذهب لتوزيع الطماطم والباذنجان والفلفل الأخضر على الجيران باعتباره حقاً مكفولاً لهم خرج من الأرض وهم شركاء فيه وليس منحة منها هكذا كانت تقول. ذات مرة وكنت أتقمص دور سبع الليل وأقوم بحراسة الأرض الزراعية التى كانت لا تخلو على الدوام من الخضراوات كالفول والكرنب والباذنجان وغيرها من بعيد شاهدت أحد المارة وقد التقط عددا من قرون الفول الأخضر وظننت وبعض الظن أنه سارق وكان لابد من توبيخه وتأديبه هكذا ظننت وبعض الظن إثم. ولأننى فى سن صغيرة وقليل الخبرة ولا أعرف الأصول فقد نهرت الرجل وفى اليوم التالى وفى ذات التوقيت تقريبا رأيته يمر وإذا بوالدى رحمه الله يمسك فى جلبابه وقد أمرنى بجمع حجر كامل من الفول الأخضر وأعطاه إياه. وبعد أن انصرف الرجل إلى حال سبيله أخبرت والدى بما حدث بالأمس وكان نصيبى علقة ساخنة مازلت أحلم بها حتى اليوم هكذا كانت التربية. وكانت مقولته التى لا أنساها الناس شركاء فى كل ما تنبت الأرض. إخلاص من زمن فات وأخلاقيات اندثرت من حياتنا. فلم تعد خالتى صفية تأتى إلينا ولم يعد أولادها بعد رحيلها كما كانت الوفاء الذى كان لم يعد موجودا عند وفاة أحد أبناء القرية كانت عقارب الساعة تتوقف ومعها كل مظاهر الفرح والاحتفال كان الكل يحزن ويتألم.حدث ذلك عندما كنا نحمل مشاعر رقراقة وقلوب نقية طاهرة. اليوم الفرح والعزاء فى مكان واحد أصوات قارئ القرآن لا تجد متسعا فى الفضاء بعد أن زاحمتها أصوات الديجيهات وصراخ ما يسمون أنفسهم بالمطربين والمطربات. بالأمس القريب كنت أتحدث مع صديق لى عما آل إليه حال القرية المصرية وعدنا بالذاكرة إلى الوراء عندما كانت وشائج الحب هى الرابط بين الناس وكانوا يعرفون أن للجار حقوقا وأن زيارة المريض واجبة وأن الإيثار خلق عظيم وأن توقير الكبير فريضة إلخ ما كان متعارفا عليه من صفات حميدة وأخلاق خرجت من الخدمة وتمنينا سويا لو عادت بنا الأيام إلى الوراء. الزمن الفائت هل يعود؟؟