لم يبتكر ترامب فكرة جديدة بشأن غزة.. ولكنه يحاول إحياء الفكرة الصهيونية القديمة بإنشاء ريفيرا استيطانية استعمارية فى المنطقة..لتحقيق هدفيين رئيسيين: أولهما خلق بؤرة استيطانية مميزة لليهود وثانيهما العمل على تفريغ الأراضى المحتلة من سكانها وخاصة غزة من الغزاويين بأى طريقة..
وكان الفكر اليهودى الاستعمارى يركز على الاستيطان على محورين داخل الأراضى الفلسطينية وخارجها وذلك تحت إشراف المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية وهما الجهتان المنوط بهما وضع خطط وإستراتيجيات التوسع الاستيطانى والعمل على تنفيذه..
وحلم الريفيرا على ساحل المتوسط لم يتوقف منذ عرض تيودور هيرتزل واللورد روتشيلد الفكرة على وزارة المستعمرات البريطانية فى العام 1902 وتجددت مرات عدة كان آخرها مقترحات موشى ديان حول اقامة مستعمرة ضخمة فى ياميت بسيناء..وقد فشلوا فى تنفيذها فى ساحل سيناء وتحديداً فى ياميت بالقرب من العريش رغم ما بذلوه من جهود على كافة لمستويات بدءًا من وضع الخطط والدراسات وطرق التمويل وحبك مؤامرات التسلل للمنطقة والتحالفات المريبة مع القوى الدولية آنئذ..
تكشف السجلات والمحاضر السرية وغيرها للاجتماعات الصهيونية او مذكرات وزارة الخاجية البريطانية «دولة الاحتلال فى مصر والانتداب على فلسطين» ان قطاع غزة على وجه التحديد او الحدود الغربية لفلسطين كان الهاجس والهم الاكبر لدولة الاحتلال وشغل حيزا كبيرا من تفكيرهم بل انه كان يمثل صداعا مستمرا وهما لا يطاق على كافة المستويات..
ولم تهدأ المحاولات لتفريغ قطاع غزة وتهجير أهله منذ ايام النكبة الاولى وقامت سلطات الاحتلال بتهجير العشرات والمئات من الاسر سواء الى الضفة الغربية والى الاردن وكذلك الى سيناء على الرغم من الاعتراضات الدولية واتهام اسرائيل بخرق القانون واتفاقية جنيف باعتبارها سلطة احتلال..لكنها كانت تضرب بكل ذلك عرض الحائط..كانت اسرائيل على يقين ان المخيمات الفلسطينية هى الخزان الاكبر والوقود الحيوى للعمليات الفدائية ضدها وانها المكان الامثل للهجمات التى تؤلمها بشدة..لذلك لم تتورع عن ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين اما بإبادتهم او تهجيرهم قسرا..
كان الطموح الاسرائيلى ولا يزال هو عزل غزة عن سيناء بعد ان فشلوا فى تحقيق اطماعهم فى سيناء وايجاد موضع قدم استيطانى او غيره فيها..
الفكر التوسعى هو المهيمن على الحركة الصهيونية لذلك اعتمد سياسة الاحزمة الاستيطانية لضم الاراضى بالقوة وعن طريق ربط المستوطنات ببعضها وضم الاراضى بينها كليا او جزئيا وقد برر الصهاينة التوجهات نحو انشاء مستوطنات كبرى داخل فلسطين وخارجها اى فى سيناء وضمها الى بعضها البعض هو الحاجة الى ادخال سدادة فى عنق قطاع غزة بحجة ان ذلك ضرورى لأمن اسرائيل خاصة وان الدوائر السياسية الاسرائيلية صورت غزة على انها كطعنة خنجر فى عمق قلب اسرائيل!!
لذلك عقدت المنظمة الصهيونية العالمية اجتماعا فى يوليو 1976 لوضع خطة إنشاء المستعمرات الجديدة فى المنطقة الواقعة ما بين ياميت فى رفح المصرية وبئر سبع ووافقت المنظمة على قرار لجنة المستوطنات وما سمى بمشروع الجنوب الذى يضمن انشاء ما بين مائة الى 110 مستوطنات جديدة يصل سكانها الى نصف مليون يهودى وتزود بنظام لتحلية المياه يعمل بالطاقة النووية بتكلفة 12 مليار شيكل!
اذن فكرة الريفيرا ظلت مسيطرة على الفكر الصهيونى ابتداء من هرتزل وروتشيلد وحتى ديان ويأتى الرئيس الامريكى الحالى دونالد ترامب ليطرحها متعاميا او متجاهلا وقائع التاريخ ومحتقرا قواعد القانون الدولى وكل الاصول والاعراف السياسية والدبلوماسية فى العصر الحديث.
والله المستعان..