كنا ثلاثة أنا وصديقى وابنه النابه العائد من أمريكا حيث يعمل مهندساً في أحد فروع شركة مايكروسوفت، وبينما يجلس الأب مستسلماً في حزن لابنه الذي راح يشرح له كيف أن الرفيق الافتراضي لينكي المعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي سوف يعوضه عن غيابه وأخته المقيمة مع زوجها بألمانيا وبعد وفاة الزوجة الأم وأخذ يعدد مزايا لينكي وما يمكن أن يقدمه من شخصية عاطفية وأحاديث لطيفة سوف يعجب بها ويحبها الأب، بل سوف يرتبط به إنسانيا.
إنه ليس مجرد روبوت المحادثة بسيطة بل تفاعلى إلى أقصى حد ويهز الأب رأسه مستجيبا لحديث الابن ويتطلع إلي في حسرة وصمت وأنا أحاول جاهداً ألا أنظر في وجه صديقي وتروج شركة سكاى وورك للذكاء الاصطناعي بسنغافورة لهذا الرفيق أو الحبيب أو الصديق الاصطناعي حيث يمكن للمستخدم أن يتحكم في تصميمه وجنسه ومواصفاته ليصبح صديقًا أو حبيبًا مثاليًا دون قيود من خلال التطبيق… مجرد تطبيق أهلا بكم في الألفية الثالثة.. ألفية جديدة وسعيدة.
إنها ألفية الإنفوسفير أو الغلاف المعلوماتي الذي يشكل الآن واقعنا الإنساني، هكذا يتحدث الفيلسوف وأستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات بجامعة إكسفورد ورئيس تحرير مجلة الفلسفة والتكنولوجيا لوتشيانو فلوريدي ويتساءل فلوريدي من خلال سؤال تطرحه إحدی شخصیات مسرحية شكسبير ضجة فارغة وهو من رفيقه الآن؟ ويجيب «فلوريدي» إنه وسيط اصطناعي، والسؤال متى يصبح هؤلاء الرفقاء – الوسطاء – سلعاً متاحة على نطاق واسع؟
هل يمكن أن يكون الرفيق الاصطناعي أفضل من الدمية بالنسبة للطفل؟ هل إقامة علاقات اجتماعية مع رفاق اصطناعيين يعد أمرًا خاطئًا أخلاقيًا؟ هل يتحول كبار السن مع الوحدة والشعور بالكآبة إلى مهاجرين إلكترونيين؟
هناك فلسفة جديدة للتاريخ تشكل صورة جديدة لعالمنا لعلها نهاية وبداية آخر يمكن أن نطلق عليه تاريخ «ما بعد الإنساني» تاريخ متسارع يضعنا أمام مواجهة كبرى لاستيعاب أى نوع من المعلومات والتطبيقات ترتب آثاراً أخلاقية وخيمة علينا مواجهتها بعقل واع وسلوك فعال للنجاة من هذا الغرق المعلوماتي وهناك من يطالب بهدنة أخلاقية مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي لكبح جماحها في ظل مخاطرها المرتقبة.
وقد قدم معهد فيوتشر أوف لايف، وثيقة وقع عليها ما يقارب من 3 آلاف عالم وباحث ورائد أعمال وقد كشفت الوثيقة مخاوفها إزاء السباق المحموم الذي تخوضه مختبرات الذكاء الاصطناعي التطوير ونشر عقول رقمية أكثر قوة.
وقد يخرج الأمر عن سيطرتها بحيث لا يمكن لأحد ولا حتى صانعيها فهم توجهاتها أو إمكانية التحكم فيها بثقة وأمان.
وأخيراً هل بوسعنا أن نطلب من تلك التطبيقات الذكية ما نشاء وعلى حد كلمات المبدع صلاح جاهين أقولك علشان ما تتلغبطش هات لي العمر من الأول وهات حبايبنا من تانى وهات الجيرة والصحبة وهات قلب ما يسودش وعيون جميلة ما تحسدش وعيش وملح ميتخانش!