ظل العالم يترقب طيلة مايقرب من الشهر الرد الإسرائيلى على هجوم إيران الأخير الذى جرى أول أكتوبر المنصرم وأخذ يتساءل ويخمن أحيانا كيف سيكون الرد وهناك من توقع شكله وحجمه وجاءت توقعاته فى محلها.. إنها لعبة «التوازنات» توازنات القوة فى المنطقة لأن ما نشاهده من تبادل للهجمات يمكن أن نطلق عليه بالعامية «علقة تفوت ولاحد يموت» أو على رأى صوت مصر الراحلة شادية «أوعى تعملها تانى».. لكل فعل رد فعل مساوى له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه.. هكذا تفعل كل من إسرائيل وإيران فى الفعل ورد الفعل ويحكمه فى الحالتين شبه اتفاق مسبق على استهداف المنشأت العسكرية فقط وهو ماجرى ويجرى بالفعل شريطة أن تكون حجم الأضرار شبه متساوية والوسيط هنا المعلم الكبير أمريكا الذى يؤيد استمرار الصراع لكنه ضد تصعيده وتوسيعه حتى لاتشهد المنطقة دمارا هائلا لن يكون فى مصلحة واشنطن.
قبل الرد الإسرائيلى ترددت أنباء تشير إلى أن تل أبيب تفكر فى استهداف المنشأت النووية والنفطية الإيرانية وهو مالم يحدث بناء على تعليمات أمريكية وتخوف إسرائيلى فى نفس الوقت لدرجة أن الرد الإسرائيلى لم يعجب الوزراء المتطرفين فى حكومة نتنياهو وقادة المعارضة الذين كانوا يريدونه رداً حاسماً ومؤلما على الهجوم الإيرانى الأخير.
سوف أفترض جدلاً أن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران ليست مسرحية من إخراج واشنطن وأتعامل مع هذه الهجمات بحسن النية وأطرح هذا السؤال ماهى الفائدة التى سوف تعود على الطرفين من تبادل مثل هذه الهجمات بالشكل الذى نراه والذى لايقدم ولايؤخر ولن يحسم الصراع فى المنطقة بل على العكس من ذلك تلك الهجمات تساهم فى تأجيج الصراع والعمل على استمراره وليس حله.. فهل هذا هو الدور الذى تقوم به كل من طهران وتل أبيب لجعل منطقة الشرق الأوسط على سطح صفيح ساخن؟!
سوف أفترض جدلاً أيضاً وأعتبر تلك الهجمات كانت «اختبار قوة» فما الفائدة من تكرارها بعد أن تلقى كل طرف ضربتين وأصبح كل منهما يعلم قدرات الطرف الأخر العسكرية ومن يسانده ويدعمه وقدرة كل طرف على الوصول إلى الطرف الآخر سواء بصواريخ ومسيرات أو بمقاتلات؟.. لقد ترددت أنباء أن طهران سترد على إسرائيل ردا حاسما ومؤلما فى الوقت الذى قال فيه رئيس أركان جيش الاحتلال إذا أطلقت صواريخ إيرانية سنعرف الوصول إلى طهران مرة أخرى بقدرات لم نستخدمها بعد.
لقد حرص كل طرف فى الهجمات السابقة على عدم التصعيد فهل يحافظان على ذلك فى المرات القادمة إن حدثت ويمارسان دورهما بتأجيج الصراع فى المنطقة دون التفكير فى الوصول إلى حل؟.. يبدو أن الأيام المقبلة تزامنا مع الانتخابات الأمريكية التى تجرى بعد غد ستكون حاسمة فى مصير ومستقبل منطقة الشرق الأوسط إما نشهد إنفراجاً وشكلا من أشكال التهدئة وإما نشهد تصعيداً وتدخل المنطقة فى حرب إقليمية شاملة الخاسر فيها الجميع.