ديون العالم تصل إلى 315 تريليون دولار..
ودين أمريكا يتجاوز 122 ٪ من ناتجها المحلى الحكومة :
ندير ديوننا بكفاءة عالية .. ولدينا خطة متكاملة للنزول بالمعدل إلى 85 ٪ من الناتج
أساتذة الاقتصاد
يكتبون روشتة العلاج الدائم .. ويضعون الصادرات
والتصنيع فى المقدمة
تظل قضية الدين العام واحدة من أهم القضايا التى تؤرق وزراء المالية فى العالم كله ، وتشغل حيزا كبيرا فى مناقشات وآراء الاقتصاديين حول سلامة السياسات المالية والنقدية للدولة، ومدى كفاءة الحكومات فى إدارة الدين واستغلال القروض المحلية والدولية التى تحتاج إليها. والدين العام للدولة – كما يعرفه أساتذة الاقتصاد – هو المبلغ الإجمالى للأموال التى تقترضها الحكومة من الأفراد أو المؤسسات المحلية أو الأجنبية لتغطية عجز ميزانيتها أو لتمويل مشروعاتها واستثماراتها. ويعتبر هؤلاء أن الدين العام أداة مالية مهمة تساعد الحكومات على تلبية احتياجات الإنفاق العام عندما لا تتوفر لها الإيرادات الكافية من الضرائب وغيرها من الموارد.
التقارير المالية الدولية تقول إن كل الدول – بما فيها الدول الكبرى – تقترض وتستدين، وأن حجم الديون العالمية بلغ نحو 315 تريليون دولار، وفقا لتقرير معهد التمويل الدولى الصادر فى مايو الماضى .
وأساتذة الاقتصاد يقولون إن الدين ليس كله شرا، وإنما له آثارا إيجابية لاتقل أهمية عن آثاره السلبية : فالقروض التى تحصل عليها الدولة قد تساعد فى تحقيق النمو الاقتصادى إذا تم استخدامه لتمويل مشروعات تنموية تزيد من الإنتاجية وتولد فرص العمل ، كما يمكن أن يساعد فى تعزيز الاستقرار المالى فى الأوقات الحرجة. أما ارتفاع الدين العام بشكل كبير فيمكن أن يؤدى إلى تدهور تصنيف الدولة الائتمانى وزيادة تكلفة الاقتراض ، ويفرض ضغطًا على الاقتصاد إذا اضطرت الحكومة إلى رفع الضرائب أو تقليل الإنفاق لسداد هذا الدين.
لذلك من المهم أن تتبنى الحكومات سياسات حكيمة لإدارة الدين العام بشكل مستدام. يتضمن ذلك التحكم فى حجم الاقتراض والتأكد من أن الديون تستخدم بشكل فعال فى تحقيق الأهداف الاقتصادية. كما يتطلب ذلك وضع استراتيجيات لسداد الدين فى الأجل الطويل، وضمان أن الدين لا يتجاوز مستويات يمكن السيطرة عليها بحيث لا يعيق التنمية الاقتصادية.
وإذا كانت دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية تمتلك أكبر وأقوى اقتصاد فى العالم ، وبالرغم من ذلك يتجاوز حجم دينها العام 35 تريليون دولار، أى ما يعادل 122.5 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى لها ، ودولة مثل اليابان تأتى فى المرتبة الثانية فى قائمة الدول الأكثر ديونا فى العالم بعد فنزويلا ، فإن الوضع فى مصر يؤكد أننا بالفعل فى منطقة آمنة وأن مشكلة الدين العام – على قدر خطورتها وأهميتها – ليست بالشكل الذى يصوره البعض ويدعى جهلا وكذبا أن حجم الدين العام فى مصر قد ارتفع لمستويات قياسية ويهدد بكوارث اقتصادية!!
والأرقام تشير الى أن الدين الخارجى المستحق على مصر تراجع إلى 152.9 مليار دولار بنهاية يونيو الماضى مقابل 160.6 مليار دولار فى نهاية مارس، و168 مليار دولار فى ديسمبر العام الماضي.
وهذا ما أكد عليه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فى لقائه مع عدد من المفكرين الأسبوع الماضى ، حين قال إن الحكومة عملت خلال الفترة الماضية، على إصلاح السياستين النقدية والمالية، وأن الدين الخارجى انخفض بأكثر من 15 مليار دولار خلال 6 أشهر، نتيجة الإجراءات التى اتخذتها الدولة ونجاحها فى إتمام صفقة رأس الحكمة، إضافة إلى مجموعة من الإصلاحات التى طبقتها الحكومة ، وقال إن الحكومة تعتزم الاستمرار والمحافظة على هذا النهج على المديين المتوسط والطويل، مع التأكيد على أن ذلك تحقق فى ظل التزام الدولة المصرية بالوفاء بسداد أقساط الديون المستحقة فى مواعيدها المُحددة.
أما أحمد كجوك وزير المالية فقال إن الوزارة لديها برنامج متكامل لخفض المديونية الحكومية على المدى المتوسط، وتعمل على خفض تكلفة الدين وتنويع قاعدة المستثمرين والعملات والأسواق وإطالة عمر الدين من أجل تعزيز «درجة الـثقة» للاقتصاد المصري، وتستهدف الحفاظ على تحقيق فوائض أولية سنوية للنزول بمعدل إلى أقل من 85 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى مع نهاية العام المالى المقبل.
أساتذة الاقتصاد وخبراء المالية ومن بينهم الدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق ، قال لـ «الجمهورية» إن الديون واحدة من المشكلات التى تحتل حيزا كبيرا من اهتمام المعنيين بالشأن الاقتصادى ، سواء من جانب الحكومة أو المهتمين والعاملين فى مجال الاقتصاد ، باعتبارها أحد الأدوات المالية التى تلجأ اليها الدولة لعلاج عجز الموازنة أو لتوفير التمويل اللازم لمشروعات التنمية .
أضاف إن الدول النامية عادة ما تكون فى حاجة للاستدانة الخارجية بسبب ضعف معدلات الادخار المحلية لديها ، لكن تعظيم الاستفادة من الديون الخارجية يتطلب بشدة استخدامها بكفاءة عالية ، ومن الضرورى أن تدر هذه القروض عائدا يسمح بسداد الدين وأعبائه.
وشدّد على أن مشكلة الديون ليست فى حجمها المطلق أو حتى كنسبة من الدخل القومى بل فى قدرة الدولة على سداد هذه الديون وتحمل تكلفتها.
ويوضح أن فى مصر، هناك تساؤلات حول النقطتين السابقتين: استخدام الدين، وقدرة الاقتصاد على خدمته.
ويضع الدكتور جلال روشتة لعلاج المشكلة ، قائلا أنه ليس هناك مفر من تنمية قدرة الاقتصاد على توليد عملة أجنبية من خلال زيادة حجم الصادرات، وتحويلات العاملين فى الخارج، وتنشيط السياحة ، وزيادة رأس المال الأجنبى المباشر.
ويضيف أنه بالنسبة للدين العام المحلي، فإن الحل يكمن فى تخفيض عجز الموازنة، وإعادة هيكلة الدين ، وعدم الاعتماد على تمويل هذا العجز بطبع النقود.
وحول أهمية الصفقات الكبرى التى أبرمتها الحكومة مؤخرا ، والتى أدت الى تدفق كبير للعملة الأجنبية وزيادة حجم الاستثمار الأجنبى المباشر ، مثل مشروع رأس الحكمة وغيرهما ، وهل مثل هذه المشروعات كافية للتغلب على مشكلة الدين الخارجي؟
قال الدكتور أحمد جلال إن هذه المشروعات والصفقات المهمة تساهم مؤقتا فى حل مشكلة الدين الخارجى ، ومع تحويلات المصريين وزيادة الاستثمارات تسهم فى توفير عملة أجنبية تدعم رفع قدرة الدولة على سداد خدمة الدين ، لكن هذه الحلول لا تغنى عن الحلول الدائمة مثل زيادة الإنتاج والصادرات زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر وهو ما تعمل عليه الدولة الآن سعياً لزيادة الاستثمار المباشر والتصنيع.
أما الدكتورة عالية المهدى – عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة – فتقول إن من المهم أن تسعى الدولة لخفض الدين العام ، وقد أحسنت الحكومة عندما نجحت فى خفض الدين خلال الشهور الستة الماضية من 168 مليار دولار الى 153 مليار دولار، وهذا أمر يحسب لها، لكن الطريقة المثلى أن يكون لديك مصدر دخل بالعملة الأجنبية مستقل ومستقر من الخارج مثل الصادرات الذى يعد من أفضل الطرق لذلك ، فإذا تمكنت الدولة من زيادة صادراتها فإن ذلك سيعد وسيلة مثلى تزيد اعتمادنا على مصادرنا الذاتية لتوفير احتياجاتنا ونقلل اعتمادنا على القروض وما شابه ذلك.. وهذا لن يتأتى إلا عن طريق التصنيع ، وهو المسار الذى تتجه إليه الدولة وتقدم فيه تيسيرات عديدة لجذب المزيد من الاستثمارات فى هذا القطاع لكنه يحتاج جهد مضاعف.
النقطة الثانية ان نسعى جاهدين لتخفيض حجم الدين ، بمعنى إذا كنا سنقترض فلابد أن تكون قدرتنا على السداد أكبر من حجم القروض التى نسعى للحصول عليها، وأن تكون لدينا خطة واضحة المعالم حول كيفية تخفيض حجم الدين.
تضيف أنه من المعلوم أن كل دول العالم مديونة بدرجة أو بأخري، وهذا ليس فى حد ذاته عيبا ، وإنما العيب أن يمثل الدين عبئا كبيرا على الموازنة العامة للدولة.
وفى مصر لا ننكر أن حجم الدين العام وتكلفة أقساطه وفوائده أصبح عبئا كبيرا لأنه يمثل نحو 60 ٪ من حجم الموازنة العامة للدولة ، وفى المقابل كلما انخفض حجم الدين وأعبائه ، فإن ذلك يسمح للحكومة بإقامة استثمارات جديدة وتوجيه إيرادات الموازنة لمجالات مهمة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية وتحسين الخدمات التى تقدمها للمواطنين.
أشارت الى أنه من المهم جدا إدارة الدين العام بكفاءة عالية ، ووضع خطة واضحة ومدروسة بعناية لتخفيض الدين العام ، واستخدام الديون الجديدة فى مجالات مدرة للعائد بدرجة أكبر من قيمة الدين حتى يسهل على الحكومة سداده.