لا يُستبعد فى انتخابات الولايات المتحدة أن يفوز رئيس من الأقلية، ومن ثم يختار هو قضاة المحكمة العليا، ثم يصدق على تعيينهم أعضاء بمجلس الشيوخ لا يمثلون الأمريكيين بالتساوي. هذا هو عين ما حدث مع الرئيس الامريكى السابق دونالد ترامب فى 2016.
تشهد الولايات المتحدة فى 5 نوفمبر كبرى انتخاباتها التى تشمل انتخاب الرئيس ونائبه وأعضاء بغرفتى الكونجرس وحكام ولايات أيضًا. هذا ما جرى عليه العرف منذ إتمام الدستور الأمريكى فى 1788 الذى ينص على أن النظام الحاكم للإمبراطورية الأمريكية هو «ديمقراطية التمثيل» وتعنى أن الأمريكيين ينتخبون حكامهم فى الولايات والنظام الفيدرالي.
هذا يبدو منطقيًا، لكن متابعة الشأن الداخلى الأمريكى تُفضى إلى أن سُلطات التنفيذ والتشريع والقضاء تعانى عوارًا كبيرًا يقدح فى نزاهة ديمقراطيتها وفى أعلى مناصبها.
ساكن البيت الأبيض
الرئيس الأمريكى لا يختاره الأمريكيون مباشرةً، بل ينتخبون أعضاء المجمع الانتخابى ويفوضونهم فى اختيار الرئيس بناءً على وعد يقطعه هؤلاء الأعضاء باختيار أحد مرشحى الرئاسة.
لكن هذا لا يحدث دائمًا، ففى 2016 فاز ترامب بمنصب الرئيس رغم أن منافسته حينها هيلارى كلينتون حصدت أصواتًا عامة أكثر منه. هذا ليس خطأ فى التطبيق، وإنما فى الطريق الذى تسير عليه «ديمقراطية التمثيل» الأمريكية. ففى بعض الولايات يجوز لأعضاء المجمع الانتخابى اختيار مرشح آخر غير الذى وعدوا بانتخابه، وفى ولايات أخرى غاية يحدث حينها أن يُغّرم العضو الحانث مالًا، لكن الولايات تلزم نفسها اختيار العضو، وقد لا يعاقبون أصلا فى بعض الولايات، كما أنه من العسير تتبع الحانثين فى وعدهم، لأن التصويت سرى على أى حال.
مجلس الشيوخ
يتكون الكونجرس من مجلسى الشيوخ والنواب؛ مجلس الشيوخ صاحب الكلمة الفصل فى الكونجرس، لكنه لا يمثل الأمريكين بالتساوي، لأن عدد أعضائه ثابت عن كل ولاية (وهو اثنان).
فمثلًا ولاية وايومنج بها نحو 600 ألف شخص وولاية كاليفورنيا بها نحو 40 مليون، لكن لكل منهما عضوان فى مجلس الشيوخ. وبالتالى يجوز أن يعارض عضو بمجلس الشيوخ انتخبه عشرات الآلاف قرارًا لرئيس انتخبه عشرات الملايين.
مجلس النواب
التمثيل هنا نسبة لعدد سكان الولاية، لكن مجلس النواب ليس صاحب الكلمة الفصل لأن من فوقه مجلس الشيوخ؛ وهذا يؤدى إلى كثرة المشكلات بين الجمهوريين والديمقراطيين وعِنادهم وشلل الحكومة كما حدث عدة مرات.
وربما لا يجدون مخرجًا لخلافهم إلا بالمساومة، كأن يعتمد رئيس جمهورى الميزانية فى مقابل تراجع الديمقراطيين عن بعض خططهم، لا سيما وأن مجلس الشيوخ يعانى مماطلة سياسية دستورية.
الفليباستر
المقصود بهذا المصطلح المماطلة السياسية والنقاش الفارغ بلا نهاية فى جلسات مجلس الشيوخ بهدف تعطيل تشريع القوانين. وسببه أن الحزب الفائز فى مجلس الشيوخ غالبا يكون بينه وبين الحزب الآخر فارق بسيط يُعجزه عن تمرير قوانينه. فسن القوانين فى مجلس الشيوخ يلزمه 60٪ من أصوات أعضائه، فلتجأ الاغلبية الفائزة إلى مساومة الأقلية الخاسرة.
لكن هذا ليس العوار الوحيد الذى يصيب «ديمقراطية التمثيل» فى التشريع الأمريكي، فيجوز فى الولايات المتحدة أن يختار السياسيون ناخبيهم.
جيرى ماندرينج
يُقصد بالجيرى ماندرينج نقل حدود الدوائر الانتخابية بهدف تفتيت كتلة انتخابية مناوئة، وهو أسلوب تتبعه الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن. ومثل ذلك أن يعيد الديمقراطيون تعيين حدود منطقة أغلبيتها جمهورية، بحيث يصبح الجمهوريون أقلية فيها، فتتفرق أصواتهم ويخسرون الانتخابات.
القضاء
المحكمة العليا فى مقاطعة كولومبيا (العاصمة واشنطن) هى أعلى سلطة قضائية فى الولايات المتحدة. وأعضاؤها يرشحهم رئيس الجمهورية إلى مجلس الشيوخ الذى يؤيد تعينهم بالأغلبية البسيطة، ومن ثم يظلون فى منصبهم حتى وفاتهم أو عجزهم عن العمل.
وجدير بالذكر أن ترامب عيّن وحده 3 من أعضاء المحكمة وهم 9، لهذا يعارضه الديمقراطيون بشراسة خشية أن يعود إلى البيت الأبيض، ويستحوذ بذلك الجمهورين على كل السلطات.
ويكاد يستحيل عزل أحد القضاة من منصبه، ولم تحدث إلا مرة واحدة من 120 سنة، لأن عزل القضاه يلزمه موافقة الكونجرس بغرفتيه، وكما قلنا فالديمقراطيون والجمهوريون كلاهما عاجز عن الفوز بأغلبية كبيرة.
وهؤلاء القضاة يستحوذون دون غيرهم على سلطة تفسير الدستور والذى يكاد يستحيل تعديله. فواضعو الدستور كانوا من الأثرياء والنخبة وصاغوه بحيث يحافظ على ثرواتهم ونفوذهم دون أن يشاركهم فيها عامة الشعب من العمال والفلاحين والعبيد.
حزبان لا أكثر
لا يرضى كثير من الأمريكيين عن الحزبين الجمهورى والديمقراطي، لكن لا تعدد أحزاب هناك، فالأحزاب الأخرى صغيرة وعاجزة عن فرض نفسها، كما لا يسع أحد الترشح وحده، لا سيما فى المناصب الفيدرالية. لهذا كان بيرنى ساندرز يترشح على قوائم الديمقراطيين رغم أنه ليس عضوًا فى حزبهم.
ويعتاد بعض المستقلين ترشيح أنفسهم فى انتخابات الرئاسة، ليس للفوز، وإنما لينالون دعاية شبه مجانية يسوقون بها أنفسهم تمهيدًا لانتخابات أخرى أو لهم فيها مآرب أخري.
أحزاب داخل الحزب الواحد
الحزب الديمقراطى تحديدا يسميه الأمريكيون السيرك أو الخيمة لأنه بداخله نحو ست جبهات قد تتحالف وقد تختلف وقد تتحارب ولا يوحدهم سوى عداء الجمهوريين، أبرزهم التقدميون وقدامى الحزب والمعتدلون.
كما أن الاختلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين متجذرة تقريبا فى كل الملفات، المناخ، الصحة، التعليم، الحرب، الزواج، الجنس، الانجاب، والمهاجرون وحتى مد الطرق وتخطيط المدن والمواصلات.