«الدروس المستفادة» من «سكة الندامة» 1-2
فى اعتقادى أن الأسباب الجوهرية والأساسية لما جرى فى المنطقة من كوارث من سقوط وضياع دول سواء خلال الـ15 شهرًا الأخيرة، أو على مدار العقود الماضية، وآخرها سوريا، هو غياب قوة الدولة الوطنية ومؤسساتها، بل حملت أسباب ومقومات سقوطها، وضياعها.. خاصة هشاشة الداخل.. من صراعات ووجود طائفية ومذهبية، وجماعات وحركات وميليشيات موازية للدولة ومدججة بالسلاح تنافس الجيوش الوطنية والأجهزة الأمنية، وأحيانًا تفوقها فى القوة والعتاد، لذلك نجحت التناحرات والمشاحنات والصراعات الداخلية، فى إضعاف الدولة وفقدانها السيطرة على البلاد، والقرار الوطني، وعدم القدرة على فرض الأمن والاستقرار بالشكل المطلوب، بل تتورط الدولة أحيانًا.
وغياب الدولة الوطنية ومؤسساتها والاستثمار فى قوتها وتماسكها وتعظيم وعى الشعوب، والقضاء على روح الطائفية والمذهبية والانقسام والفرقة، وتحويلها إلى طاقة فياضة من الاصطفاف خلف الوطن فى دولة القانون والمؤسسات دون تفرقة أو تمييز وفى إطار من العدل والمساواة وإعلاء مبدأ المواطنة والمصلحة الوطنية العليا، وينهصر الجميع فى بوتقة ومنظومة الدولة القوية والقادرة بمؤسساتها والتفاف ووعى شعبها.
إذا رصدنا الدول التى تعانى من أزمات واضطرابات وصراعات وتطاحن داخلي، وتمكن القوى الخارجية من مفاصلها، واشاعة الفتن فيها والعمل على نقاط الضعف والثغرات فيها نجد أن أسباب أزمة ومعاناة هذه الدول أنها لم تجد من يعمل على سد المنافذ التى يمكن أن تدخل منها قوى الشر، فلم تكترث أنظمة هذه الدول بطبيعة معوقات ومكوًّنات شعوبها، ولم تنجح فى القضاء على روح الطائفية والمذهبية والتعدد والتنوع بداخلها، بل كانت وقودًا لحرقها ولم تلتفت إلى أهمية توحيد الصفوف، وبناء دولة القانون والمؤسسات وأن يكون الفيصل للمواطنة دون النظر إلى الأديان أو الطوائف أو المذهبيات أو المرجعيات، كان يمكن لهذه الدول أن تستثمر فى هذا التنوع وتحوله إلى نموذج فريد فى اطار دولة العدل والمساواة دون النظر إلى المرجعيات الدينية أو الفكرية، وباتت الآن و بعد فوات الآوان تبحث عن فكرة الدولة الوطنية التى تحتوى الجميع، ويصطف الشعب تحت راية واحدة ولم تكترث بأهمية بناء الإنسان بشكل شامل ومتكامل، وتوفير سبل العيش الكريم له وإدراكه لقيم العدل والمساواة وعدم التمييز التى ترسخها الدولة، ولم تلتفت هذه الدول إلى أهمية دعم الهوية الوطنية، وتحويل التعددية إلى طاقة ايجابية مثلما فعلت الكثير من الدول، ولم تملأ الفراغات الفكرية فى عقول شعوبها، ولم تلتف إلى خطورة الغزو الثقافى والفكرى الذى يستهدف هذه العقول بل تركت الساحة فارغة أمام حروب تزييف الوعى وتغيير الهوية، والطرق على الثغرات واساءة استخدام التنوع والتعددية وتحويلها إلى روح عدائية وصراعات طائفية ومذهبية والغريب أن أنظمة دول الأزمات لم تنجح فقط فى الاستثمار فى بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها القوية وبالأخص الجيش الوطنى لكن زادت الطين بلة، فى تغذية وتكريس الانقسامات والطائفية، ظنًا وزعمًا منها أنها ستؤدى إلى قوة انظمتها، واستمرارها وهى حسابات وتقديرات خاطئة بل فتحت منافذ عريضة لقوى الشر، للدخول منها، والبناء عليها حتى لو استمر هذا البناء لعقود طويلة لكنه فى النهاية أفضى إلى خراب ودمار وسقوط هذه الدول فالشعوب التى تمتلك عمق الانتماء والولاء والوعى الحقيقي، والاصطفاف خلف الوطن والقيادة وتحظى بالعدل والمساواة وعدم التمييز والسلام المجتمعي، وتوفير سبل العيش الكريم، وإعلاء مباديء النزاهة والشفافية، هى شعوب تتمتع بالرضا، واليقين، والالتفاف حول الدولة الوطنية.
سوريا تدفع ثمنًا باهظًا بسبب الانقسامات وباتت حالة التنوع والتعددية فيها سلاحًا معاكسًا وبدلاً من استثماره تم اهداره فى صراعات طائفية ومذهبية وانقسامات وخلق قناعة زائفة من القهر والتمييز اعتبرتها طريق الاستقرار، ولم يدرك النظام السورى أن وطنه هدف لقوى الشر، وبدلاً من أن يسد الثغرات ويجسد شعبة، ويبنى دولة القانون والمؤسسات بكل رؤية وإرادة واصرار، واصل نفس الطريق الذى أفضى فى النهاية إلى سقوط النظام، ووضع سوريا على محك الضياع، بالإضافة إلى كثرة التدخلات الخارجية، والتواجد الأجنبى على الأراضى السورية سواء كان مواليًا ومتحالفًا مع النظام أو معاديًا، ولم يستطيع النظام خلال السنوات الأخيرة فرض سيادة الدولة بالكامل لكن كان يتواجد على أجزاء منها، سواء فى حوزته، أو لصالح الحلفاء الروس والإيرانيين، واستقر على الأراضى السورية منتخب العالم للإرهاب، وأيضا تحولت سوريا إلى ساحة حرب لصراع النفوذ الإقليمي، وأيضا الدولي، وتعددت الاعلام والرايات، كل ذلك لسببين، غفلة النظام وعدم ادراكه المبكر وعدم قدرته على استشراف المستقبل فى العمل على بناء الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها القوية والتبكير بإجراء مصالحة وطنية مع مكونات الوطن الحقيقية بعيدًا عن الجماعات والميليشيات الإرهابية المسلحة بالإضافة إلى كثرة التدخلات الأجنبية، والاستعانة بقوى خارجية تعمل لصالح بقاء النظام وفى النهاية تخلى حلفاء بشار عنه فى اطار لعبة المصالح، فالروس ضمنوا مصالحهم وتواجد قواعدهم العسكرية وقواتهم ومنافذهم على البحر المتوسط فى سوريا بالإضافة إلى تموضع القوات الروسية فى مناطق النفوذ ربما يكون هناك وعود أو اتفاق مع رئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب لحل الأزمة الاوكرانية وانهاء هذا الصراع.
وللحديث بقية