كتب أخى وزميلى العزيز الدكتور عبدالمنعم المشاط أستاذ العلاقات الدولية والأمن القومي، وأحد أعلام الرعيل الأول من خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى أفخر بالانتماء إليها، مقالا مهما فى صحيفة «الأهرام» يوم الاثنين الماضي، أطلق فيه نداء أو مبادرة بالغة الأهمية، بعنوان «لحظة التضامن العربى والفريضة الواجبة الآن».
إن التضامن العربى حلم كبير من أحلام جيلنا، وأجيال عديدة قبلنا، وأجيال بعدنا إلى اليوم، ليس فى مصر فقط، بل فى كل أنحاء العالم العربي.
وهو حلم قائم على يقين بأنه لإبقاء ولا قوة ولا مستقبل للعالم العربى ككيان إقليمى بين القوى الدولية دون بلوغ هذا التضامن وتجسيده عمليا، عقيدة وتوجها وسلوكا فى العلاقات البينية العربية، والعلاقات العربية الدولية.
لعل إطلاق هذا النداء أو المبادرة من جانب الدكتور المشاط الآن فى شهر يوليو، ومع اقتراب الاحتفال بالعيد الثانى والسبعين للثورة المجيدة، يمثل رسالة فى توقيتها الصحيح، بأن هذا الحلم لم يندثر، بل مازال حياً فى الوجدان العربي، بل وأصبحت الظروف الإقليمية والعالمية القائمة، والتطورات المحتملة، تجعل تحويل هذا الحلم إلى حقيقة فريضة واجبة بالفعل.
لقد انطلق الدكتور المشاط فى ندائه أو مبادرته المهمة، من قاعدة، أن رد الفعل العربى لحرب الإبادة والتجويع والتهجير القسرى التى تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والإرهاب الإسرائيلى فى القدس والضفة الغربية وجنوب لبنان لم يكن، وليس كافيا لردع إسرائيل ودرء خطر الاستعمار الكامل للضفة الغربية وغزة.
وانتقل إلى عرض الإطار القانونى القائم منذ إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945، تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول العربية، خاصة المادة الثانية من هذه الاتفاقية والتى تنص على أن تعتبر الدول الموقعة عليها أى اعتداء مسلح يقع على أى منها اعتداء علينا جميعا تلتزم بالمبادرة إلى معونة الدولة المعتدى عليها وتتخذ جميع التدابير بما فيها استخدام القوة المسلحة لرد العدوان ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما.
ويضيف، أن ما يجرى الآن ضد فلسطين ولبنان وسوريا من جانب إسرائيل يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومى العربي، واللحظة الحاسمة للتضامن العربى ضد المشروع الصهيونى التوسعي، وضد السياسة الأمريكية الرهينة لهذا المشروع.
ويوضح الدكتور المشاط هذه اللحظة الحاسمة للتضامن العربى فى ضوء تطورات النظام الدولى الراهن وديناميات النظام الإقليمي، ويعترف بأنه لا يمكن التقليل من مركزية الولايات المتحدة فى النظام الدولى الراهن، وخضوعها فى عقدة الصراع العربى الإسرائيلى لهيمنة إسرائيل والمسيحية الصهيونية، وأن الوضع الإقليمى ليس أفضل بكثير من النظام الدولي.
وينتهى الدكتور المشاط إلى صيغة التضامن العربى الذى يدعو إليه، بقوله إن التضامن العربى فى شكل كونفدرالية عربية وحلف عسكرى دفاعى صار حتمية، إن أردنا حماية أوطاننا وأراضينا ومواردنا وتأمين مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.. فهذه لحظة تضامن الأمة العربية ضد تكالب الدول الطامعة فيها.
هذا ملخص اجتهدت قدر الطاقة فى أن أجعله وافيا وكافيا لتفاعل قارئى «الجمهورية» مع الفكرة، ومع تعليقى عليها.
إننى أضم صوتى إلى صوت الدكتور المشاط وندائه، بلا تحفظات، حول اعتبار ما يجرى على الأرض العربية اليوم يشكل تهديداً للأمن القومى العربي، ويستدعى اللحظة الحاسمة للتضامن العربي.
وأن التضامن العربى كان ومازال إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية المصرية، إقليمياً وعالمياً فى مختلف العصور، بل وكانت الوحدة العربية أحد أحلامنا الكبرى التى سعينا إليها واستجبنا لسعى غيرنا وجسدناها فى تجارب الوحدة المصرية السورية، والاتحاد العربى مع سوريا وليبيا، وهى تجارب واجهت تحديات عديدة داخلية وخارجية أحبطتها.
وأننا وصلنا فى العالم العربى إلى حالة من التفكك وغياب البوصلة القومية وسط تعدد الارتباطات والتداخلات الإقليمية والدولية، بحيث أصبحت مصطلحات مثل الأمن القومى العربى والتضامن العربى تتردد أحيانا للاستهلاك المحلى داخل العالم العربي، أو كمصطلحات تاريخية تنتمى إلى الماضى رغم أنها حية داخل الوجدان العربي، وجاهزة للانطلاق مع أى دعوة حقيقية وجهد مخلص لإعادتها إلى أرض الواقع.
لقد دعا الدكتور المشاط فى مقالة صديقيه الخليجيين الدكتور عبدالخالق عبدالله والدكتور أنور قرقاش، وزملاءه فى كلية «نايف» للأمن الوطنى ومراكز الأبحاث والدراسات فى الجامعات العربية إلى الدفع بالدول العربية إلى التضامن القومى لمواجهة المتغيرات الدولية التى تمهد لنظام دولى لن يكون تحت القيادة الأمريكية التى فقدت مصداقيتها.
وسؤالى هو: كيف تقوم هذه المراكز البحثية بهذه المهمة القومية الجليلة؟!
إن آلية هذه المراكز هى البحث، والفكر،ووضع الرؤى والتصورات الملهمة التى تستطيع أن تنير الطريق أمام القادة والشعوب للتحرك نحو تحقيق هذا الهدف.
ولا تنجح رؤية أو تصور لا يضع الواقع القائم فى اعتباره، ويسعى إلى استكشاف سبل فض تشابكاته، وإيجاد آليات للتعامل مع تناقضاته، وتذليل عقباته.
لدينا معاهدة دفاع عربى مشترك وتعاون اقتصادي، يمضى شقها الاقتصادى فى طريقه وإن كان ببطء كبير، ويتعثر شقها الدفاعي، الذى يكاد أن يكون معطلا.
لقد شهدنا لحظة تجلى فيها التضامن العربى فى أفضل مستوياته، وذلك فى حرب أكتوبر 1973، وتم تطبيق هذه المعاهدة حرفيا، سواء فى شقها الدفاعى من خلال مشاركة عدد من الدول العربية بقوات عسكرية رمزية مع الجيش المصرى فى الحرب.
أو فى شقها الاقتصادي، بمبادرة الدول البترولية العربية بقيادة المملكة السعودية والإمارات العربية بإشهار سلاح البترول فى وجه الدول الغربية المساندة لإسرائيل وقطع إمداداته منها.
هل الواقع العربى اليوم يسمح بتكرار هذا النموذج مع أى دولة عربية؟!
العالم العربى اليوم موزع بين دول ترتبط بمعاهدات سلام مع إسرائيل بعد تحرير أراضيها من الاحتلال الإسرائيلي، كيف يمكن ايجاد وسيلة لفك التداخل بين التزامات الدولتين بنصوص هذه المعاهدات، وبين التزاماتهما بنصوص معاهدة الدفاع العربى المشترك؟!
هناك دول عربية لم تتعرض أراضيها للاحتلال من جانب إسرائيل، ولا تربطها بها معاهدات ترتب التزامات مشتركة ومتبادلة معها لكنها وجدت من مصلحتها الوطنية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل دون انتظار تحقق شرط التطبيع وهو حل القضية الفلسطينية، كيف يمكن التوفيق بين هذا الوضع وبين معاهدة الدفاع العربى المشترك والتزاماتها؟
هناك دول عربية ترتبط بشراكات استراتيجية مع أمريكا.. ودول تعتبر أمريكا راعية لأمنها وضامنة لاستقرارها.. كيف يمكن ايجاد آليات للتوفيق بين هذا الوضع وبين التحالف الأبدى بين أمريكا وإسرائيل؟!
هذه أسئلة أضعها أمام أخى وزميلى العزيز الدكتور المشاط وصحبه وأظن أنها لا تخفى عليهم، لكن ما نحتاجه هو صياغة منهج للتعامل مع كل هذه القضايا حتى نحقق التضامن العربى المنشود.