«كتاب من الكتب ألفه كاتب من الكتَّاب» كان هذا هو التعليق الساخر المقتضب للدكتور طه حسين حول العاصفة النقدية التى أحدثها كتاب «النثر الفني» الذى ألفه الدكتور زكى مبارك – الذى كان يحمل ثلاث شهادات دكتوراه إحداها من السوربون ولذلك يطلق عليه لفظ «الدكاترة» – وهاجم فيه المستشرقين وآراءهم وانحاز للحضارة العربية والإسلامية بشكل عام مما أغضب أستاذه وصديقه طه حسين الذى كان يتبنى آراء المستشرقين ويؤمن بالحضارة الغربية ، لم ينس طه حسين لزكى مبارك أنه قام وهاجمه بضراوة وانتقده ببلاغة نادرة أمام حشد من الطلاب أثناء محاضرة لطه حسين عن الأدب اليونانى وكان زكى مبارك حينئذ مجرد طالب من الطلاب ، انتشرت تفاصيل هذه الواقعة فى الجامعة مما أغضب طه حسين، أعود إلى «كتاب النثر الفني» وهجوم طه حسين عليه وعلى مؤلفه بشكل ساخر مهين ، لكن زكى مبارك لم يقف صامتا ولم يصبه داء الخجل الشرقى المعتاد بين التلميذ ومعلمه فكتب زكى مبارك غاضبا وموجها حديثه لطه حسين « كنت أنتظر أن تفرح بكتابي، لأنه كما تعلم جهد أعوام طوال، ولكن خاب الظن وعرفت أنك وسائر الناس تغضب وتحقد، وكنت أرجو أن يكون عندك شيء من تسامح العلماء، تعال نتحاسب يا ناسى العهد ويا منكر الجميل، لقد مرت أعوام لم يكن يذكرك فيها بخير أحد غيري، وهل كان فى أصحاب الأقلام من انبرى للدفاع عن طه حسين غير تلميذه وصديقه زكى مبارك. لقد ذكرتك بالخير فى جميع مؤلفاتي؟ فهل يضيع عندك كل هذا المعروف لأنى بددت أوهامك فى كتاب «النثر الفنى ، لقد انكشف أمر طه حسين منذ أصدرت كتاب «النثر الفني» فقد بيّنت أغلاطه وسرقاته، وتحديته أن يدافع عن نفسه، فتخاذلت قواه ولم يملك الجواب، وعرف الأدباء فى المشرق والمغرب أنه لا يملك شيئًا أصيلاً، وأن مؤلفاته ليست إلا هلاهيل انتزعها من كلام الناس، وأن ما يدعيه من الآراء ليس إلا صورًا ملفقة انتزعها مما يقرأ ويسمع، لأن قلمى ليس إلا محنة صبها الله على طه حسين. ولعله انتقام من الله على طه حسين» لكن عندما أصدر رئيس الوزراء حينها إسماعيل صدقى قرارا بفصل طه حسين من جامعة القاهرة وقف زكى مبارك مدافعا جسورا عن أستاذه وصديقه وغريمه رغم كل الخلافات ، وبعد عودة طه حسين إلى مقعده فى الجامعة فصل زكى مبارك من الجامعة أو رفض تجديد عقده فشن مبارك مجددا حملة شعواء وغير مسبوقة ضد طه حسين وكتب مقالا مريرا تحت عنوان «لو جاع أولادى لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه» وواصل «لقد ظن طه حسين أنه انتزع اللقمة من يد أطفالى فليعلم حضرته أن أطفالى لو جاعوا لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه ولكنهم لن يجوعوا ما دامت أرزاقهم بيد الله» تلك كانت ومضة من المعارك الثقافية بين الكبار والعظماء الذين خلفوا لنا ميراثا يستحب أن نفخر.