حجم المعاناة التى لحقت بغزة وسكانها تعجز عن وصفها الكلمات ويتوقف أمام قسوتها وروعها مداد الأقلام، وحتى لو تناولتها تقارير محايدة بعيدًا عن الأكاذيب الإسرائيلية، فإنها مازالت بعيدة عن إحداث أى تغيير فى حالة الدعم الغربى الأعمى للكيان الصهيوني، فمازالت الحماية مكفولة لإسرائيل مهما فعلت ومازالت مستودعات الأسلحة مفتوحة أمامها تنهل منها ما تشاء، رغم تصاعد المطالبات الدولية بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، والتى كان آخرها قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل.
والحقيقية أنه ومنذ الحرب العالمية الثانية، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لإسرائيل أكثر مما قدمته لأى دولة أخري، وبلغت المساعدات العسكرية خلال السنوات الأخيرة أكثر من 3 مليارات دولار سنويا.
وتندرج المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل تحت برنامج التمويل العسكرى الأجنبي، الذى يقدم منحًا سخية تكفل لإسرائيل اقتناء أحدث الأسلحة الأمريكية. ويصنف معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام، الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مورد للجيش الإسرائيلي، حيث وفرت له نحو 69٪ من إجمالى وارداته من الأسلحة بين عامى 2019 و2023.
ويتمحور الهدف المعلن للولايات المتحدة فى تمكين إسرائيل من الحفاظ على «التفوق العسكرى النوعي» بين دول منطقة الشرق الأوسط. وعلاوة على احتفاظها بمخزون من الأسلحة داخل إسرائيل منذ الثمانينات،واصلت الإدارات الأمريكية دعمها غير المحدود لإسرائيل بحيث بلغ إجمالى ما تلقته إسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية نحو 158 مليار دولار، وسمحت هذه المساعدات لإسرائيل ببناء قدراتها العسكرية بحيث أصبحت عاشر أكبر مصدر للأسلحة عالميًا. وفى خريف عام 2016 أبرمت إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما اتفاقية عسكرية ضخمة، تقضى بمنح إسرائيل أسلحة بقيمة 38 مليار دولار حتى عام 2026.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، قدمت واشنطن لتل أبيب أكثر من 100 صفقة من المساعدات العسكرية، بما فى ذلك الآلاف من الصواريخ الموجهة والقنابل الخارقة للتحصينات والقذائف المدفعية وقذائف الدبابات والأسلحة الصغيرة. والكثير منها تم استخدامه فى تدمير قطاع غزة، على الرغم من أنه ليس من الواضح متى تم شراؤها أو تسليمها، وذلك لأن الكثير من الصفقات العسكرية بين الجانبين تتم تحت غطاء من السرية، ولا يجرى الإفصاح عن تفاصيلها. فقط تم الإعلان عن صفقتين عسكريتين لإسرائيل بعد الحصول على موافقة طارئة، واحدة بقيمة 106 ملايين دولار وتشمل ذخيرة الدبابات، والأخرى بقيمة 147 مليون دولار لتوفير المكونات اللازمة لصناعةالقذائف المدفعية.
أما الصفقة الأخيرة التى أقرها الكونجرس فى الأسبوع الماضى فتشمل إمداد إسرائيل بأنظمة أسلحة متطورة، ونظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي، وتجدد مخزونات الدفاع الأمريكية المحلية، بقيمة تناهز 26مليار دولار. وتأتى هذه الصفقة فيما يبدو كمكافأة لإدارة لنتنياهو على نجاحها فى حصد المزيد من أرواح الفلسطينيين والتى فاقت حصليتهم أكثر من 34 ألف شهيد وأكثر من 77 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال. ولكن الرئيس الأمريكى هذه المرة خصص نحو مليار دولار للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ربما ذرا للرماد فى العيون، فى ظل استمرار الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين.
وتأتى هذه المساعدات الضخمة لتؤكد بجلاء زيف وكذب تصريحات المسئولين الأمريكيين، فبينما يوجهون انتقاداتهم العلنية لقادة إسرائيل، يواصلون دعمها فى حربها البربرية ضد قطاع غزة، وربما يخاطرون فى ظل هذا النهج بالانتقال إلى مرحلة التواطؤ فى جرائم الحرب الإسرائيلية. كما تؤكد فى الوقت نفسه عدم رغبة الإدارة الأمريكية فى وقف الحرب فى غزة، وأنها فى الوقت نفسه غير آبهة بخطر التصعيد وتوسيع نطاقها.
وتأتى ألمانيا فى المرتبة الثانية كأكبر مورد للجيش الإسرائيلي، وبحسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام، استوردت إسرائيل نحو 30٪ من أسلحتها بين عامى 2019 و2023 من شركات الأسلحة الألمانية.
وتعكس الالتزامات العسكرية الشعور طويل الأمد بالمسئولية التاريخية التى يشعر بها القادة الألمان تجاه إسرائيل، بسبب محرقة اليهود إبان الحكم النازى لألمانيا.
وزادت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل عشرة أضعاف العام الماضى مقارنة بعام 2022، لتصل إلى 354 مليون دولار. ووافقت برلين منذ أكتوبر الماضى على بيع أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة حوالى 275 مليون دولار لإسرائيل، فى مخالفة للقانون الألمانى الذى يمنع إرسال أسلحة الى مناطق النزاع، ولم يكتف المستشار الألمانى أولاف شولتز بإعلان دعمه لإسرائيل فى حربها ضد غزة وإنما جعل الدفاع عن أمن اسرائيل فى مرتبة مساوية لأمن ووجود ألمانيا.
وعلى الرغم من الأدلة الكثيرة على جرائم الحرب الإسرائيلية فى غزة – يبدو أن الدول الغربية ماضية فى نهجها ولن تكف عن تزويد دولة الاحتلال الإسرائيلى بالطائرات والقنابل والبنادق والذخيرة التى تحتاجها لمواصلة مذبحة الإبادة الجماعية فى قطاع غزة وانتهاكاتها المستمرة فى الضفة الغربية، وهو يجعلها تخاطر ليس فقط بالوقوع فى دائرة التواطؤ، فى جرائم الحرب، ولكن أيضًا بتهمة المشاركة فيها.