قلت فى الجزء الأول من مقال الدروس المستفادة «من سكة الندامة» أن هناك دولاً تحمل فى مقوماتها ومكوناتها عوامل السقوط فى ظل الحروب الجديدة التى تقودها قوى الشر وتعمل على نقاط الضعف والثغرات فى هذه الدول المستهدفة التى تشيع فيها المذهبية والطائفية والمرجعيات والكيانات والجماعات والميليشيات الموازية لذلك يسهل على المخطط النفاذ، ولم تلتف هذه الدول التى تعانى من مثل هذه الظواهر إلى أهمية الاستفادة من هذا التنوع والتعددية وتحويلها إلى طاقة ايجابية وقاعدة صلبة ترتكز على بناء الدولة الوطنية، دولة القانون والمؤسسات ويكون فيها المبدأ والدستور والمنهج أنه لا فرق بين مواطن وآخر الجميع متساوون فى الحقوق والواجبات، الاعتبار للمواطنة دون النظر إلى جنس أو دين أو طائفة، أو مذهب وإذا تأملنا دول الأزمات نجد أنها فشلت فى تحقيق بناء الدولة الوطنية ولكنها اعتمدت على المحاصصات أو قمع طائفة أو فئة والانحياز لأخرى وبالتالى نفذت مخططات ومؤامرات قوى الشر سواء بالتدخلات الأجنبية لصالح تأجيج الفتن والوقيعة بين هذه الطوائف واشعال الصراع والانقسام والتشرذم، وأيضا أمداد هذه الفئات والطوائف والكيانات الموازية بالسلاح لمحاربة الدولة واشعالها.. ومن هنا سهلت عليه ابتلاعها واسقاطها، والدولة التى يسقط فيها الجيش تتحول إلى لا دولة ولا وجود لملامحها وتدخل فى عداد الضياع دون أمل فى العودة لذلك فإن الاستثمار فى بناء قوة وقدرة الجيوش الوطنية لحماية الدولة.أيضا فإن الاستعانة بالقوى الأجنبية والجيوش الخارجية لحماية بعض الدول أمر ثبت فشله، فكما يقولون ما حك ظهرك مثل ظفرك، وبات رهانًا خاسرًا ولنا فى نموذج سوريا العبرة والمثل، فقد وضعت روسيا وإيران فى مأزق شديد ما بين مصالحهما وبين حماية نظام بشار الأسد والدولة السورية والقتال من أجل ذلك خاصة بعد الانسحاب المريب للجيش الوطنى النظامى للدولة السورية، لذلك فإن الاستثمار فى قوة الجيوش الوطنية وعقيدتها لحماية الأمن القومى هو السبيل الأمثل ونأخذ الموقف الثانى وعلى الجانب الآخر، إيران فى مأزق ما بين مصالحها الحيوية ووجودها ومحاولات الاجهاز عليه وما بين بشار وإيران هى الخاسر الكبير فى سقوط نظام بشار الأسد لكن ربما هناك اتفاقات ووعود خلف الكواليس بترضيات تتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى أو تصدير البترول أو الافراج عن مليارات الدولارات المجمدة فى النهاية نظام طهران يبحث عن مصالح إيران وليس سوريا أو بشار وكان الخيار لها ما بين البقاء إذا تخلت عن بشار، أو الفناء مع سقوط نظامه، وهنا المصالح تلعب دورًا كبيرًا فما يجرى فى سوريا ليس صر اعًا ثنائيًا فحسب بين الميليشيات الإرهابية وانصارها من بعض الجماعات الإرهابية والتى لا تغيب عنها بطبيعة الحال جماعة الإخوان الإرهابية صاحبة توكيل هدم وتدمير وإسقاط الأوطان لصالح مخطط الفوضى وهناك أيضا فى أزمة سوريا صراع إقليمى على النفوذ وهناك صراع ثالث دولى يأتى فى إطار الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى و»الناتو» من ناحية والصين وروسيا وحلفائهما من ناحية أخرى من أجل فرض الهيمنة والنفوذ على المصالح والطرق البحرية والثروات وربما يتفاقهم هذا الصراع، ليصل إلى مواجهة مدمرة،ما حدث ومازال فى لبنان من تحديات وتهديدات كثيرة وأزمات سياسية واقتصادية عنيفة ثم العدوان الإسرائيلى على جنوب لبنان وتدميره جاء بسبب تفشى الطائفية والمذهبية وغياب نموذج الدولة الوطنية ومؤسساتها القوية التى يستظل بها جميع المواطنين مهما اختلفت أفكارهم وانتماءاتهم المذهبية والطائفية والدينية والفكرية وهو ما أدى إلى ضعف الدولة اللبنانية وقدرتها على فرض السيطرة وأن يكون القرار بيدها فقط لذلك تنتشر فكرة المحاصصة، والكيانات الموازية مثل حزب الله الذى قرر الدخول فى حرب مع العدو الصهيونى وتعرض لاستنزاف خطير وتدمير قدراته وتعريض الدولة اللبنانية ومؤسساتها فى أتون أزماتها للخطر، وقد ابتلع حزب الله الطعم الإسرائيلى وتعرض لضربات قاصمة واخلاء من سوريا للانقضاض القادم على دمشق واسقاط نظام الأسد وفى الوقت الذى كان يجرى فيه تجهيز الميليشيات الإرهابية وفى ظل قصف جوى متواصل من جيش الاحتلال على مواقع وأهداف للجيش السورى وبالتالى اضعاف حزب الله فى لبنان وسحب قواته من سوريا واستنزاف الجيش السوري.
ما حدث فى سوريا ولبنان هو نفسه ما حدث فى العراق قبل أكثر من ثلاثة عقود لم يعط الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين اهتمامًا ببناء الدولة الوطنية وادخل العراق فى مواجهات ومغامرات لا طائل منها سوى اضعاف القدرات العراقية ومن ثم نفذت إليه قوى الشر خلال مناطق الاخطاء الكارثية لنظام البعث ومن ثم سقطت الدولة الوطنية العراقية ومؤسساتها وجيشها الوطنى فى لمح البصر مثل سوريا تمامًا وتغافل أن هناك من يعمل على الاستثمار فى هذه الأخطاء والثغرات وتوظيف التنوع والتعددية ليصنع سلاحًا للفوضى والهلاك وهو نفسه ما جرى فى اليمن وأيضا فى ليبيا.مصر حالة ونموذج فريد لمن يحاول أن يتعلم ويعى الدرس جيدًا ويستفيد من رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى التى حفظت لمصر أمنها واستقرارها ونجاتها من مخطط شيطانى وأيضا حفظ الدولة الوطنية المصرية ومؤسساتها والاستثمار العبقرى فى قوتها وقدرتها فى رؤية ثاقبة واستباقية واستشراف للمستقبل ويقينًا أن من أهم ركائز الرؤية المصرية هو نجاح الشعب المصرى العظيم فى عزل جماعة الإخوان المجرمين وطردها من البلاد والحقيقة وعلى الدول المستهدفة فى القادم بمخططات الفوضى التخلص سريعًا من هذه الجماعة الإرهابية التى تعد أهم أدوات قوى الشر للهدم والاسقاط وأيضا فان نجاح مصر فى القضاء على الإرهاب والجماعات والميليشيات الإرهابية المسلحة هو صمام الأمان لسلامة الرؤية فى بناء الدولة الوطنية المصرية وتعظيم قدراتها ومؤسساتها والاولوية الاستراتيجية طبقًا لتقديرات التحديات والتهديدات التى تواجه الدولة المصرية كان تطوير وتحديث الجيش المصرى وتزويده بأحدث منظومات التسليح فى كافة التخصصات والأفرع الرئيسية وهو نجاح وقرار عظيم ولم يكتف الرئيس السيسى بذلك بل اطلق اعظم وأكبر ملحمة بناء وتنمية فى تاريخ مصر فى اطار مشروع قومى وطنى لتحقيق التقدم وامتلاك القوة والقدرة الشاملة وكذلك بناء الإنسان المصرى على أسس العيش الكريم والحياة الكريمة وترسيخ مباديء الوعى الحقيقى والولاء والانتماء والاصطفاف خلف الوطن، وتبنى سياسيات رشيدة وحكيمة فى العلاقات المصرية فى العالم، والتحصن بالحسابات والتقديرات الصحيحة للحفاظ على الأمن القومى المصرى وفرض سيادة الدولة والابتعاد تمامًا عن المغامرات غير المحسوبة.
تحيا مصر