حار عقله الصغير فى البحث عن مخرج من هذه المشكلة المستعصية، التى قلبت حياته رأساً على عقب، وبدت بلا حل أو نهاية. كيف يتخلص من دراجته القديمة، ليفوز بالدراجة الجديدة ذات العجلتين، التى اشتراها له والده، ويحتفظ بها فى حجرته، حتى يأتى الوقت المناسب كما يقول.
حاول مع والده مرة ومع والدته مرات، ولكن دون جدوي. فالإجابة واحدة عند الطرفين: عندما تكبر وتستطيع أن تستخدمها، سنعطيها لك.
نظر الطفل الصغير إلى دراجته القديمة، ذات العجلات الثلاث، وقد علاها الصدأ، وبدت عليها علامات الزمن واضحة جلية، رغم أن عهدها قريب، يعود فقط إلى العام الماضي، لم يتبق منها سوى الهيكل المعدنى والإطارات، فبدت كسمكة هزيلة، أكلها بخيل جائع شره.
كان يضع قدمه اليمنى على مؤخرة الدراجة، وقدمه الأخرى على الأرض، وينحنى بجسمه الصغير ليضع يديه على مقدمتها، ويجرى بها فى الشارع فى مشهد فكاهي، يضحك عليه كل من يراه، أو يصادفه من أهل قريته.
وفى أحوال كثيرة تعرض لمداعبات الصغار والكبار وتعليقاتهم الساخرة وقرر فى نهاية المطاف أن يتخلص من هذه الدراجة إلى الأبد.
فى المرة الأولى أعطاها لأحد أصدقائه، لكن أمه أعادتها فوراً إلى صاحبها، خوفاً من غارات جده التى يشنها على جيرانه يوماً بعد يوم بلا أسباب واضحة أو معقولة.
فى المرة الثانية، ذهب بها إلى مكان بعيد على قدر استطاعته، وتركها فى هذا المكان، لكن أحد أقاربه عثر عليها وأعادها إلى صاحبها بعد أقل من ساعة.
فى المرة الثالثة عثر على فكرة رأى فيها الخلاص النهائى من هذه الدراجة الملعونة، وتحقيق الحلم الكبير فى الفوز بالدراجة الجديدة.
ركب أحمد دراجته القديمة، بطريقته المعتادة وكأنه يودعها، وظن أنها المرة الأخيرة، توجه إلى شاطئ الترعة ونظر يميناً وشمالاً، حتى تأكد من خلو الطريق، وألقى بها فى الماء ورأها وهى تغوص وتختفى إلى غير رجعة.
عاد إلى منزله سريعاً، يكاد يطير من الفرح ودخل حجرة أبيه يشاهد الصندوق الورقى الكبير الذى تعيش فيه دراجته الجديدة، وعليها صورتها بكل التفاصيل والألوان، وينتظر الصباح بعد أن بات الحلم قريب التفسير.
استيقظ الطفل الصغير من نومه ليجد دراجته القديمة خلف باب الدار، حيث علقت بشبكة أحد الصيادين، وأعادها إلى صاحبها قبل طلوع الشمس.