رسالة التحذير ليست موجهة لاسرائيل وحدها
التحذير شديد اللهجة الذى وجهته مصر لإسرائيل أول أمس، يمثل رسالة قوية بأن الصبر الاستراتيجى المصرى على الحرب الاسرائيلية فى غزة، وعمليتها العسكرية المرفوضة فى رفح الفلسطينية قد بدأ فى النفاد.
على إسرائيل أن تدرك أن استمرارها فى التصعيد العسكري، والتضليل السياسى لا يمكن أن يبقى دون رد.
لقد تمت صياغة التحذير فى عبارات مباشرة، غاية فى القوة والوضوح، وفى ثمانى عشرة كلمة بالضبط، قال التحذير:
إن احترام مصر التزاماتها ومعاهداتها الدولية، لا يمنعها من استخدام كل السيناريوهات المتاحة للحفاظ على أمنها القومى وحقوق الفلسطينيين التاريخية.
هذه الكلمات القليلة فى عددها يحمل شحنة مكثفة من المعانى لا تخطئها العين.
> احترام مصر التزاماتها ومعاهداتها الدولية ـ والمقصود هنا هو معاهدة السلام مع اسرائيل ــ يجب أن يقابله احترام والتزام اسرائيلى مماثل.
> اخلال اسرائيل بهذه المعاهدة يفتح الباب امام رد مصرى مفتوح على كل السيناريوهات المتاحة.
> التحذير حدد الهدف بوضوح، وهو الحفاظ على «أمن مصر القومى وحقوق الفلسطينيين التاريخية» فى اشارة إلى ان امن مصر القومى مرتبط بحقوق الفلسطينيين التاريخية والعكس.. ولا يمكن فصل أحد الامرين عن الاخر فى اشارة إلى أن «فلسطين» دولة جوار.. كانت ومازالت وستظل كذلك بالنسبة لمصر وللأمن القومى المصري.
لقد كشف هذا التحذير عن ان «الدبلوماسية المصرية» لها اسنان تظهر عند اللزوم، وانها قادرة على توصيل رسائل ردع لمن يفكر فى المساس بأمنها القومى وحقوق الفلسطينيين التاريخية.
وان النهج السياسى المصرى يعتمد اسلوب التدرج فى الرد، بدءا من التنبيه إلى التحذير ثم الفعل.. وقد ظهر ذلك فى الاسبوع الماضى عندما اعلنت مصر «اعتزامها» التدخل إلى جانب دولة جنوب افريقيا فى دعواها امام محكمة العدل الدولية باتهام اسرائيل بارتكاب جريمة «الابادة الجماعية» ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.
وسبق لمصر ان نبهت اسرائيل إلى الخطورة والكارثية لاى اجتياح عسكرى برى لمدينة رفح الفلسطينية لتداعياته الانسانية غير المحدودة، ورفضت السيطرة الاسرائيلية المنفردة على الجانب الفلسطينى من معبر رفح، وممر فيلادلفيا.. إلى اخره.
والرسالة التى يحملها هذا التحذير، ليست موجهة لاسرائيل وحدها، بل موجهة بنفس القدر إلى الولايات المتحدة الامريكية راعية معاهدة السلام والموقعة عليها مع مصر واسرائيل، لكى توقف التهور العسكرى الاسرائيلى الذى يمكن ان يطيح بالحد الادنى المتبقى من الاستقرار الاقليمى دون ان يحصد من وراء ذلك اى نتيجة ايجابية.
والولايات المتحدة تدرك جيدا ما تعنيه مصر من هذا التحذير بما يكفى لان تأخذه مأخذ الجد وتتعامل معه بالطريقة التى تدرأ مخاطر أى تجاهل اسرائيلى محتمل له.
الرسالة التى يحملها هذا التحذير موجهة ايضاً للمجتمع الدولي، الذى يمثل اى تهديد خطير للسلم والاستقرار الاقليمى فى الشرق الاوسط تهديدا للسلم والامن الدوليين كافة.
هناك شق اخر فى التحذير وهو يتعلق باستمرار اسرائيل فى الترويج لادعاءاتها من خلال وسائل اعلامها حول تنسيق مصرى معها فى عمليتها العسكرية فى رفح، وهو تضليل مفضوح يتناقض جوهريا مع الموقف المبدئى الثابت لمصر من العدوان الاسرائيلى على غزة منذ اليوم الاول لوقوعه ومع الاجراءات العملية لمصر تجاه تطورات هذا العدوان حتى اليوم.
مصر اول من دعا ونظم مؤتمر قمة القاهرة للسلام لادانة العدوان الاسرائيلى والمطالبة بوقفه.
مصر لم تترك محفلا عالميا او اقليميا يناقش قضية هذا العدوان، إلا وكان لها فيه الدور الاكبر فى رفض هذا العدوان وادانته والمطالبة بوقفه والخروج بقرارات تترجم هذا التوجه ضد اسرائيل.
ربما لم تشهد مصر تدفقا على زيارتها من رؤساء وزعماء وقادة دول العالم مثلما شهدت خلال شهور العدوان الاسرائيلى على غزة.. وفى كل لقاءات القمة الثنائية او المتعددة الاطراف التى عقدت على ارضها كان موقفها فى رفض العدوان وادانته والمطالبة بوقفه على رأس جدول اعمال هذه القمم مما ساهم فى اقناع العديد من الدول بالانضمام إليها هذا الموقف.
كيف لمصر التى هذا نهجها مع العدوان ككل، ان تنسق مع اسرائيل فى اخطر مرحلة من مراحله وهو العملية العسكرية الاسرائيلية فى رفح الفلسطينية، خاصة مع محاولات اسرائيل المتواصلة لدفع الفلسطينيين فى رفح إلى التهجير القسرى لسيناء المصرية.
وكيف يكون لمصر مصلحة فى اغلاق معبر رفح سواء من جانبها او من الجانب الفلسطيني، ومئات الشاحنات التى تحمل المساعدات الغذائية والطبية للفلسطينيين ومعظمها من مصر، تحتشد على الجانب المصرى من المعبر بالايام والاسابيع حتى تكاد حمولتها تتعرض للفساد بينما قوات الاحتلال العسكرى الاسرائيلى تقوم بعمليتها على الجانب الفلسطينى بما يعوق «العبور الآمن» لهذه الشاحنات وصولا إلى مستحقيها فى غزة.
لقد اكتفى التحذير المصرى بالاشارة إلى جوهر الادعاءات الاسرائيلية بأن وسائل الاعلام الاسرائيلية تتعمد نشر اخبار غير صحيحة لصرف الانظار عن حالة التخبط التى تعانى منها اسرائيل داخليا.
لكن التفصيل معهم.
ان مصر التى تعتبر ما جرى فى غزة ويجرى فى رفح «جريمة ابادة جماعية» تستعد للمشاركة فى طلب محاكمة اسرائيل دوليا عليها.. كيف لها ان تنسق مع اسرائيل فى ارتكابها؟!!
ومصر التى قادت محاولات الوساطة لوقف الحرب واطلاق سراح رهائن غزة واسرى فلسطين، والانطلاق إلى عملية سلام جادة وفعالة وباطار ز منى لانهاء الاحتلال الاسرائيلى ووضع اجراءات لتنفيذ حل الدولتين.. كيف تنسق مع المعتدى فى تصميمه على الاستمرار فى الحرب؟!
هل وصلت الرسالة؟!