لسنوات طويلة كان البعض يصور للمصريين أن وزارة الداخلية تكثف كل جهودها على الأمن السياسى على حساب الأمن الجنائى وهو ما أدى الى تزايد الجرائم الجنائية وانتشار الفوضى وعدم الانضباط فى الشارع المصرى وذلك من وجهة نظرهم.. والحقيقة إنه برغم صعوبة الأوضاع الأمنية بصفة عامة وجرائم الإرهاب بصفة خاصة والتى شهدت أعلى معدلاتها فى اعقاب أحداث يناير 2011 واستمرت حتى نهاية 2014 تقريباً حيث تعرض جهاز الشرطة لتحديات قاسية ومؤامرات أحيكت لتنال من عضد رجالها وخاصة عندما قامت جماعة الإخوان الإرهابية وكذلك التنظيمات التى تدور فى فلكها بمحاولات إغراق الدولة بعمليات إرهابية متنوعة شملت العديد من المحافظات والمواقع الحيوية والإستراتيجية اعتقاداً منهم أن ذلك سوف يترتب عليه إهمال الجرائم النوعية الأخرى التى سوف يساعد انتشارها فى مخططات هدم المجتمع من الداخل خاصة إذا كانت تلك الجرائم تتعلق بتجارة السلاح أو المخدرات وهى جرائم لا تقل خطراً عن الإرهاب.. ومن هنا فإن قيادات وزارة الداخلية كانت حريصة تماماً على وضع إستراتيجيات متوازنة وشاملة لمكافحة الجرائم بجميع صورها وأشكالها وهو ما نشاهد نتائجه واضحة جلية منذ أن تولى اللواء محمود توفيق قيادة وزارة الداخلية حيث عكف على وضع الخطط المناسبة للتعامل مع كافة الجرائم والتى شهدت هى الأخرى تطورات مذهلة فى أساليبها وأدواتها وأهدافها.. وعلى الرغم من ذلك فإن أجهزة الشرطة وقطاعاتها المختلفة حتى القطاعات التى تم استحداثها لتتواءم مع الجرائم المستحدثة مثل جرائم الإنترنت والجرائم الإلكترونية وجرائم الأمن السيبرانى لم تكن أبداً تعمل بمبدأ رد الفعل بل كانت توجه ضربات استباقية ناجحة فى جميع المجالات بعضها يتم الإعلان عنه والبعض الآخر لا يتم الإعلان وذلك إما لاعتبارات أمنية أو لاستكمال وتتبع مسارات قضايا أخرى أو لاعتبارات أخرى لا يجوز الافصاح عنه.
ومن أهم تلك النوعيات من الجرائم حالياً تجارة السلاح والمخدرات وكلاهما شهد تطوراً كبيراً فى أساليب التهريب سواء عن طريق البر أو البحر مستغلين فى ذلك الفراغ الأمنى الذى تشهده الدول المجاورة لنا جنوباً وغرباً وشرقاً وشمالاً أيضاً عن طريق البحر الأبيض المتوسط.. ويكفى هنا أن نشير الى أنه قد تم ضبط كميات غير مسبوقة من المواد المخدرة خلال العام الماضى قدرت قيمتها بــ 15.7 مليار جنيه وحالت دون نفاذ كميات ضخمة أخرى من المخدرات التخليقية لإعادة تهريبها لدول أخرى تقدر قيمتها بالدول المستهدفة بحوالى 28 مليار جنيه.. وفيما يتعلق بتجارة السلاح فإن الأمر لا يقل خطورة وصعوبة فى التعامل مع تلك الجريمة بل قد يتعدى فى خطورته معظم الجرائم الجنائية الأخرى حيث يتم الاتجار فى أسلحة جديدة ومتطورة وأحياناً يتم استخدامها لمواجهة أى حملات أمنية يتم إعدادها للتعامل مع تجار الموت وهو ما حدث مؤخراً مع المجرم الهارب محمد محسوب المقيم فى قرية العفاردة بمركز ساحل سليم محافظة اسيوط والذى أطلق على نفسه لقب خُط الصعيد الجديد والمحكوم عليه فى 44 جناية بأحكام نهائية ما بين مخدرات وقتل وشروع فى قتل والاتجار فى السلاح وسرقة بالاكراه حيث وصلت الأحكام التى صدرت ضده إلى السجن والسجن المؤبد بمدد بلغت 191 سنة.. وكان المذكور قد بدأ نشاطه الإجرامى منذ عام 2004 حيث حكم بالسجن لمدة 3 سنوات فى قضية إحراز سلاح ولكنه تمكن من الهرب قبل تنفيذ الحكم.. وفى أعقاب أحداث يناير 2011 حدث تقارب وتعاطف مع الكوادر الإخوانية المطلوبة للعدالة حيث كان يقوم بإيوائهم ومعاونتهم فى أعقاب سقوط الجماعة الإرهابية فى 2013، ولو نظرنا إلى كمية الأسلحة التى تم ضبطها فى أعقاب التعامل مع المذكور والقضاء عليه ومعه ابنه وأخوه وخمسة من العناصر الإجرامية شديدة الخطورة لرأينا مدى خطورة التعامل مع تجار الأسلحة حيث تم ضبط أسلحة نارية متنوعة منها آر بى جى ورشاشات جرينوف وبنادق آلية وقنابل ومسدسات بكميات كبيرة بالإضافة الى قيامه بتحصين المقر الذى كان يدير من خلاله نشاطه الإجرامى بعدد كبير من الدُشم الخرسانية واسطوانات الغاز وعدد 700 كاميرا مراقبة وإحاطة هذا المقر بخنادق مخفية بأوراق الشجر والحشائش بحيث يسقط بداخلها أى معدة أو سيارة شرطة أو أى تعامل مع أجهزة الشرطة.. وعلى الرغم من كل ذلك فقد تمكنت الحملة الأمنية التى تعاملت مع هذا الحصن الحصين من القضاء على هذا المجرم الهارب ومعه باقى أفراد التشكيل العصابى.. وقد استمرت عملية تبادل إطلاق النار بين الطرفين ثلاثة أيام كاملة إلى أن تم القضاء على هذا التشكيل العصابى الخطير.
لقد قصدت من هذا العرض لواقعة ضبط المجرم الهارب محمد محسوب أن أؤكد أن وزارة الداخلية تعمل بشكل مدروس ومتوازن ومنظم.. وفى ذات الوقت بشكل حاسم تجاه القضايا الجنائية مثلما تقوم بدورها أيضاً فى مجال مكافحة جرائم التطرف والإرهاب ومواجهة الكوادر وعناصر التنظيمات الإرهابية المختلفة.