جريمة بشعة وغريبة من نوعها، راح ضحيتها طالب بالصف الأول الثانوي بطعنة «مطواة»، بالقلب غدرًا، وبلا ذنب من زميلة «البلطجي» أثناء تواجدهما داخل المدرسة بمحافظة بورسعيد؛ لتنهي حياته بعد سقوطه غارقًا في الدماء، ويفر بعدها القاتل هاربًا قفزًا من أعلي السور. وتمكنت أجهزة الأمن من ملاحقته وضبطه بعد أقل من 24 ساعة متخفيًّا بمنطقة مدينة نصر بالقاهرة. وتباشر النيابة تحقيقاتها.
الحادث المروع يدق ناقوس الخطر بعد حالة الفزع والرعب التي أصابت المواطنين في كل مكان خوفًا على أولادهم من حالة الانفلات الأخلاقي داخل محراب العلم في الكثير من المدارس، والتي تحولت إلى «مدرسة المشاغبين»، وساحة قتال بالسلاح بين الطلاب، وهو ما يتطلب ضرورة إعادة صياغة العملية التعليمية من المسئولين، وكل من يهمه الأمر، والذين أسرعوا بإحالة المدير والمدرسين للتحقيق لمنع تكرار كارثة مقتل شهيد العلم مرة أخرى.
حكاية الطالب الضحية «محمد مهران» ابن السادسة عشرة تدمي القلوب قبل العيون حزنًا وحسرة، ونرويها للعظة والعبرة لمن يعتبر، فهو وحيد والديه «ولد واحد على ثلاث بنات».. تحمل المسئولية مبكرًا رغم حداثة عمره. يقوم بمساعدة والده “الأرزقي” في عمله بحب واحترام بجانب دراسته. لم يكن مدللا مثل أقرانه في يوم من الأيام، ولا «الواد الطايش والمراهق ولا الحيلة والدلوعة».. حتي لا يكون عبئًا على أحد، وتوفير متطلباته الشخصية، وأخواته اللاتي «على وش جواز» دون أن يدري أحد ما سيحدث له؛ وتنتهي حياته في لمح البصر بهذا الشكل الإجرامي، ليعيش أهله في أحزانهم ما تبقي من العمر.
تبدأ فصول المأساة عندما خرج الطالب من مسكنه صباحًا متوجهًا لمدرسته الثانوية الميكانيكية، بعد تقبيل يدي والديه كما تعوّد. وبمرور الوقت وأثناء تواجده داخل الفصل لتحصيل دروسه استأذن المدرس للتوجه لدخول «دورة المياه»؛ ليجد في طريقه زميله «البلطجي » يتسكع في فناء المدرسة، ويصر علي مضايقته والسخرية منه واستفزازه، وعندما حاول الرد عليه والبعد عنه بهدوء لتجنب مشاكله، أخرج المتهم من ملابسه سلاحه «المطواة» التي اعتاد إرهاب الجميع بها؛ ليغرسها بجبروته في قلب ضحيته، ويفر هاربًا بالقفز من أعلي سور المدرسة، بعد تجمع التلاميذ والمدرسين على استغاثة المجني عليه، ليجدوه ملقى على الأرض ينزف الدماء.
أسرع زملاؤه بحمله، وهم في حالة غضب وهياج، ونقله من داخل المدرسة لمستشفى الزهور دون انتظار سيارة الإسعاف في محاولة لإنقاذ حياته؛ ولكن بلا جدوى، حيث اكتشفوا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرًا بإصابته. تعالت صرخات الجميع، وحدثت حالة من الفوضى بين أولياء الأمور الذين احتشدوا بعد انتشار خبر الجريمة.
وقام أحد زملاء المجني عليه بالاتصال والدته التي اعتقدت أن المتصل هو ابنها يطمئنها ويسألها عن طلباتها، لكنها فوجئت بآخر يرد عليها بنبرات حزينة: «ابنك مات البقية في حياتك»، ويخبرها أن الجثة بالمستشفى، لتنزل عليها الكلمات كالصاعقة، وكأنه «كابوس»، وهرولت مسرعة إلى المستشفى مع الأهل، لا تكاد تحملها قدماها، لرؤية «فلذة كبدها» الوحيد، الذي كان أملها وحلمها في الدنيا، حيث وجدته بالمشرحة، لتتعالي صرخاتها مع باقي الأسرة.
عقب وقوع الجريمة، تلقت أجهزة الأمن بلاغا بالحادث، فانتقل لمكان البلاغ قوة من رجال المباحث للمعاينة وسماع الشهود لكشف الملابسات. وتم إخطار اللواء محمود أبو عمرة مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن العام الذي أمر بسرعة تشكيل فريق بحث لملاحقة المتهم، ورصد تحركاته وإعداد الأكمنة لاصطياده، وتم تحديد مكان اختبائه بمنطقة مدينة نصر بالقاهرة.
عقب اتخاذ الاجراءات القانونية، تمكنت قوة بقيادة اللواء تامر السمري مدير أمن بورسعيد، واللواء ضياء زامل مدير المباحث، من القبض علي الطالب القاتل، وضبط السلاح المستخدم في الجريمة، وتقديمة للعدالة لينال عقابه الرادع جزاء إجرامه حتي تبرد نار أسرة الضحية
تحرر محضر بالواقعة وقررت النيابة العامة حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات مع مراعاة التجديد له في الميعاد لحين إحالته لمحكمة الجنايات.
كما استمعت النيابة لشهود الحادث، وقررت انتداب الطبيب الشرعي لتشريح الجثة، قبل التصريح بالدفن لتحديد سبب الوفاة؛ لتتسلم الأسرة الجثمان في النهاية للدفن، ويخرج في جنازة مهيبة أصبحت حديث الناس ومن سمع بها في كل مكان، حزنًا على من كان يحظى بحب الجميع.