الفارق بين دولة قادرة ودولة مستباحة هو القوة التي تمتلكها والعقيدة التي تتبناها والإرادة التي تمكنها من اتخاذ قرارها، والدولة المصرية تمتلك الثلاث، قوتها في جيشها الصلب الذي لا يتهاون ولا يقبل الهزيمة، مكون من نسيج الوطن المتماسك، وعقيدتها الدفاع عن الأرض والمقدرات وليس الاعتداء على الآخرين، والإرادة تتجسد في قيادة وطنية لديها الرؤية والحكمة وحسن قراءة المشهد، تتمتع بدعم شعبي وظهير لا يضعف.
ثلاثية القدرة هي التي حمت مصر طوال السنوات الماضية، ونجتها من أزمات هائلة وتحديات صعبة لم تفرط في واحد من ثوابتها لكنها لم تتهور في قرار لم تتهاون في مواجهة تحد لكنها لم تغامر بشعبها ومقدراته، كل خطوة محسوبة. وكل قرار مدروس وكل أمر يوضع في نصابه لا تزيد ولا مزايدة أمانة القيادة تتجلى في المواقف العصيبة، وما أكثر ما مرت به مصر من أزمات صعبة طوال السنوات الماضية كثير منها كان يمكن ان يقود إلى تهور واندفاع ثمنه كبير.
لكن القيادة كانت حكيمة فلم تفعل ذلك ليس عن ضعف، فالقوة المصرية ليست في حاجة إلى تأكيد وامتلاك جيش مصر قدرات الردع ليس مجالا للنقاش.
لكن حكمة القيادة كانت على أن لكل فعل رد فعل يناسبه، كل يقدر بقدره وبما لا يحمل الشعب فوق طاقته المغامرة بمستقبل الشعوب سهلة لكن توابعها كارثية، والقيادة المؤتمنة لاتغامر بشعبها أو مقدراته وإنما تعرف كيف تجنبه الخطر وتحمى أمنه وتلبي طموحاته.
مصر دولة سلام آمنت به والخلصت له وتدعو إليه وحريصة عليه، مثلما هي حريصة على التزاماتها وتعهداتها، لكنها في الوقت نفسه جاهزة لكل المواقف وقادرة على الاحتمالات إذا فرض القتال فنحن أهل له وقادرون على خوضه وتحمل تكلفته وجاهزون.. وهي كذلك الفرض إرادتنا، وحماية أمننا.
في العام الأخير تحديدا التحديات كبيرة وغير مسبوقة بطول حدود مصر الخطر موجود كل اتجاه فيه ما يمثل تهديدا لأمننا القومي حتى وان كانت بعض الجبهات هادئة الآن، لكنها غير مستقرة بسبب ما يحدث في دول الجوار، وعلى الجبهة الشمالية الشرقية النار مشتعلة، والتحدى عصيب. لكن مصر بخبرة الدولة الكبيرة وعبقرية القيادة تتعامل مع الأمر بحكمة ومحددات ثابتة.
لا تنجرف وراء تصعيد متعمد ولا تنصاع المحاولات توريط معروف من وراءها، وإنما تتعامل وفق آلياتها وأدواتها لا تسمح أن تفرض عليها مواقف بل هي التي تفرض المواقف على الآخرين الكل يعلم أن الأمن القومى المصرى مصان، ولن يجرؤ أحد على الاقتراب منه من فعلها قبل ذلك نال العقاب علينا ومن فكر فيها أدرك أنه سيواجه مصيرا مجهولا ولذلك لا يختلف أحد على احترام الأمن القومي المصرى الخطوط الحمراء لا توضع بالشعارات وإنما ترسم بالقوة، ومصر فعلت ذلك مبكرا فاجبرت الكل على احترامها وعدم التفكير في الاقتراب منها.
الخطر على الحدود الشرقية هو وضع القضية الفلسطينية نفسها ومصيرها أين ستقودنا الأحداث وماذا يراد للقضية، مصر لا تقبل بالمصير الذي يريده الإسرائيليون لفلسطين مثلما لا تقبل بالأكاذيب التي تطلقها تل أبيب، وتحاول من خلالها تشويه الموقف المصري الذي لا يزايد عليه أحد مصر رفضت منذ البداية وبشكل علنى قاطع مخطط التهجير والتصفية للقضية، وحملت الاحتلال المسئولية كاملة عن التدهور الانساني في القطاع، ووضعت العالم والمجتمع الدولي أمام مسئولياته ورفضت أن تكون طرفا في أي نقاش لا يتناول الحل العادل للقضية.
وفي الوقت نفسه دعمت كل خطوة تساند الحق الفلسطيني وآخرها الاعتراف الثلاثي من الترويج وإسبانيا وأيرلندا بالدولة الفلسطينية، وحذرت من مغبة الجنون والجرائم الإسرائيلية التي ترتكبها في حق الأبرياء بالقطاع مثلما حذرت تل أبيب من خطورة مخططها المشبوه بالتهجير لكن أ أحدا لا ي يستمع للتحذير المصرى ولا يدرك خطورة ما تفعله إسرائيل على المنطقة بالكامل والنتيجة أننا تنتقل من تصعيد إلى تصعيد، ومن صدام إلى صراع أوسع، وبشكل لا يعرف أحد مصيره ولا تأثيراته، ولأن مصر هي الدولة الأقرب للأحداث كان لزاما عليها أن تكون يقظة وجاهزة لكل السيناريوهات، وهي كذلك بالفعل جاهزة ومستعدة وإن كانت لا تتمنى تدهورا أكثر من هذا في الأوضاع، بل تريد أن تقف الحرب وأن تعود إسرائيل إلى العقل وأن تضغط القوى الدولية على تل أبيب كي تتراجع عن إصرارها على الدمار، ولكن للأسف حتى الآن لا تبدو في الأفق مؤشرات تهدئة بل الواضح هو التصعيد اللا مسئول، ولهذا فالموقف المصرى الواضح للجميع، أن ثوابتها كما هي وأنها لن تسمح لأحد بالمساس بأمنها القومي أو مقدرات شعبها أو العبث بمصير القضية والشعب الفلسطيني والكل يعلم أن مصر لا تحذر قولا بل لديها ما تفعله وتمتلك ما يمكنها من ذلك.