فى اجتماع غير عادي.. ضم أحد عشر شخصا من قادة الصهيونية العالمية.. على رأسهم «ديفيد بن جوريون» أحد أبرز وأشهر المؤسسين والمشاركين فى قيام وإعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي.. فى هذا الاجتماع «الأخطر» والذى جرى على أرض فلسطين فى أحد أيام عام «1948» قرر «المجتمعون» البدء الفورى فى تنفيذ «مشروعهم الكبير» والذى كانوا يعدون له على مدى سنوات من أجل السيطرة على «فلسطين».. إنها الخطة «دالت».. هذه الخطة واحدة من «أبشع» الخطط الصهيونية التى غيرت خريطة «الشرق الأوسط» قبل مايقرب من سبعة وسبعين عاماً.. فبمجرد أن أعطى «المجتمعون الأحد عشر» الضوء الأخضر للبدء فى تنفيذ الخطة إنطلقت العصابات الصهيونية صوب كل ما هو فلسطينى .. لتقتل وتذبح وتحرق وتهدم و«تهجر» بهدف إخلاء الأرض من «أصحابها» وتحقيق «حلم إسرائيل».. تقول الوثائق والإعترافات «العربية والإسرائيلية» إنه خلال ستة أشهر فقط قامت العصابات الصهيونية بتشريد أكثر من «800» ألف فلسطينى وتدمير «542»قرية وحيا سكنيا من قرى وأحياء فلسطين.. الشيء الذى يجب الإشارة إليه هنا وبقوة هو أنه على الرغم من مرور كل هذه السنين.. منذ «1948» وقبلها.. مازالت الخطة«دالت» تسكن فكر ووجدان ساسة إسرائيل وعسكرييها «إلى الآن» .. ومن يتأمل الأحداث الجارية «ولو قليلا»يمكنه أن يكتشف بكل سهولة أن مخطط تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.. المطروح على الساحة هذه الأيام.. ما هو إلا «صورة حديثة» للخطة «دالت».. وهذه هى رسالتنا التى سنسرد تفاصيلها اليوم إن شاء الله سبحانه وتعالى.
الخطة «دالت».. ودالت هو «حرف الدال» باللغة العبرية.. هذه الخطة هى بمثابة «تتويج» لمجموعة من الخطط التى وضعها قادة الصهيونية العالمية فى الفترة التى سبقت عام «1948» والتى شهدت العديد من الجرائم والمذابح والأحداث الممنهجة من أجل التمهيد لإنجاز الهدف الصهيونى الأبرز.. إسرائيل الكبري.. ووفقا لما ورد فى الكتابات والوثائق التاريخية فإن «الخطة دالت» حاولت على مدى هذه «العقود».. منذ ماقبل «1948» وحتى الآن.. حاولت إسرائيل إخفاء الكثير من معالم وتفاصيل الخطة وماتقوم عليه من عنصر أو محور خطير وهو طرد الفلسطينيين من أرضهم وسيطرة الصهاينة على «كل فلسطين».. كمرحلة أولي!!.. حاولت إسرائيل أن تخفى الكثير من معالم «الخطة دالت» ماحدث.. وما يحدث.. وماسيحدث.. لكن هذه المحاولات لم تفلح كثيرا.. وحدث أنه فى عام «2006» فاجأ المؤرخ الإسرائيلى الشهير «آيلان بابه»العالم بكتابه «التطهير العرقى فى فلسطين» والذى يفضح فيه جرائم إسرائيل ضد الإنسانية.. فى الماضى والحاضر والمستقبل.. وقد كشف «آيلان بابه» فى كتابه هذا عن كثير من أسرار «الخطة دالت».. بحثت عن الخطة «دالت» ليس فقط فى ما ذكره المؤرخ الإسرائيلى آيلان بابه.. ولكن رحت أبحث عنها فى الوثائق والكتابات التاريخية.. أبحث وأمام عينى «الخيط الواصل» بين هذه الخطة وبين ما يجرى الآن من مخططات تستهدف «نسف فلسطين».. قضية وشعب.. عن طريق مشروع «التصفية والتهجير».. رسالات وإشارات عدة تبعث بها الخطة»دالت».. رسائل وإشارات «عابرة».. تتجاوز حدود الزمان.. وحدود المكان!!
عندما يطالع المرء ماجاء فى الوثائق والكتابات التاريخية المتعلقة بخطط ومخططات وأهداف إسرائيل.. عندما يطالع المرء هذا بتمعن يكتشف إلى أى مدى وصل الإجرام الصهيوني.. إجرام لم يستثن من أهدافه التدميرية «الموثقة والمكتوبة» حتى الشجر والحجر «الفلسطيني»!!.. بذور الإبادة والتدمير والتهجير تملأ «العقلية الإسرائيلية الصهيونية» منذ زمن.. قبل حتى «قيام إسرائيل».. وربما لايجد المرء مايقوله عندما يطالع فى الوثائق التاريخية الإسرائيلية أن «الخطة دالت» ظلت العصابات والجماعات الصهيونية تعد لها من «ثلاثينيات» القرن الماضي.. كانوا يجمعون معلومات عن كل ماهو فلسطيني.. أعداد البشر.. القري.. المدن.. أعداد الشجر.. الأطفال.. البنادق.. كل شيء على أرض فلسطين جمعوا معلومات عنه.. وإستنادا إلى هذه المعلومات وضع قادة الصهيونية الخطة وأوكلوا مهمة «التنفيذ» لعناصر العصابات الصهيونية والتى بدورها «أنجزت» جانبا من أهداف الخطة بإقامة «إسرائيل».. ومازالت هناك أهداف صهيونية أخرى مازالت تنتظر حتى الآن!!.
وفقا لما ذكره «آيلان بابه».. فإنه فى العاشر من مارس «1948» داخل أحد المبانى فى «تل أبيب».. وضع ديفيد بن جوريون والصهاينة العشرة المجتمعين معه «اللمسات الأخيرة» للخطة»دالت» وسرعان ما أرسلوا إلى أفراد العصابات الصهيونية التى كانت قد إنتشرت فى فلسطين لكى يتم البدء فى تنفيذ الخطة.. وكان من أبرز ما جاء فى بنود الخطة هو القيام بكل ما من شأنه طرد الفلسطينيين من أرضهم طردا ممنهجا وذلك باستخدام عدد من الأساليب التى تضمنتها الخطة وشملت.. إثارة الرعب بين السكان الفلسطينيين.. محاصره القرى والأحياء الفلسطينية وضربها بالقنابل.. حرق وتدمير المنازل.. زرع الألغام وسط أنقاض المنازل المهدمة لمنع السكان المطرودين من العودة لمنازلهم.. وقد تم تزويد كل وحدة من وحدات العصابات الصهيونية بقائمه تتضمن اسماء القرى والأحياء المحددة كأهداف للخطة.. الهدف الرئيسى والإستراتيجى للخطة «دالت» هو طرد الفلسطينيين من خلال تدمير المناطق الفلسطينيه الريفية والحضرية على السواء. وان تكون فلسطين لليهود «فقط لاغير».. نصف عدد سكان فلسطين فى ذلك الوقت «1948»تم إجبارهم بموجب الخطة «دالت» على ترك منازلهم.. مئات القرى وآلاف المبانى تم هدمها وإحراقها.. خريطة جديدة رسمتها «دالت» لفلسطين والمنطقة والعالم!!.
من يستدعى الخطة «دالت» ويحاول أن يرى من خلالها حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين فى غزة.. وما يتم التسويق والترويج له الآن من مخطط التهجير إلى خارج غزة والضفة الغربية.. من يستدعى «دالت» ويحاول أن يرى من خلالها ماحدث وما يحدث ضد الفلسطينيين «الآن» فى غزة والضفة الغربية.. يتأكد له أن أهداف «الصهيونية العالمية» لن تتوقف عند حدود فلسطين.. وأن ماتحقق لها فى عام «1948» ماهو إلا «إنجاز مرحلي» وأن الصهيونية العالمية مازالت تسعى وتعمل على تحقيق إنجازات أخرى مماثلة «كلما تيسر لها ذلك».. من هنا فإننا يمكننا القول أن كافة المجازر والمذابح والجرائم المرعبة التى إرتكبتها إسرائيل فى حربها على غزة.. إنما هى امتداد للخطة «دالت».. ليس ذلك فحسب بل إن كافة الأطروحات والمخططات التى تطفو على السطح الآن وتهدف إلى تهجير الفلسطينيين.. يمكن القول أيضا أنها تندرج تحت البند الذى نصت عليه «دالت» والذى طلب من «العصابات الصهيونية» فعل كل ما يمكن أن يؤدى إلى إبعاد الفلسطينيين عن «أرضهم»!!.
خلال رحلة البحث حول الخطة «دالت».. أثار انتباهى عنوان كتاب للمفكر الراحل عبدالوهاب المسيرى «انهيار إسرائيل من الداخل».. أسرعت نحوه لأستبين الأمر فوجدت أن الدكتور المسيرى بعد سلسلة من البحث والتوثيق والجهد العلمى إنتهى إلى نتيجة ليست هى بالضبط التى يحملها عنوان الكتاب.. فلقد تناول عبدالوهاب المسيرى فى كتابه كافة التصدعات التى تعانى منها إسرائيل فى الداخل وكذلك الأمراض التى حلت بالمجتمع وأدت إلى تسارع وتيرة «تآكله».. تهرب من الخدمة العسكرية.. انهيار نظرية الأمن الإسرائيلية بعدما تعرضت له دولة الاحتلال فى «حرب الإستنزاف» وحرب العاشر من رمضان 1393»السادس من أكتوبر 1973» بالإضافة إلى ماحدث لها فى لبنان.. انتشار تعاطى المخدرات.. الهجرة إلى خارج «إسرائيل».. تخلى كثير من شرائح المجتمع عن فكرة «الصهيونية».. كل ذلك وغيره تناوله الدكتور المسيرى فى كتابه المهم.. لكنه عندما أراد أن «يعلق» على فرضية «انهيار إسرائيل من الداخل» أشار إلى مسألة بالغة الأهمية وهى أنه على الرغم من كل هذه التصدعات والأمراض الاجتماعية التى تعانى منها إسرائيل «فى الداخل».. إلا أن هذه الأمراض والتصدعات لن تؤدى وحدها إلى إنهيار إسرائيل.. لابد من «عامل خارجي» يوظف هذا الضعف الداخلى لكى يحدث انهيار «الاحتلال».
ما قاله أو ما انتهى إليه عبدالوهاب المسيرى فى كتابه «انهيار إسرائيل من الداخل» ليس بعيد الصلة عما جاء به «آيلان بابه» فى كتابه «التطهير العرقى فى فلسطبن».. فهناك رابط قوى بين «الخلاصتين» والذى يمكن من خلاله أو استنادا إليه أن نطرح بعض «المهام الضرورة» والتى يجب على الجهات العربية المعنية القيام بها فى «المرحلة الحالية» التى تمر بها القضية الفلسطينية من أجل التصدى لحلم إسرائيل الأكبر والذى لايقف عند فلسطين بل يريد أن يتمدد ليصل إلى «إسرائيل الكبري».. هذا من جانب.. ومن جانب آخر تأكيد ثوابت «الأمن القومى العربي» والحفاظ عليها والوقوف بكافة الأشكال فى وجه أى تهديد يمس هذه الثوابت.. الذى أعنيه هنا فى المقام الأول «مؤسسات الوعي».. فعلى سبيل المثال هناك «مهام وطنية وقومية» يجب على مؤسسات الوعى القيام بها «بناء على ماترتب على حرب غزة».. مؤسسات الوعى العربية هذه مطالبة بشن حرب ناعمة مضادة ضد «الرواية الصهيونية» والتى تسعى وتعمل منذ سنوات طوال على تشويه كل ماهو فلسطينى أو عربى أمام العالم.. هذه الحرب المضادة الناعمة لابد أن تستخدم ضمن أسلحتها تلك «المآسى الحية» التى عاشها الشعب الفلسطينى طوال أشهر الحرب على غزة.. بالصوت والصورة يجب أن توثق مؤسسات الوعى العربية جرائم الإبادة الوحشية التى إرتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.. وياحبذا لوتم هذا التوثيق بالتنسيق مع جامعة الدول العربية.. هذه الوثائق «المنتظرة» يمكن أن تكون بداية لإحداث تحول تاريخى فى تعاطى العالم «الآن ومستقبلا» مع الحقوق الفلسطينية والعربية وكشف كافة الادعاءات الإسرائيلية والتى «سيطرت».. نظرا لأسباب عديدة.. على وسائل الإعلام ومراكز التأثير على الرأى العام فى أوروبا وأمريكا على مدى مايقرب من ثمانية عقود.
لقد فرضت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة»بكافة أحداثها وتفاصيلها ونتائجها» قواعدجديدة فى مسارات الصراع العربى الإسرائيلي.. قواعد جلية لاتقبل اللبس كشفت عنها بكل وضوح «تصريحات واعترافات» بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غافير وبتسلئيل سموتريش وجميع أعضاء حكومة «تل أبيب» الحالية والتى فاقت جرائمها جرائم الفاشية والنازية.. أبرز هذه القواعد هو سقوط هذه «الهالة الخادعة» التى كانت إسرائيل وجيشها يصران على الالتصاق بها دائما.. إن حرب غزة هى سقوط كبير لنظرية الأمن الإسرائيلية.. من هنا وانطلاقا من ما توصل إليه عبدالوهاب المسيرى فى «انهيار إسرائيل من الداخل».. يجب على مؤسسات الوعى العربى أن توظف نتائج حرب غزة لخدمة القضية الفلسطينية والدفاع عن الحقوق العربية.. ربما لايكون من الإفراط فى التفاؤل أن نقول أن قيام العرب بحرب ناعمة مضادة للرواية الصهيونية أمام الرأى العام العالمى يمكن أن يكون ذلك سببا فى عزل إسرائيل دوليا ورسم صورة ذهنية عالمية توثق للأجيال الحالية والقادمة «نازية وفاشية» الاحتلال الصهيونى .. الحرب الناعمة المضادة بما تشمله من توثيق عربى لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة يمكن أن تكون «نواة» لمشروع عربى أكبر تصير فيه حرب غزة «هولوكوست» جديدة تطارد إسرائيل والصهيونية فى كل مكان .. سيحدث هذا إن شاء الله.. إن «نظرة جامعة» لما قاله كل من المفكر عبد الوهاب المسيرى والمؤرخ الإسرائيلى آيلان بابه تجعلنا ندرك حقا أن الخطة «دالت» مهما بلغت من قوة ودقة وإجرام وتدمير فلن تستطيع أن تحمى «إسرائيل» إذا حانت لحظة «الانهيار».. وأن «تعظيم الاستفادة» من نتائج حرب غزة يعد «ضرورة عربية» من شأنها أن تساعد بشكل فعال فى إسقاط مخطط «التصفية والتهجير».. ونواصل إن شاء الله.
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.