الحقيقة أننا أمام مشاهد مروعة فى مناطق كثيرة بالعالم، تنذر بمخاطر وكوارث إنسانية.. ليس هذا فحسب بل بات العالم، سبباً أساسياً فى وأد الإنسانية والرحمة، سواء بالتورط المباشر ورعاية جرائم القتل، والإبادة، والمجاعة، والهدم والتدمير، والإفراط فى استخدام القوة ضد المدنيين خاصة الأطفال والنساء، أو الدفع نحو إسقاط الدول الآمنة والمستقرة وتشريد شعوبها وسلب مقدراتها وثرواتها، أو بشكل غير مباشر من خلال العجز عن فعل أى شيء لإيقاف النزيف الإنساني، المتواصل، فى الوقت الذى سقطت فيه قوانين هذا العالم التى تزعم الرحمة والإنسانية، أو حتى القانون الإنسانى الدولي، لم يعد سوى حبر على ورق، وربما اندثرت أوراقه وأحباره، لذلك هذا العالم على شفا الهلاك خاصة أنه يحمل مقومات وأسباب هذا الفناء فى ظل صناعة الصراعات والحروب والقتل، والإبادة أو غزارة وجود أسباب هذا الهلاك من خلال انتشار أسلحة الدمار الشامل أو الفتاك، وهذا التطور المذهل فى أدوات التدمير، وهو الأمر الذى يجعلنا نعيش فى عالم «معدوم» الإنسانية والرحمة.
ما يحدث فى العالم ليس خافياً على الجميع بل بات البشر يضعون أيديهم على قلوبهم من هول ما يحدث، وهناك منهم من يتمنى الموت الكريم بدلاً من المعاناة والعذاب لذلك نحن كعالم فى حاجة شديدة إلى تجديد الخطاب الإنسانى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، ففى ظل هذه الأوضاع والمشاهد المروعة التى تشير إلى سقوط الإنسانية، وقوانينها، بل وملامحها، وهو الأمر الذى يفرض على جميع الدول العمل على تغيير منظومة وقواعد ومبادئ العلاقات الدولية، وإيجاد بدائل جازمة وحاسمة للمنظومة الأممية التى تعانى من الضعف والترهل، وهشاشة البناء فى ظل اتهامات لها بأنها تخدم دولاً بعينها فى ظل ازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين، وغياب العدالة الدولية، لذلك نرى أن دولاً وكبار مسئولين تلهث وتكثف اتصالاتها وتهديدات بالمسئولين فى المحكمة الجنائية الدولية، لإنقاذ القتلة وسفاكى الدماء، والمخربين والمدمرين وقتلة الأطفال والنساء، وفرض حرب الإبادة، دول كبرى تلهث وراء إنقاذ رقبة نتنياهو وحكومته المتوحشة من قرار «الجنائية الدولية» بتوقيفهم أو اعتقالهم لمحاسبتهم على الجرائم ضد الإنسانية فى حق الفلسطينيين مدنيين، ونساء وأطفالاً، بعد أن تجاوزت أعداد الشهداء والمصابين أكثر من 110 آلاف فلسطينى فى عدوان وحرب إبادة دخلت شهرها الثامن فى ظل قصف وقتل، وحصار وتجويع وانتهاك لكل مبدأ إنساني، ولا مبالاة بأى قوانين دولية أو إنسانية، وتهديد للأمن والاستقرار الإقليمى والدولي، وتصاعد نذر الحرب الشاملة فى المنطقة، تحت رعاية أمريكية غربية تضرب تشدقات الأمريكان والغرب عن حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير والديمقراطية فى مقتل.
الحقيقة أن الحديث عن تجديد الخطاب الإنسانى على الصعيد الدولى بات أمراً غاية فى الصعوبة بل فى عداد المستحيل فى ظل المخاض الصعب لبناء وتشكيل نظام عالمى جديد، يشهد حالة من التطاحن وحروب تكسير العظام، وإشعال الصراعات سواء للحفاظ على النظام القديم القائم على الهيمنة والنفوذ والسيطرة على مفاتيح وثروات المناطق الاستراتيجية فى العالم، وبين نظام عالمى جديد يسعى للظهور والاستقرار يرفع شعارات العدالة الدولية والمساواة، لذلك ترتفع وتيرة الصراعات والتوترات والحروب، ويزداد سباق التسلح حدة وكل فريق يضع يديه على ذر الأسلحة الفتاكة وهو ما يتسبب فى تداعيات خطيرة تظلم النسبة الأغلب من البشر على كافة الأصعدة أمنياً، واقتصادياً، وتزهق أرواح الملايين خلال العقود الأخيرة.
الحديث عن تجديد الخطاب الإنسانى الدولى ربما يكون من قبيل الرفاهية والرومانسية فى ظل هذه الأوضاع والصراعات الدامية، والمشاهد المروعة، دولياً وإقليمياً، فهناك صراعات فى مناطق عدة فى العالم، تشتعل أكثر وهناك صراعات كامنة تنتظر إشارة البدء وهناك عجز دولى وأممى عن مجابهة أو إيقاف هذه الصراعات، فصراعات الكبار فوق القوانين وأكبر من طاقة وقدرة المنظومة الدولية والأممية، تتنافى وتتناقض فيها شعارات القوى الكبري، مع الواقع الذى يعيشه العالم، فكيف تتحدث أمريكا عن الإنسانية والديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، وطلاب الجامعات يواجهون التنكيل والاعتقال، بل كل من يعارض العدوان الإسرائيلى يلقى نفس مصير الطلاب، فأى حديث أمريكى بعد ذلك عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أو حتى عن الإنسانية لذلك نحن أمام عالم يتجه إلى مصير غامض، ويبقى الحديث عن تجديد الخطاب الإنسانى الدولى مجرد أحلام فنحن فى عالم المصالح، والنفوذ والقوة.